الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
تعقّب ثغراتِ الـ"بيتكوين"
دراسةٌ حديثةٌ تقدِّم الراحة والاستقرار لمستثمري العملات المشفَّرة.
منذ أواخر عام 2017 تراجعت القيمة السوقية للعملاتِ المشفَّرةِ، إذ نجد المثال الأكثر شهرةً هو عملة الـ"بيتكوين" Bitcoin، والتي انخفضت الآن عن بداية انطلاقها إلى ثلثي القيمة التي كانت قد وصلت إليها في ذروتها.
ومع ذلك؛ بقي هنالك كثيرٌ من المتعاملين الواثقين بالعملات الرقمية، إذ يؤكدون أنَّ قيمة تلك العملات ما زالت أعلى بكثيرٍ مما كانت عليه في عام 2016، فلا يزال اهتمام المستثمرين المؤسسين للعملات المشفّرة قويًا بما يكفي لتحفيز رغبة المحللين في فهم ظاهرة العملة المشفَّرة.
وكان آخر بنكٍ درس العملات المشفَّرة هو بنك "باركليز" Barclays؛ (وهو مجموعةٌ ماليةٌ مقرها الأساسي والرئيسي في المملكة المتحدة، وقد تأسست منذ أكثر من 325 سنة وتوسعت جغرافيًا لتضمَّ أكثر من 50 بلدًا في جميع أنحاء العالم)، وقد خصصَ البنك معظم أبحاثه في عام 2018 لدراسة أثر التغير التكنولوجي على كلٍّ من التمويل والاقتصاد، وعلى الأسهم والسندات المالية، ووصف تقريره المتعلق بتكنولوجيا العملات المشفرة بأنها "حلولٌ تنتظر المشكلات".
حُدِّدت أربعة تحدياتٍ تواجه العملاتِ المشفّرة. أولًا: الثقة؛ ففي معظم بلدان العالم يثق الأفراد والشركات بالعملات التي تصدرها الحكومات. ثانيًا: السيادة؛ أي إنَّ احتمال تجنُّبِ الضرائب وفقدان الرقابة المالية أصبح ممكنًا؛ بمعنى أنَّه لن تستطيع الحكومات والبنوك متابعة العمليات المنفَّذةِ على العملات المشفَّرة.
التحدي الثالث: هو الخصوصية؛ فعلى الرغم من إمكانية استخدامها باسمٍ مستعار؛ لكنها تبقى أقلَّ موثوقيةً من النقود، لأن قاعدة البيانات الخاصة بتسجيل حركة العملات المشفرة والتي تدعى Blockchain تسجِّل العمليات المنفذة عليها كافّةً وتظهرها لجميع المستخدمين، فإنَّ اختراق أيَّ اسمٍ مستعارٍ لمستخدم العملات المشفرة يجعل جميع عمليات شراء المستخدم مكشوفةً. أما التحدي الرابع: فهو صعوبة التراجع عن العمليات التي أُنجزت خطأً، أو عن طريق الاحتيال على قاعدة البيانات Blockchain.
وفضلًا عن كلّ هذه المشكلات؛ فإنَّ البدائل الموجودة تعمل عملًا فعّالًا، إذ إنَّهُ من السهولة تنفيذُ عمليات الدفع أو التحويلات المالية بلحظةٍ واحدة.
إذاً ما الذي يجذب المستثمرين الجدد للعملات المشفَّرة؟ من الممكن أن تكون العملات المشفرة أكثر جاذبيةً في المجتمعات التي تنخفض فيها درجةُ الثقة بالعملة المحلية، أو في حالِ ضعفِ قدرةِ الحكومات، أو عدم رغبتها بتوفير أساليبٍ موثوقةٍ للسداد (خصوصًا في أوقات الحرب، أو في الفترات التي تضعف فيها القدرة على سداد الديون السيادية). فمثلاً؛ اقترح بنك "باركليز" الاستثمار بالعملات المشفَّرة على البلدان التي تكون فيها فرص الاستثمار محدودةً كونها ستكون إحدى الأساليب القليلة لتنويع الادِّخار بعيدًا عن الأصول المحلية.
