الطب > مقالات طبية
حَثلُ دوشن العضليّ
من الصَّعب جدًّا العيشُ مع مرضٍ جينيٍّ مُنهِكٍ كضمور دوشن العضليِّ الذي يُسبب خسارة تدريجيَّة في الوظيفة العضليَّة مُؤثرًا على نشاطات المريض اليوميَّة؛ لكن ما تعريف هذه الحالة؟
-ضُمور دوشن العضليُّ حالةٌ مرضيَّة جينيَّة تُصيب قرابة 3500- 5000 مولودٍ ذَكَرٍ في العام؛ فهي أشيع حالة من أنواع الضمور العضليِّ التي تُصيب الأطفال، ويعود سبب هذا المرض إلى طفرة في المورِّثة المسؤولة عن إنتاج بروتين مهمٍّ يُدعَى ديستروفين، ويُكسِب هذا البروتين العضلاتِ القوَّةَ والدعم والقدرة على الترميم؛ فغيابه يؤدِّي إلى ضعف العضلات الهيكليَّة وتنكُّسها وتليُّفها وكذلك عضلة القلب.
وعادة ما تظهر الأعراض في الطفولة المبكرة، وغالبًا ما تكون عضلاتُ القدمين هي أولى العضلات المُصابَة، وقد يبدأ الطفل المشيَ متأخّرًا عن أقرانه.
-قد يلحظ الأهل عند أطفالهم الصِّغار ضخامةً في عضلات السَّاق، وتُعرَف هذه الضخامة بفرط التنسُّج الكاذب، ويعود ذلك إلى كون النسيج العضليِّ غير طبيعيّ.
-وفي عمر ما قبل المدرسة غالبًا ما يتعثَّر الطفل ويقع، وقد يُلاحظ الأهل أنه يواجه صعوبة في صعود السّلالم أو النهوض من الأرض أو الجري.
-أمَّا في عمر المدرسة، يتمكن الأطفال من المشي ولكن على رؤوس أصابعهم أو على مقدِّمة أقدامهم، وتجعلهم هذه المِشية غير متوازنين ومتمايلين؛ لذلك يقومون بدفع بطونهم إلى الأمام وسحب أكتافهم إلى الخلف.
-ويبدأ العديد من الأطفال المرضى باستخدام الكرسيِّ المُدولَب بين السنة السَّابعة والثانية عشرة من العمر.
ولهذا المرض أعراضٌ عديدة أخرى تؤثِّر على أجهزة عديدة ضمن الجسم منها القلب والجهاز التنفسيّ، وتؤثِّر كذلك على قدرة المرضى على التعلُّم والتركيز والتحصيل العلميّ.
وَحَثل* دوشن العضلي منتشر أكثر لدى الصِبيان، ويعود سبب ذلك إلى طريقة انتقال المُورِّثة المُسبِّبة لهذا المرض من الآباء إلى الأبناء؛ إذ يُصنَّف حثل دوشن العضليُّ ضمن فئة الأمراض المرتبطة بالجنس، وذلك لأنَّ المُورِّثة المسؤولة عن المرض موجودة على الصبغيّ X.( هذا الصبغي الذي يساهم في تحديد جنس الجنين، فيكون الإنسان ذكرًا لديه صبغي X واحد أو أنثى لديها صبغيي X اثنين. ) وتكون الأنثى حاملة للطفرة الوراثيَّة عندما تكون جينة الديستروفين طبيعيَّة على أحد صبغيي X لديها، وتكون الجينة طافرة على صبغي X الآخر الموجود لدى الأنثى نفسها؛ ولذلك فكلُّ صبيٍّ يُولَد لأمٍّ تحمل الطفرة الوراثيَّة تصل نسبة إصابته بالمرض إلى 50% أمَّا الإناث اللاتي وُلدنَ لأمهات يَحملنَ الطفرة الوراثيَّة يُصبحنَ حاملات إياها أيضًا.
ويمكن - في حالات نادرة - أن يُصابَ طفلٌ ليس في عائلته حالات سابقة من حثل دوشن العضليّ.
ولهذا عدَّة تفسيرات منها: التحوُّل الجينيُّ الذي يطرأ على المورِّثة في أثناء الطفولة
التشخيص:
-عندما يشكُّ الطبيب في إصابة الطفل بحثل دوشن العضليِّ سيطلب تحاليلَ دمويَّة؛ إذ يُتحَرَّى أنزيم يُدعَى الكرياتين كيناز في المصل، وهذا الاختبار قد يساعد الطبيب في التوجه الصحيح؛ ولكنَّه لا يُعطي تشخيصًا مُحددًا، وغالباً ما يُطلَب هذا التحليل في المراحل المُبكِّرة للتشخيص.
-أمَّا الطريقة المُثلى للتشخيص فهي عن طريق الفحص الوراثيِّ وتحديد الطفرة الوراثيَّة ومكانها، وفي حال كان هذا الفحص غير واضح يلجأ الطبيب إلى الخِزعة العضليَّة لفحص الديستروفين في العضلات. وعادةً ما يُشخَّص المرض بين السنة الثالثة والسابعة من العمر.
التدبير والعلاج:
إنَّ تدبير هذا المرض يحتاج إلى تعاون فريق طبيٍّ متعدّد الاختصاصات، والتركيز على الأعراض إضافةً إلى إعادة التاهيل، وبفضل التطور في نواحٍ شتَّى في الطب كالتقدم في اختصاصيّ القلبيَّة والصدريَّة؛ يعيش مرضى الضمور العضليِّ في القرن الواحد والعشرين أطول ممَّا عاش أسلافهم في العقود السابقة؛ فإنَّ العمر الوسطي لهؤلاء المرضى ارتفع من 14 سنة في الستينيات إلى 19.3 سنة في التّسعينيات.
وزَوَّدتنا الدراسات المنشورة حديثًا من المُختصِّين بالدلائل الإرشاديَّة المُتعلقة بتديير حثل دوشن العضليّ، وبيّنت أنَّ استخدام الستيروئيدات القشريَّة قد يُساعد في الحفاظ على الوظيفة العضليَّة وقوة العضلات؛ إضافةً إلى تأخير تطور المشكلات القلبيَّة.
ووُصِّيَ بالاستخدام المبكر لحاصرات الأنزيم المُحوَّل للأنجيوتنسين ACE أو حاصرات بيتا لتأخير تطور الاعتلالات القلبيَّة.
لا يوجد علاج شافٍ حتى الآن؛ ولكن في الآونة الأخيرة ظهرت العديد من التطورات الهادفة لعلاج ضمور دوشن العضليّ، وشملت العلاجاتِ الجينيَّة عن طريق تبديل الجين الطافر باستخدام تقنيَّات الوراثة الجزيئية، وقد نشأت علاجات أخرى باستخدام الخلايا الجذعية.
قد يكون تشخيص الطفل بحثل دوشن العضليِّ خبرًا مؤلمًا للعائلة؛ ولكن هذا لا يعني أنَّ الطفل سيتوقف عن الذهاب إلى المدرسة أو أنَّه لن يستطيع الاستمتاع بوقته مع أصدقائه؛ فعند اتباع تعليماتِ الطبيب والتقيُّد بالعلاج المطلوب يمكن للطفل الحفاظ على حياة نشيطة تُناسِب حالته الصحيَّة وذلك حسب توجيهات الطبيب المعالج.
*الحَثلُ لغةً: سوء الرِّضاع والحال، والمُحثَل: السيّئ الغذاء، والحِثل: الضاوي الدقيق (الضامر).
(لسان العرب، ابن منظور الإفريقي)
المصدر: