الطب > علوم عصبية وطب نفسي
فك شيفرة الدماغ، المرحلة الأولى: قراءة الأفكار
هل زرت هذا المنزل من قبل ؟
إذا كان هذا المنزل موقع جريمة وأنت مشتبه به ستقول لا بالتأكيد، لكن ماذا لو كان العلم يستطيع أن يقرأ مافي دماغك ويثبت أنك كنت هنا؟؟
لا تقلق! لا يستطيع العلم فعل هذا حالياً لكن هناك احتمالية مستقبلية لتقنيةٍ من هذا النوع تدعى -فك تشفير الدماغ-
يجلس الباحث جاك غالنت Jack Gallant أمام شاشتي كمبيوتر في مخبره، وأمامه تتمّ قراءة أفكار أحد المتطوعين.. !
على الشاشة الاولى تعرَض مشاهدٌ متنوعة من فيلمٌ عاديّ، وعلى الشاشة الثانية يعرض فيلمٌ غير عادي، مشاهد ضبابية غامضة تظهر ضمنها كلمات، تدلّ بشكل متعثرٍ على محتوى الفيلم الاول..
الشاشة الاولى تظهر ما يتمّ عرضه أمام المتطوع الذي يخضع لمسح الدماغ، والشاشة الأخرى الغامضة هي ترجمة "برنامج فك التشفير" لنشاط الدماغ نفسه، عن طريق دراسة المسح وتوقع ما يفكّر به!
تظهر الممثلة "آن هاثواي" على الشاشة الأولى وهي تتجادل مع "كيت هدسون"، فتظهر الشاشة الأخرى بثقةٍ كلمتي: "امرأة" و "كلام"..
يظهر مشهدٌ من وثائقيّ علميّ على الشاشة الاولى: ثدييٌّ بحريّ يدعى "بقر البحر" يسبح تحت الماء، تضطرب الشاشة الثانية لثوانٍ بينما يجاهد برنامج فك التشفير لفهم ما يراه الدماغ، ثمّ تظهر كلمة "حوت" و "سباحة" بخطٍ صغير غير واثق !
"هذا بقر البحر وليس حوتاً، ولكنّ البرنامج لا يعرف الفرق" يقول جاك وكأنه يقيّم أداء البرنامج، "لم ندرّبه على تمييز بقر البحر من قبل، فقام باقتراح اقرب شيءٍ له" !
بدأت فكرة فك تشفير الدماغ قبل عقدٍ مضى حين أدرك علماء الأعصاب أن هناك الكثير من البيانات غير المستغلة من صور المرنان المغناطيسي للنشاط الدماغيّ، والذي يحدّد المناطق النشيطة في الدماغ والتي تضيء كنقاط ملونة في التصوير.
لتحليل نموذج هذا النشاط الدماغي تمّت تجزئة الدماغ إلى مكعبات صغيرة تدعى الفوكسل (مثل البيسكل ولكن ثلاثية الأبعاد). وهو واحدةٌ تستخدم عادةً في التمثيل التصويري ثلاثي الأبعاد.
حين يعمل الدماغ، تتنشط فوكسلات معينة ضمنه بحسب المعطيات التي تحفز الدماغ. على سبيل المثال حين يرى الدماغ وجهاً، تضيء الفوكسلات إضاءةً متباينة وفقاً لنمطٍ معين، وبالنظر إلى ذلك "النمط" الخاص بالفوكسلات المضيئة وقوة إضاءة كلٍّ منها في الدماغ ودراسة ذلك النمط، يمكننا استنتاج أيّ منطقةٍ من الدماغ هي المسؤولة عن معالجة صور الوجوه.
لكنّ تقنيات فك ترميز الدماغ تعطي معلوماتٍ أكثر من مجرد تصوير الدماغ، حيث تتمّ دراسة المناطق ذات الاستجابة الضعيفة والقوية، وتحديد وحفظ نماذج دقيقة من النشاط الدماغيّ.
أثبتت الدّراسات المبكرة أنّ المعلومات لا تشفّر في الدماغ داخل مناطقٍ صغيرة نشيطة، بل تشفّر على شكل مجموعاتٍ مبعثرة.
يتمّ ادخال "أنماط الفوكسلات" تلك إلى الحاسوب، إلى برنامج يحتوي على لوغاريتم يقوم بتصنيف للأنماط، تكمن وظيفته في حفظها والربط بينها وبين الصور أو المواضيع التي تدلّ عليها، ومن ثمّ حين يمتلك هذا البرنامج ما يكفي من التعليمات، يصبح بإمكانه أن يستنتج ماذا يرى هذا الشخص أو بما يفكر، عن طريق تصوير نمط نشاط دماغه.
قد تنقل هذه التقنيّة العلماء إلى مرحلةٍ جديدة، حيث سيصبح بإمكانهم دراسة مدى صحة النظريّات النفسية، ومدى قوة وتوزع الذاكرة، والكثير من القضايا الأخرى التي كانت محيّرةً في عمل الدماغ.
يقول Russell Poldrack ، المختص في المرنان المغنطيسي الوظيفي: "باستخدام تقنية فك تشفير الدماغ، أصبح بإمكاننا دراسة مدى صحة نظريات علم النفس التي تتنبأ بآلية عمل دماغ البشر أثناء أداء المهام"
لم تتوقف محاولات فكّ شيفرة الدماغ عند معرفة ما يفكّر به لحظياً، بل امتدّت إلى تجارب لقراءة الأفكار القديمة والمستقبلية، أو بكلماتٍ أكثر دقة: الذكريات، والنوايا !
انتظروا الحلقة الثانية لمعرفة المزيد عن هذه التجارب
سيتم عرض المصدر في نهاية السلسلة