المعلوماتية > الذكاء الصنعي
ذكاء صنعي يُحاكي العين البشرية
تستخدم العديدُ من الأجهزة في حياتنا اليومية الكاميرات من أجل التعرف إلى الأشياء؛ كآلات صرف الشيكات القادرة على قراءة خطوط اليد ومعرفة كمية النقود المراد سحبها، أو مُحرِّكات البحث (مثل Google) التي تستطيع إيجاد صور مشابهة لصورة مُعيَّنة في قواعد البيانات الخاصة بها وبسرعة كبيرة. ولكن تعتمد هذه الأنظمة على أجهزة تصوير أو حساسات ضوئية من أجل التقاط المشهد ثم مُعالجته لتُستخدم النتائج من قِبَل البرامج الحاسوبية.
طوَّر فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا جهازًا يُدعى بـ(الشبكة العصبونية العميقة الانعراج Diffractive deep neural network)؛ والتي تستعمل الضوءَ المُنعكس من الجسم نفسه لتحديد هُويَّته في زمن قصير كالزمن الذي يستغرقه الحاسوب في رؤية هذا الجسم. ويتميز هذا الجهاز بأنه ليس بحاجة إلى برامج حاسوبية مُتقدِّمة لمعالجة الصور المُلتَقَطة ثم التعرف إليها؛ ثم إنه لا يستهلك أية طاقة لكونه يعتمد فقط على انعكاس الأشعة الضوئية من الجسم نفسه، علمًا أنَّ الشبكة العصبونية الصنعية هي مجموعة مترابطة من عصبونات افتراضية تُنشئها برامج حاسوبية لتشابه عمل العصبون البيولوجي.
يمكن الاعتماد على هذا الجهاز في تطوير العديد من التقنيات الحديثة وتسريعها، ولا سيما المُعقَّدة منها كالتي تتضمن التعرف إلى الأجسام وتصنيفها في مجموعات؛ وعلى سبيل المثال تستطيع السيارات الذاتية القيادة -باستخدام هذا النوع من الشبكات- الاستجابةَ على نحو فوريٍّ وأسرع من التقنية المُستخدَمة حاليًّا في التعرف إلى الأجسام أمامها كإشارة المرور؛ إذ تُعرَف فوريًّا بمجرد وصول الضوء المُنعكس من إشارة المرور إلى الشبكة. تتطلب التقنية الحالية تصويرَ المشهد أولًا ثم التعرف إليه حاسوبيًّا؛ الأمر الذي يتطلب وقتًا أطول بالتأكيد، ويمكن الاستفادة منها أيضًا في تطوير تقنيات التصوير المجهري.
وقال أيدوجان أوزكان؛ وهو الباحث الرئيس في الدراسة وأستاذ في جامعة UCLA في قسم الهندسة الكهربائية والحاسوب: "إنَّ هذا العمل يفتح فُرصًا جديدة أساسًا لاستخدام جهازٍ سلبي (Passive) الطاقة -وهو الجهاز الذي لا يتطلب أية طاقة كالتيار الكهربائي لتأدية عمله- قائمٍ على الذكاء الصنعي لتحليل البيانات والصور وتصنيفها على نحو فوري. وصُمِّم هذا الجهاز الشبكي البصري الصنعي من أجل مُحاكاة الآلية التي يتعامل فيها الدماغ مع المعلومات، ثم إنه يمكن استخدامه في تصميم كاميرات جديدة ومكونات بصرية فريدة لاستعمالها في التقنيات الطبية والروبوتات وكاميرات المراقبة أو في أيِّ تطبيق يعتمد على بيانات الصور والفيديو أساسًا.
صُنِّعت هذه الشبكات في البداية عن طريق حاسوب أُجريت عليه تعديلات بهدف مُحاكاة هذا الأمر، ثم استعمل الباحثون الطابعة الثلاثية الأبعاد من أجل صناعة شرائح بوليمرية بمساحة 8 سنتيمترات مربعة ذات أسطح غير مُستوية، والتي بدورها تُساعد على تفريق الضوء الوارد إليها في اتجاهات مُتعدِّدة. تبدو هذه الطبقات غير واضحة للعين المجردة؛ ولكنها عكس ذلك تمامًا فيما يخصُّ الأمواج الضوئية الميليمترية ذات الترددات التيراهرتزية (تزيد عن1012هرتز) التي استعملت في الاختبارات. وتتألف كلُّ طبقة من آلاف العصبونات الصنعية المكوَّنة من بيكسلات صغيرة الحجم تسمح بمرور الضوء عن طريقها، وتُشابه في عملها عملَ الشبكية في العين، وتعمل هذه الطبقات المُبكسلة عملَ الشبكة البصرية؛ إذ يمرُّ الضوءُ المُنعكس من الجسم عبرها عن طريق بكسلات مُعيَّنة، وكلُّ بكسل منها مُخصَّص لجسم ما، فتستطيع التعرف إلى الجسم.
ودرَّب الباحثون الشبكةَ باستعمال الحاسوب من أجل تحديد الأجسام الموضوعة أمامها عن طريق تعلُّم أنماط الأشعة المنعكسة من الأجسام المختلفة التي تمرُّ من خلالها، ويُعرف هذا النوع من التدريب بالتدريب العميق Deep Learning؛ وهو الذي يعتمد على التكرار؛ أي تُدرَّب الشبكة على الكثير الكثير من الأجسام فتصبح قادرة على التعرف إلى الجسم فورًا، وشبَّه أوزكان الشبكةَ بأنها متاهة مُعقَّدة جدًّا من الزجاج والمرايا؛ إذ يدخل الضوء إليها لينعكس داخل هذه المتاهة حتى يخرج منها، ويُحدَّد الجسم عن طريق معرفة أغلبية الأماكن التي خرج منها الضوء، وأظهر الباحثون في تجاربهم أنه يمكن أن يُحدِّد هذا الجهازُ بدقَّة الأرقامَ المكتوبة بخط اليد وقطع الملابس (كلاهما شائع الاستخدام في اختبارات الذكاء الصنعي)؛ ولإجراء ذلك وضعوا صورًا أمام منبع ضوئي بتردُّد تيراهرتز، وجعلوا الجهاز يرى هذه الصور، ودرَّبوه أيضًا ليتصرَّف كعدسة تعرِض/تعكس صورةَ الجسم الموضوع أمام الشبكة البصرية في الجانب المقابل لها، يشبه ذلك كثيرًا كيفية عمل عدسات الكاميرا التقليدية؛ ولكن باستخدام الذكاء الصنعي بدلًا من الفيزياء لكون الكاميرا العادية تتألف من سلسلة من العدسات التي تجمع الضوء في بؤرة واحدة.
ولأنه يمكن إنشاء مكوناتها بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد؛ فإنه يمكن صناعة الشبكة العصبية الصنعية بطبقات أكبر وأكثر؛ ما ينتج عنه جهاز بمئات الملايين من الخلايا العصبية الصنعية، ويمكن أن تتعرف هذه الأجهزة الكبيرة إلى العديد من المواد في الوقت نفسه أو تنجز تحليلًا للبيانات أكثر تعقيدًا.
ويمكن تصنيع هذه المكونات بكلفة زهيدة؛ إذ إنَّ هذا الجهاز المصنوع يمكن إعادة إنتاجه بأقل من 50$، وعلى الرغم من استعمال موجات ضوئية بترددات من التيراهيرتز في هذه الدراسة؛ فقد قال أوزكان بأنه من الممكن أيضًا أن نُنشئ شبكات عصبية تستخدم الضوء المرئي، الأشعة تحت الحمراء أو ترددات أخرى من الضوء، ثم إنه يمكن أن تُصنع الشبكة أيضًا عن طريق استخدام تقنية الطباعة الحجرية أو تقنيات طباعة أخرى.
المصدر: