البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة
أول مرة؛ أجنَّة من آباء مُتماثلي الجنس!
من المسلَّم به في معارفنا أنَّ التزاوج لدى الحيوانات يتطلَّب وجودَ ذكر وأنثى؛ ولكنَّ إحدى الحقائق القليلة الانتشار تقول بأنَّ التزاوج لدى بعض أنواع الطيور والأسماك والزواحف يمكن أن يحدث عن طريق فرد واحد فقط من جنس واحد؛ بيد أنَّ هذه الحقيقة لا تنطبق على الثدييات التي كان تكاثرها ولا يزال يحتاج إلى وجود ذكر وأنثى دائمًا، على الأقل حتى الآن.
بداية؛ ما السبب الذي يجعل الثدييات تحتاج وجودَ ذكر وأنثى على المستوى الجيني؟
يعزو العلماءُ حاجةَ الثدييات لذلك إلى ما يدعونه بـ(البصمات الجينية Genetic imprints)؛ وهي وسومٌ كيميائيةٌ صغيرةٌ ترتبط بالـ DNA وتُعطِّل جينًا مُعيَّنًا، ووجد العلماء منها ما يُقارب المئة، كثير منها موجودة على جينات تُؤثِّر في نمو الجنين بطريقة أو بأخرى.
والمثير للاهتمام هنا هو أنَّ كثيرًا من الجينات "الموسومة" لدى أحد الجنسين تبقى غير موسومة لدى الجنس المقابل؛ لهذا فإنَّ اتِّحاد مجموعتين تحويان الجينات الموسومة نفسها لدى الجنين -كما يحدث في حال آباء من الجنس نفسه- سيُؤدِّي إلى موته.
كيف تمكَّن العلماء من التغلُّب على هذه العقبة؟
استخدم فريقٌ من الباحثين الصينيين خلايا جذعية جنينية مُنمَّاة مخبريًّا إما من نطفة وإما من بويضة؛ إذ تحتوي هذه الخلايا على مجموعة واحدة من الكروموسومات، والتي تحوي المناطق الجينية المُنتجة للوسوم الكيميائية؛ كما هو الحال عند أغلب الخلايا.
حذف الباحثون بعد ذلك هذه المواقعَ الجينية على دفعات بعد عمليةٍ تستند إلى التجربة والخطأ وبالاعتماد على نتائج أبحاث سابقة؛ وذلك بهدف البحث عن مجموعات جينية يمكن حذفها دون التأثير في ولادة جنين سليم.
أما الخطوة التالية فكانت دمج خلية جذعية من أنثى الفأر مع بويضة من أنثى أخرى لتوليد فئرانٍ والداها كلاهما أنثى، ثم إنهم أخذوا خليةً جذعيةً من فأر الذكر وحقنوها مع نطفة فأر ذكر آخر في بويضة لا تحوي نواة من أجل الوصول إلى ذُريَّة فئرانٍ والداها كلاهما ذكر.
تمكَّن الباحثون -بنتيجة حذف ثلاثة مواقع جينية- من توليد 29 فأرًا حيًّا من الأنثيَين، 7 منهم تمكَّنوا أنفسهم من إنجاب فئران أخرى، في حين تطلَّب الأمر حذفَ سبعة مواقع جينية لتوليد 12 فأرًا من ذكرَين؛ لكن ماتت هذه الفئران بعد مرور يومين فقط إثر مُعاناتها مشكلات في التنفُّس وزيادة في سوائل الأنسجة.
ما أهمية بحث كهذا البحث؟
كشفت النتائج عن بعض أهمِّ المناطق الجينية التي تمنع أفرادَ الثدييات مُتماثلة الجنس من التكاثر، وأظهرت طريقةً جديدةً ومباشرةً لتوليد ذرية بين الثدييات مُتماثلة الجنس؛ وذلك على حدِّ تعبير الباحث الرئيس للدراسة.
ما مستقبل هذه الأبحاث؟ وهل سنصل إلى مستقبل تُطبَّق فيه على البشر؟
يُبدي علماء آخرون شكوكًا في إمكانية تطبيق تقنية كهذه على البشر، فقد كانت أغلب الأجنَّة التي أنتجوها غيرَ طبيعية ولم تتمكَّن من النجاة؛ إذ وصل الباحثون إلى نسبة نجاح 14% من أجنَّة الوالدتين الأنثيين، و2.5% من أجنَّة الوالدَين الذكرَين.
ثم إنَّ أحد العوامل المُهمَّة التي ينبغي الحرص عليها في عملية التكاثر هو الحفاظ على كلِّ عامل وراثي يمكن أن يُساعد في الوصول إلى أجنَّة بصحة جيدة، ولا يوجد أيُّ مُؤشِّر على مدى جودة صحة هذه الفئران على المدى الطويل ومدى عرضتهم للإصابة بالأمراض.
لهذا وختامًا؛ فإنَّ هناك شكوكًا بين عدد من العلماء في إمكانية تطبيق هذه العملية على البشر قريبًا؛ إذ إنَّ معرفتنا لا تزال قاصرة عن فهم كثير من جوانبها لكي نأخذها بعيدًا هكذا.
ما رأيك عزيزي المتابع؟ هل يمكن أن نصل إلى مستقبل يصبح فيه هذا خيارًا آخر للإنجاب؟ وما عواقب ذلك؟
المصدر: