الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
الزواج عند الفلاسفة
يمكن أن يشيرَ مفهوم الزّواج إلى عقد قانوني، أو حالة مدنية، أو طقس ديني، أو ممارسة اجتماعية تختلفُ حسب السلطات القانونية والعقائد الدينية والثقافة الاجتماعية.
يُظهر التاريخُ تبايناً كبيراً في الممارسات الزوجية فقد مُوْرِسَ تعدّد الزّوجات على نطاق واسع، وقد وافقت بعض المجتمعات على ممارسة الجنس خارجَ إطار الزواج، إضافةً إلى ذلك؛ فقد حصلتِ الزيجات المثلية الجنس، ولم يكن العرفُ الدينيّ أو الاجتماعي هو القانونَ الضّابط للزواج دائماً.
وقد عكستِ الأعمال الفلسفيّة عبر التاريخ تطوّراً وتداخلاً في أفكارٍ كثيرةٍ عن الزواج، وسنتعرّف في هذا المقال إلى آراء كثيرٍ من الفلاسفة في هذا النطاق.
نبدأها بالفلاسفةِ الإغريق؛ إذ صاغ الفيلسوف اليوناني أفلاطون مفهوماً جديداً للزواج حسب منظوره الأمثل له، الذي كان متناقضاً على نحوٍ كبيرٍ مع الممارسة الواقعيّة للزواج في ذلك الوقت.
إذ دعا في مفهومِه إلى المساواة بين الرّجلِ والمرأة في الواجبات الزوجيّة، وكأوصياءَ تكون الزوجة موجودة دائماً مع الأطفال.
وكانت تقام زيجات مؤقتةٌ لتحسينِ التّكاثر والنسل في الأعياد ويُختارُ الأزواجُ بالقرعةِ، والتي يحضّرها الزعماء -سريّاً- وبعد أن تُنجبَ الأولاد يُؤْخذون من الوالدين الحقيقيين لِيُرَبّوهم تربيةً مخفيّةً في دور الحضانة.
كانتْ حجّةُ أفلاطون في إعادةِ الهيكلةِ الجذريّة هذه للزواج هي توسيعُ التّعاطف الأسري من الأسرة البيولوجية إلى المجتمع بحدّ ذاته.
ودعا إلى تجنّب المبالغة في كثرة الأشخاص الذين يمارسُ المرْءُ معهم الجنس، ودعا إلى عدم الامتناع عن الجنس مطلقاً أيضًا.
ويرى أرسطو تلميذُ أفلاطون أنّه يجب على المشرّع أن يُوْلِي عنايةً كبيرةً بموضوع الزواج، وذلك بتحديد السنّ والصفاتِ التي يجيب توافرها فيهم قبلَ الزواج، وفي هذا الصدد؛ يذهب أرسطو إلى أنّه لا يجوز أن نبكّر في زواجِ الأولاد لأنّ الزواجَ المُبكّر يؤدي إلى إنجابِ ذرّية غير مكتملة.
واختلفَ أرسطو مع أفلاطون في أدوارِ الجنسين في الزواج، فكلّ جنس يعبّر عن تميّزه تعبيرًا مختلفًا: فتكمنُ شجاعة الرجل في قيادته وسيطرته، أمّا تميّز المرأة فيظهر في طاعتها، وهو تكاملٌ يعزز المصلحة الزوجية.
وعلى خلاف هؤلاء الفلاسفة القدماء؛ لم يقتصرِ النقاشُ الفلسفيّ عند الفلاسفة المسيحيين على الجنس والحب الجنسي على الزواج فحسب، بل قدموا مفهوماً جديداً للزواج لأنهم عدّوه السّياقَ الوحيدَ الذي يسمح بالجنس.
وقد كانَ القدّيس أوغسطينس؛ ومن بعده القديس بولس؛ يُدين الشّهوةَ والجنسَ إن حدثت خارج نطاق الزواج.
واعتقدوا أن الامتناعَ عن ممارسة الجنس تماماً هو أفضلُ من الجماع الزوجي الذي يُمارَسُ من أجل الإنجاب وأن عدمَ الزّواج إطلاقاً هو الحالةُ الأسمى.
ولكن الزواجَ كان مُبرَّراً تبعاً لِفوائده: كإنجابِ الأطفال والإخلاصِ الزوجيّ، إضافة إلى كونِه سراً دينيّاً مقدّساً.
وسببُ الفعلِ الجنسيّ الزّوجي هو الذي يحدّد جوازَ هذا الفعل من عدمه: فعندما يكونُ الجنسُ بهدفِ الإنجابِ فهو ليس بخطيئة، وإذا كانَ الجنسُ ضمنَ إطارِ الزّواجِ لإرضاءِ الشّهوة الجنسيّة فحسب؛ فعندها تكون خطيئةً من الممكن غفرانها، وكونُ الجنسِ الزّوجي مفضلاً على علاقة الزنا (الجنس خارج إطار الزواج) فإن الزوجين مدينان بعضهما لبعض بالتزاماتِ الزواج (الجنس) لحمايتهم من الإغراء ومن ثَمَّ الحفاظ على الإخلاص المتبادل بينهما.
أما القديس توما الأكويني فقد أسَّس أحكاماً اتّفقَ عليها في الأخلاقِ الجنسيّة وأدخلها ضمن القانونِ العام.
وكان الزواجُ الأحادي (الزواج بزوجة واحدة فقط) أحدَ هذه القوانين كونَه يُعَدُّ أفضلَ نظامٍ لتربيةِ الأطفالِ فهو يؤمّن التوجيه الأبوي الذي يحتاجه كل طفل.
وكان يعدُّ علاقةَ الزّنا خطيئةً هالكة؛ لأنّها تسببُ الأذى في حياةِ الأولاد.
قبلَ قرنٍ من وقتنا الحالي؛ بدأتْ تظهر مؤشراتٌ جديدةٌ إلى الاستياءِ من النّموذجِ التّجاري للزواج؛ إذ هاجمتِ الفيلسوفةُ والراهبة الفرنسية هيلويس الزّواج القائمَ على مفهومِ صفقة تجاريّة، بحجةِ أنّ المرأة التي تتزوج من أجل المال أو المنصب لا تستحق التقدير والامتنان، ومن الممكن أن تجعل من نفسها عاهرةً لرجل غنيٍّ إن استطاعت ذلك.
وقد أيّدت "هيلويس" علاقةَ الحبّ المفهومة كأحد أشكال الصداقة عوضاً عن هذه العلاقة التجارية.
وكان للفيلسوفِ الألمانيّ إيمانويل كانط وجهةُ نظر مختلفة في الزواج؛ إذ يرى أنّ عقدَ الزّواج لا يتمّ إلا بالمعاشرة الجنسية؛ فالوظيفةُ الطبيعيّة للزواجِ هي ممارسةُ الجنس.
"وهذه الممارسةُ تحملُ إشكاليّةً أخلاقيّةً كبيرة تكمن عند استخدام الشخصِ للشريك وسيلةً لملذاته فقط، وبذلك تعدُّ هذه العلاقة منافيةً للإنسانية."
وبناءً على ذلك؛ فإنّ الإنسانَ الذي يتزوّجُ ليس مُلزَماً -ليكون زواجُه شرعيّاً- أن يكون غرضه هو الإنجاب.
أمَّا الفيلسوفُ البريطانيّ جون ستيوارت ميل فقد ناقشَ منحىً مختلفاً عن الزواج وقارنَه بالعبودية؛ إذ اعتقدَ أن خضوعَ المرأة وتبعيتها في الزواج نشأت من القوّة الجسدية التي يتمتع بها الرجل، فالنساء كُنَّ يخضعن لسلطةِ أزواجهن، ولم يكن لديهن أيُّ حقوقٍ قانونيّة، والأسوأ من ذلك أنّه كان من الواجبِ عليهن تقديمُ العلاقة الجنسية لأسيادهنّ.
ويَعُدُّ "ميل" أنّ هذا المثالَ عن عدمِ المساواةِ القائمَ على القوّة البدنية دام فتراتٍ طويلةً لأنّ كلّ الرجال لديهم مصلحة في إبقائه.
ورفض الرأي القائلَ إنّ طبيعةَ المرأة هي المبرر لعدم المساواة الزّوجية، وعدّ العلاقةَ الزّوجيّة المثالية هي أحد أشكال الصداقة المتساوية.
وفي النّهاية؛ فإنَّ مثلَ هذه الزيجات هي بمثابةِ "مدارس عدل" للأطفالِ ليتعلَّموا منهم كيف نتعاملُ مع النّاس بمساواةٍ، أما اللامساواة الزوجيّة تلك فهي أشبه بـ"مدارس ظلم" علَّمت الذكور على التمييز والعنصريّة بمجرّد كونه ذكرًا، مما كان يؤدي إلى إفساد أجيال المستقبل.
وستبقى العلاقة بين الحب والزواج تشغل الفلاسفة الجدد أيضاً، فهل تهدّدُ الالتزاماتُ الزوجية والحوافز المادية الحبَّ كما اعتقدت هيلويس؟ أم أنَّ الالتزام الزوجي من الممكن أن يقوي الحب بين الأزواج كما ذكر توما الأكويني؟ أم أنَّ المساواة الزوجية هي الحل الأمثل لبناء مجتمع أفضل وأقوى حسب رأي جون ميل؟
المصادر:
1. هنا
2. هنا
3. The Science of Right book by Immanual Kant (pages: 43 to 46)