الفنون البصرية > زيارة إلى متحف الفن
متحف دمشق الوطني.. مئة عام من العطاء
لم تمتلك سورية أي متحفٍ على أرضها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، ولكن ابتداءً من ذلك التاريخ أُنشئ في دمشق مركزٌ إداريٌّ ثقافيٌّ -أُطلق عليه تسمية ديوان المعارف- في بناءٍ تاريخيٍ قديم يسمى المدرسة العادلية، وكان من مهماته الحفاظ على التراث الأثري، وقد احتوى ذلك المركز صالة عرضٍ للبقايا الأثرية والتي كان معظمها مهداة من عائلات مدينة دمشق، وشكَّلت هذه المجموعات نواة أول متحفٍ في سورية وهو المتحف الوطني بدمشق، افتُتِحَت تلك المجموعات الموجودة ضمن المدرسة العادلية عام 1919، وتعاظمت لاحقًا تلك المجموعات بكثرةٍ كنتيجةٍ طبيعيةٍ لمخرجات بعثات التنقيب الأجنبية والمحلية في البلاد، وهذا ما استدعى ضرورة تصميم مبنى جديدٍ منظمٍ للمتحف، فأُوكلِت هذه المهمة للمهندس المعماري الفرنسي ميشيل إيكوشار وافتُتِح القسم الأول من المتحف عام 1936.
تَميَّز مخطط المبنى الجديد للمتحف بقابلية التوسع، وقد كان في البداية بناءً مقتصرًا على بهو ورواقين وأربع قاعات وجناحٍ للمكاتب وطبقةٍ علوية فيها ثلاث قاعاتٍ أخرى، واستمر البناء بالتوسع إلى أن أخذ شكله الحالي، ولعلَّ أهم إضافةٍ للمتحف كانت إعادة تشييد جناح قصر الحير الغربي ضمنه والتي استهلكت أربعة عشر عامًا حتى افتتاحها في 28 آب 1950، ثم تتالت مراحل تأسيس وافتتاح أقسام المتحف المتبقِّية والمؤلفة حاليًّا من خمسة أقسام رئيسية هي:
قسم آثار عصور ما قبل التاريخ، وقسم الآثار السورية القديمة، وقسم الآثار الكلاسيكية، وقسم الآثار الإسلامية، وقسم الفن الحديث، إضافةً إلى الحديقة الغنَّاء المليئة بالقطع القليلة التأثُّر بالعوامل الجوية كالمنحوتات الحجرية واللوحات الفسيفسائية، إذ تُعد الحديقة متحفًا في الهواء الطلق.
1. قسم عصور ماقبل التاريخ: يُقصد بمصطلح عصور ما قبل التاريخ؛ الفترة التي سبقت اختراع الكتابة، ولأن سورية تملك مواقع كثيرة تعود لعصور ما قبل التاريخ (تل أسود، وتل حالولة، وجرف الأحمر..) فقد افتُتِح هذا القسم الذي يضم لقى وقطعًا حجرية وعظمية وفخارية كثيرة، من ضمنها حلي وتماثيل وأوانٍ تعود لفتراتٍ مختلفةٍ من عصور ماقبل التاريخ تمتد من العصر الحجري القديم حتى العصر الحجري النحاسي.
2. قسم الآثار السورية القديمة: وهي الآثار التي تعود للفترة التي تلت اختراع الكتابة، وتضم سورية مواقع كثيرة وغنية جدًا تعود للفترات التاريخية، ولهذا فقد خُصِّص لكل مجموعة مواقع قاعة عرض، ومجموعها سبع قاعات؛ قاعتان لمكتشفات أوغاريت، واثنتان لمكتشفات ماري، وقاعةٌ لمكتشفات إيبلا، وواحدة لمكتشفات مواقع سورية الساحلية، وأُخرى لمكتشفات مواقع سورية الداخلية.
3. قسم الآثار الكلاسيكية: وهي الفترة التي تضم العهود الإغريقية والرومانية والبيزنطية في سورية، والتي بدأت عام 333م عندما فتح الإسكندر المقدوني الشرق، ولسورية مواقع ومدن كثيرة وغنية جدًا تعود للفترة الكلاسيكية مثل مدينة تدمر، ومدينة شهبا، والمدن الميتة، وأنطاكية، وأفاميا، وتُعرض في هذا القسم روائع المنحوتات الحجرية والمنسوجات والمسكوكات (النقود) والأسلحة والحلي والنصب والمدافن وقطع الزجاج والفخار والفسيفساء.
4.قسم الآثار الإسلامية: إذ تبدأ هذه الفترة عند الفتح العربي لسورية في القرن السابع الميلادي، ولسورية مواقع ومبانٍ كثيرة عائدةٌ لهذه الفترة، و يضم هذا القسم قاعة آثار الرقة وقاعة آثار حماة إضافةً إلى رواقين وعدد من القاعات المصنفة حسب نوع مادة الأثر: قاعة الحجر وقاعة الخزف وقاعة الفخار وقاعة الزجاج وقاعة المخطوطات والمعادن وقاعة الخشب.
إضافةً إلى واجهة قصر الحير الغربي المعاد بناؤها في المتحف، والقاعة الشامية المخصصة لإلقاء المحاضرات والاستقبالات الرسمية، التي كانت في دار رئيس مجلس الوزراء السوري الأسبق المرحوم جميل مردم بك وأهداها إلى المتحف الوطني عام 1958م، ويعود تاريخها إلى عام 1150م، وهي مزينةٌ بالخشب المحفور المنقوش بالزخارف النباتية والهندسية والكتابية الغائرة والنافرة، وعناصر تزيينية أخرى لكسوة الجدران كالحجر والمرمر والزجاج.
5. قسم الفن الحديث: يتألف هذا القسم من ست قاعات تضم أعمالًا لفنانين سوريين، وتضم تماثيلَ لأهمهم مثل لؤي كيالي وأدهم إسماعيل وإلياس الزيات وغيرهم، ويضم القسم نقودًا حديثةً تعود إلى مئتي سنة خلت أيضًا، إضافةً إلى أوسمةٍ وميداليات وطوابع وقطع تراثية وعدد من هدايا الوفود الرسمية التي تزور المتحف.
ويضم المتحف عددًا كبيرًا من القطع ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى العالمي، منها أبجدية أوغاريت وهي أول أبجدية في التاريخ، وتمثال المغنية أورنينا (بداية الألف الثاني قبل الميلاد)، وخوذة حمص البرونزية (القرن الأول الميلادي)، كنيس دورا أوروبس المعاد بناؤه كليًّا ضمن المتحف (القرن الثالث الميلادي)، وقطعًا نادرةً من الخزف والزجاج الإسلامي، والمخطوطات مثل مخطوط الصور لعبد الرحمن الصوفي، والشاهنامه للفردوسي وديوان الشيرازي.
لذا لا تتردد بزيارة المتحف الوطني بدمشق والتمتع بمشاهدة تاريخ سورية العريق عن كثب.
المصادر :
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- إعادة تشييد جناح قصر الحير الغربي في متحف دمشق، سليم عادل عبد الحق، مجلة الحوليات العربية السورية.
5- تنظيم فرع الآثار العربية الإسلامية في متحف دمشق الوطني، محمد أبو الفرج العش، مجلة الحوليات العربية السورية.
6- بشير زهدي، المتاحف، ص 38