وإنَّ الشروط السابقة كافّةً لا تنطبق على البلدان الغنية، بل تصلحُ في الأسواق الناشئة، ومع ذلك؛ فهناك احتمالُ وجود طلبٍ عليها في بلدان العالم المتقدم من قبل المجرمين (على الرَّغم من أنهم يفضلون النقد).
وعن طريق فرضياتٍ كثيرةٍ عن حجم الأسواق ذاتِ درجة الثقة المنخفضة بالعملات المحلية وعمليات الجرائم المالية؛ فإنَّ بنك "باركليز" يقدِّر إجمالي قيمة العملات المشفرة التي سُعِّرت في مطلع العام 2018 ما بين 660 إلى 780 بليون دولار أمريكي.
تشير القاعدة السوقية إلى أنَّ أعلى قيمةٍ للعملة لا تدلُّ بالضرورة إلى القيمة العادلة لها؛ إذ أشارت الدراسات الاستقصائية إلى أن معظم الناس الذين يشترون الـ"بيتكوين" تكون غايتهم الاستثمار فيها، لكنَّ 8% من مالكي العملات المشفَّرة في أمريكا يستخدمونها لسداد المديونيات الناتجة عن عمليات الشراء، وهذا يشير إلى أن الدافع الرئيسي لشراء العملات المشفرة هو التوقعات. وهذا يفسِّر تغير قيمتها مؤخرًا كما هو الحال في العديد من الفقاعات التي سبقتها كسوق Tulips وسوق Dotcom.
وعموماً يصعب إيجاد شكلٍ محدّدٍ للمنافسة بأسواق الفقاعات؛ فكيف يمكنك إيجاد أساليب عقلانية لتقييم أساليبٍ غير عقلانية؟ لكن بنك "باركليز" استخدم أساليبًا مبتكرةً لحلِّ الآفات المنتشرة، فالفقاعات تبدأ بعددٍ قليل من أصحاب الأصول الثابتة (المنتشرين)، أما المستثمرون الجدد فينزلقون إليها (يتناولون الطعم) فيستثمرون فيها خوفًا من أن يفوتهم الربح الناتج عن زيادة أسعارها، لكن الغالبية العظمى من الناس محصنون منها ولن يتعاملوا بها أبدا.
يستخدم المُشترون أدوات تحليلية تعتمد على السعر الحالي والاستقراءات البيانية للزيادات الأخيرة في الأسعار لتقدير القيمة المستقبلية، فكلما ارتفع السعر على نحوٍ أسرع زادت أمال المستثمرين وزاد التعامل بالعملات المشفرة.
وفي النهاية؛ يتخلص السوق من المستثمرين المحتملين وتقلُّ سرعة ارتفاع السعر، فعندما يبدأ السعر بالانخفاض يفقد مالكو العملاتِ المشفَّرة الأمل في تحصيل أرباحٍ كبيرة ويبدؤون بالبيع، وتنتهي سلسلة الانتشار للعملة.
ويتناسبُ النموذج المقدم من بنك "باركليز" مع تاريخ سعر الـ"بيتكوين"، إذ قدّم اقتراحًا بأنَّ الأسعار على المدى البعيد لن تكون واضحةً، وبعد كل هذا اشترى العديد من الأشخاص العملات المشفرة في الأشهر القليلة الماضية عندما كان الحماس في ذروته، وقد تقبلَ البعضُ مخاطرَ عالية بشراء العملات المشفرة عن طريق المراهنات المنتشرة أو أنواع أخرى من القمار. وبدلًا من الثراء الذي كانوا يتوقعونه؛ سيكونون ضحايا التوقعات، وسيكون بعضهم حريصًا على بيع ما يملكه من هذه العملات، ولكن سيصعب إغراء المشترين الجدد على الشراء؛ إذ إنَّ هذه العملات المشفَّرة أصبحت كرهانٍ أحادي الاتجاه.
تعدُّ كل هذه الأخبار جيدةً حتى الآن، فقد تكون قاعدة البيانات Blockchain مفيدةً في حالات نقل ملكية العقارات مثلًا، ولكن من الصعب التفكير في مثل هذه الابتكارات الجديدة عندما يكون التركيز على رفع السعر فقط. فقد انتهت حمَّى الـ"بيتكوين" أخيرًا.
المصدر: