علم النفس > الصحة النفسية
الاضطراباتُ النفسيَّةُ والعقليَّةُ التي يُواجهها طُلاب الشهاداتِ العُليا
كثيرًا ما نَسمع عن الأمراضِ النفسيَّةِ وآثارها الخطيرة في صحة الإنسان؛ فما الأمراض النفسية عمومًا؟
الأمراض النفسيَّة أو الاضطرابات النفسيَّة حالاتٌ تُؤثّر مباشرةً في طرائق التفكير والمشاعر والحالة النفسية والسلوك، وقد تكون مزمنة أو عارضة تحدث من آنٍ لآخر.
ولكن؛ هل للدراسات العليا أثرٌ في تدهور الصحة النفسيَّة للطلاب؟ أو هل هناك اضطرابات نفسيَّة قد تُصيبهم دون غيرهم؟ وهل من الممكن أن تكون المدارس والجامعات والمعاهد العليا سببًا أساسيًّا ومهمًّا في الإصابة بالأمراض النفسيَّة؟
تُشير الدراساتُ والإحصائياتُ إلى أنَّ واحدًا من كلِّ ثلاثة طلاب في الدراساتِ العُليا يواجه خطرَ الإصابة بالأمراض النفسيَّة، أو تطورَ مرضٍ نفسيٍّ سابق.
فيكون الطُّلاب أكثرَ عرضةً للإصابة بالإحباط من غيرهم وبنسبة تعادل ثلاثة أضعاف نسبتها لدى الأشخاص العاديين، ويُعدُّ الأشخاص الأكثر ذكاءً أكثر عرضة للمعاناة من آثار الأمراض العقليَّة والنفسيَّة.
وأشارت دراسةٌ حديثة أجرتها جامعة Flanders في بلجيكا إلى ازدياد مشكلات الصحة العقليَّة والنفسيَّة في الأوساط الأكاديميَّة بين الطلاب، وتنامي ظهور الأمراض بينهم تناميًا واضحًا.
لذا؛ فإنَّ البروفيسور F. Anseel و K. Leveque يُشجّعان طلاب الدكتوراه على أن يُولوا صحتهم النفسية اهتمامًا كبيرًا؛ انطلاقًا من أنَّ المشكلات النفسيَّة قد تُهدد مهنتك وحياتك اليوميَّة، وأنَّ لها عواقبَ وخيمة على المدى الطويل!
ويُشير الباحثان إلى أهميَّة طلب المساعدة المُجتمعيَّة في أثناء المرض؛ حتى إنْ اعتقد المريض أنَّها فترة مؤقتة.
وتبعًا لدراسة استقصائية أُجريت مؤخرًا؛ وُجِد أنَّ 51% من الأشخاص الذين استُجوبوا كان لهم تجربة مع أعراض الأمراض النفسيَّة الأكثر شيوعًا في الأسابيع الأخيرة.
ومن الأعراض:
-شعورُ المريضِ أنَّه تحت ضغطٍ دائم.
-التعاسةُ والإحباط.
-قلةُ النوم بسبب القلق.
-يصبحون غير قادرين على مواجهة الصعاب أو الاستمتاع بالنشاطات اليومية.
وتجدرُ الإشارة هنا إلى أنَّ مُعظم الدراسات كانت استبانات لمن اختاروا أو وافقوا على الإجابة وهي تشبه في ذلك أن تستوقف مجموعة من الناس لتسألهم رأيهم في موضوع معين؛ فمنهم من يرفض ومنهم يهرب مسرعًا وقليل من يشاركون رأيهم، وذلك بسبب العار الدائم المرافق للأمراض النفسية؛ فما بالك بطالب دراسات عليا يخاف على مكانته العمليَّة والأكاديميَّة فلا يبوح بمشكلاته النفسيَّة؛ ممَّا يؤدِّي إلى تفاقمها تفاقمًا كبيرًا، وهذا أحد أسباب انتشارها بينهم.
أما عن الأسباب الأخرى؛ فتتلخص في ضغط العمل وساعاته الطويلة، وضغطِ المواعيد النهائيَّة لتسليم الأعمال والمراقبة الدقيقة والمحاسبة المستمرة على أدق الأخطاء، وتجاهل هذه الأكاديميات لمشكلات الصحة النفسيَّة كغيرها من المؤسسات، والتوقعات التي تفوق الواقع والأحلام الورديَّة التي يحملها هؤلاء لتصدم بالواقع.
ويقول أحد الطلاب: "إننَّا نعاني ونناضل مدة ست سنوات أو أكثر لنحظى في النهاية بمكانة مرموقة بالأكاديمية …" وبالطبع هذا غير صحيح؛ فإن الجامعات تنتج أعدادًا كبيرةً من طلاب .Ph.D بما يفوق الشواغر المتاحة للعمل ضمن الأكاديميات. وهذا بدوره يؤدِّي إلى شعور بالإحباط؛ فتزداد أعداد الذين يختارون مغادرة عملهم في الأكاديمية. ولكنهم عندما يُغادرون أكاديمياتهم ويبحثون عن عمل فيُصعقون بحقيقة أنَّ مؤهلاتهم تفوق كثيرًا الأعمالَ المعروضة أو أدنى لأنَّ المهارات التي يملكونها قد لا تكون من اهتمامات عارضي العمل.
والأسوأ من ذلك كلّه أنَّ معظم طلاب .Ph.D يكونون في منتصف العشرينات من العمر أو في أواخرها: الفترة التي يسعى فيها معظم الشباب لتكوين أسرة؛ أما الطلاب فغالبًا ما يتخرجون حاملين ديونًا كثيرة تُثقِل كاهلهم؛ فيتأخرون عن غيرهم في بناء أُسرهم!
ويقول ناثان كاندر؛ مساعد عميد التطوير الأكاديميِّ بجامعة Kentucky: "إنَّ المعاهد والأقسام والمشرفين قد تجاهلوا قضايا نظام الصحة النفسيَّة للمتدربين مدة طويلة"
وأما الحل؛ فيكمُن في وجود مشرفٍ مُلهم في أثناء المرحلة الدراسيَّة؛ فهذا سيقلل نسبيًّا من تلك المخاطر، وإيمان المشرفين بقدرات الطلاب القياديَّة وعدم محاسبتهم على أتفه الأسباب وتخفيض ساعات العمل والتساهل ببعض المواعيد النهائية التي لا تُحدثُ خطرًا في حسن سير التدريب وإعطائهم النظرة الشاملة عن دراستهم ومستقبلها والواقع الذي ينتظرهم والتحديات التي قد تواجههم حتى لا يُغالوا بأحلامهم الورديَّة، وأنَّ حصولهم على شهادة .Ph.D سيضيف حتمًا قيمةً ومكانةً كبيرتين للموظفين في وظائفهم أيًّا كانت الصعوبات التي ستواجههم.
وبعد سنة من دراسة البروفيسور Frederic Anseel السابقة؛ يقول من الجامعة الملكيَّة في لندن:
(من الناحية الإيجابيَّة؛ هناك إشارات لمعاهد تعمل لتطوير الحالة النفسيَّة للطلاب، وقد بدأت الجامعات في أنحاء العالم بإدراك قضايا الصحة العصبيَّة والنفسيَّة، وأنَّها قضايا مشتركة بين الأكاديميات وقد بدؤوا بالبحث عن طرائق أفضل لدعم طلابهم وكوادرهم.)
ختامًا؛ علينا جميعًا إدراك مدى خطورة الأمراض النفسيَّة والعقليَّة ومدى أهمية تشخيصها تشخيصًا مبكرًا، وذلك بعد معرفتنا الجيدة أخطارها وخاصة لباحثي المستقبل؛ إذ يقع عليهم جزء كبير من مسؤولية تطوير المجتمع.
المصادر: