الموسيقا > الموسيقا والطب
الموسيقا خطوة جديدة في علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه( Attention Deficit Hyperactivity Disorder" (ADHD" هو اضطرابٌ عقلي يؤثر في الأطفال والمراهقين، ومن الممكن أن يستمر حتى مرحلة البلوغ؛ إذ يُعَدُّ الاضطراب العقلي الأكثر شيوعاً لدى الأطفال وعند الذكور أكثر منه عند الإناث، ويتَّسِم بأنماط متفاوتة ومستمرة من عدم الانتباه والنشاط الزائد، بالإضافة إلى الاندفاع المُفرط والتقاعُس عن المهام؛ ممَّا يجعل المصاب غيرَ قادر على التحكم في تصرفاته وردود أفعاله لاحقاً. ولا يخفى عن هذه السلوكيات أن تتقاطع بطريقة أو بأخرى مع حياة الطفل الاجتماعية؛ سواءً المنزلية أم المدرسية، وعادةً ما يُكتَشَفُ خلال السنوات الأولى من الدراسة؛ حين تبدأ الأعراض بالظهور جليةً لكلٍّ من الأهل والمدرِّسين.
وقد يعاني البالغون المصابون بهذا الاضطراب من صعوبةٍ في إدارة الوقت وتنظيمه وتحديد الأهداف، أو ربَّما البقاء ضمن وظيفةٍ محددة، وربَّما يتفاقم الوضع لاحقاً ممَّا يسبب العديد من المشكلات في العلاقات واحترام الذات، أو ربَّما يؤدي في مراحل متقدمة إلى الإدمان.
ولكن ما هي أبرز السِّمات التي يتميز بها هذا الاضطراب عن غيره؟!
قلة الانتباه " Inattention " :
والتي تعني أن المصاب يواجه صعوبةً كبيرة في الحفاظ على تركيزه و تنظيم أفكاره وتطلعاته؛ مما يجعله مفتقراً للمثابرة والنظام، لكن ذلك لا يعني وجود مشكلات في الفهم و الاستيعاب؛ بل على العكس؛ إذ يُظهرُ العديد من المرضى قدرات تفوق أقرانهم ممَّا يجعلهم سكاناً من عالم آخر بقدرات خارقة أحياناً.
النشاط الزائد " Hyperactivity " :
والتي تتلخص ببساطة في كون الشخص يتحرك باستمرار حتى في تلك الأوقات التي تكون فيها الحركة غير مناسبة؛ كمحادثة شخص أو حضور اجتماع نتيجة للملل الزائد، وقد يتطور الأمر لدى البالغين ليشمل الإصابة بالهيجان والقلق الشديدين وربما الرفض من الآخرين نتيجةً للنشاط المستمر.
الاندفاعية " Impulsivity " :
وتتلخَّص في قيام المصاب باتخاذ القرارات أو التصرف على نحوٍ متسرِّع دون التفكير في أيٍ من العواقب المحتمل حدوثها نتيجة للفعل، وربَّما يعود ذلك إلى رغبة المريض في عدم قدرته على تأخير إشباع حاجاتٍ معينة كالرغبة في الحصول على مكافأة فورية، وربَّما يظهر الاندفاع في أبهى صوره من خلال كون المريض متطفلاً اجتماعياً من الدرجة الرفيعة نتيجةً لمقاطعته للآخرين على نحوٍ مفرط وتدخله في شؤونهم.
إذاً؛ ينطوي اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على الجوانب الإدراكية والسلوكية مترافقاً مع ضعف واضح في العديد من العلاقات الاجتماعية؛ خصوصاً في مرحلة الطفولة؛ ممَّا يجعل هذا الاضطراب حجر الأساس الذي تركَّزت معظم الأبحاث النفسية والعصبية عليه؛ ففي بحث أُجري في المركز المتعدد الاختصاصات للعناية بالأطفال المصابين بالاضطرابات العصبية في سان باولو في البرازيل
NANI - Núcleo de Atendimento Neuropsicológico Infantil Interdisciplinar
بيَّنَ أنه من الممكن للموسيقا بجوانبها المَرِحة والعفوية والعاطفية والتحفيزيَّة والإيقاعية الزمنية أن تؤدّي -في آنٍ معاً- دوراً محورياً في تطوير قدرة الطفل المصاب على إدارة الوقت للحصول على إنتاجية موافقة لأقرانه ذوي التطور الطبيعي؛ الذين يظهرون تفوقاً واضحاً في مهام تقدير الوقت وإدارته، وشملت الدراسة مجموعة من 36 مشاركاً من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين ال 6-14 عاماً، وقُسِّموا إلى 3 مجموعات مؤلفة من 12 طفلاً، وكان الهدف الرئيسي من الدراسة تطويرَ مهمات وآليات موسيقية سليمة لتقييم الأطفال المصابين - مع وبدون استخدام الأدوية - وربط أدائهم مع بقية الأطفال الطبيعيين من خلال الاستعانة ببعض النوتات الموسيقية البسيطة، ودراسة آليَّة التفاعل معها و إدارة الإيقاعات الزمنية؛ إذ جُمِعت البيانات من خلال لوحة مفاتيح موسيقية باستخدام برنامج Logic Audio Software 9.0.
وقُسِّمَت المهام إلى عدة أقسام:
1. إنتاج الوقت العفوي (الطبيعي) ويعبِّر عن الاستجابة الزمنية الطبيعية للطفل وتقديره للوقت دون الاستماع للموسيقا.
2. الاستجابة الزمنية تزامناً مع الاستماع لبعض الأصوات والنوتات الموسيقيَّة البسيطة.
وقد بيَّنت النتائج أن أداء مجموعات الأطفال المصابين بالـ ADHD في عملية التقدير الزمني للأصوات البسيطة المكررة بفواصل زمنية قصيرة قُرابة الـ ( 30 مللي ثانية ) أقل من الناحية الإحصائية من الاطفال العاديين، أمَّا في عملية مقارنة المقتطفات الموسيقية من المدة الزمنية نفسها؛ فقد أظهرت المجموعات المصابة نتائجَ إيجابيةً متوافقة مع المدَّة الزمنية المحتملة للاستجابة؛ في حين ارتبطت استجابة الأطفال العاديين بكثافة النوتات الموسيقية، ولخَّصت الدراسة أن متوسط الأداء الإيجابي الملحوظ في المجموعات الثلاث في معظم المهام يشير إلى احتمال أن الموسيقا - بطريقةٍ ما - تستطيع تعديل أعراض هذا الاضطراب ومعالجته؛ مساعِدَةً بذلك الأطفال في زيادة التركيز وتقليل فرط الحركة.
ومن ناحية أخرى؛ فإن الموسيقا تؤدّي دوراً مهماً كعلاج داعم لهذا الاضطراب، ووفقاً للجمعية الأميركية للعلاج الموسيقي " American Music Therapy Association "؛ إنَّ الموسيقا تساهم وعلى نحوٍ ملموس في معالجة الأطفال المصابين بهذا الاضطراب وذلك من خلال:
• تقليل حالة القلق والتوتر عند الطفل: لكونها تخلق جواً من الاسترخاء الكافي لتقليل مستويات التوتر والاندفاعية، فضلاً عن كونها تساعد على النوم، أي زيادة في التركيز والراحة النفسية.
• تشجيع التواصل الاجتماعي: في حين يُعَدُّ الانعزال الاجتماعي أحد أبرز المشكلات التي يعاني منها الأطفال المصابين بالـ ADHD؛ تعزز المشاركة في نشاط موسيقي -كالانضمام لفرقة أو كورال موسيقي- ثقته بنفسه وتخفِّف من الملل الدائم الذي يدفعه للحركة المفرطة، وتقوي علاقاته الاجتماعية والأسرية وتضفي عليها طابعاً من نوع خاص.
• يخلق فرصة للتعبير عن الذات: يوفر الغناء أو العزف على آلة موسيقية تواصلاً من نوع آخر يجعل الشخص في علاقة ضمنية مع ذاته؛ ممَّا يدفعه لإبراز مكنوناتها والتعبير عنها والسعي لتطويرها؛ الأمر الذي يخلق دافعاً للتعلم والإبداع لاحقاً.
رؤيةٌ جديدة!!
يرى العديد من آباء الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أن أطفالهم مبدعون للغاية، وأن العلاج بالموسيقا يساعدُ على تسخير هذه القدرات الخلاقة وإطلاقها، بالإضافة إلى ذلك؛ يمكن أن يساعد العلاج بالموسيقا في الوصول إلى الأهداف الأكاديمية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال؛
تساعد التمارين الإيقاعية في زيادة الاهتمام
والتحكم في حركة الأطفال المصابين؛ في حين توفِّر الموسيقا بيئة ملائمة للتركيز والتعلم وتقلل من السلوكيات الاندفاعية لدى الطفل التي تحدث في المدرسة أو البيئات الاجتماعية الأخرى.
آلية العلاج :
يبدأ العلاج من خلال جلسات متكررة يستمع الطفل فيها إلى الموسيقا ويبدأ بالغناء بالتزامن مع الرقص الإيقاعي تحت إشراف متخصصين في المعالجة النفسية؛ إذ يُلاحَظ التحسن لدى الطفل بعد فترة وجيزة لأنَّ الطفل ليس بحاجة لامتلاكه موهبةً موسيقية أو خبرة في العزف على آلة ما، وهذا ما يجعل العلاج الموسيقي مُتاحاً للجميع.
المصادر: