العمارة والتشييد > مشاكل إنشائية
جسر تاكوما..رنين حتى الانهيار
شكَّل انهيار جسر تاكوما المعلَّق صدمةً للمجتمع والمهندسين، فمن غير المعقول أن تتأرجح عشرات الآلاف من الأطنان في الهواء بفعل هبّة ريح، ثم يُقتل كلبٌ واحدٌ فقط!
كيف تفوقت قوى الرياح على المصممين؟ وما علاقة ظاهرة الرنين بانهيار الجسر؟
عندما انتهى بناء جسر مضيق تاكوما في ولاية واشنطن الأمريكية كان بمثابة نقلة نوعية في تصميم الجسور المعلقة، فقد كان الثالث عالميًّا في طول مجازه الأوسط -المسافة بين الركائز- الذي بلغ 2800 قدمًا؛ أي 854 م، وهو أحدث ما توصَّل إليه العلم وقتئذ في تصميم الجسور المعلَّقة من حيث النحافة، والمرونة، والمظهر الجمالي والتكلفة المادية.
منذ اليوم الأول لافتتاح الجسر؛ الأول من تموز عام 1940 لاحظ السائقون بعض الاهتزازات في الجسر، واشتكى آخرون من أعراض دوار البحر في أثناء القيادة على الجسر، وقد جرت عدة محاولات لزيادة صلابة الجسر والتقليل من اهتزازاته، وبعد أربعة أشهر؛ وفي صباح السابع من تشرين الثاني عام 1940 أدى هبوب الرياح المستمر وبسرعةٍ خفيفة نسبيًّا قرابة 42 ميل/ الساعة (67 كم/الساعة) إلى بدء الجسر في الاهتزاز مجددًا، لكن الاهتزازات لم تتوقف، بل ازدادت حِدَّتها لتصبح أكثر شدةً مما أدى إلى إغلاق الجسر، وشاهد السائقون الجسر يتأرجح بزاوية 45 درجة، ودون إنذارٍ مسبق؛ تحوَّل التأرجح إلى التواءاتٍ عنيفةٍ في جسم الجسر أدت في غضون دقائق إلى تشوهٍ كبير في جوائزه الرئيسية الحاملة، وانقطاع كابلات التعليق، ومن ثم سقوطه في النهر، وما يزال الجدال قائمًا بين المهندسين إلى اليوم عن الأسباب الحقيقية وراء انهيار جسر تاكوما، وبالتأكيد هناك قصورٌ في التصميم، ولكن طُرح ثلاث نظريات مختلفة لتفسير حادثة الانهيار.
النظرية الأولى:
وهي الأكثر انتشارًا؛ أنَّ التوافق بين ترددات الاهتزاز الناتجة من قوة الرياح بسبب مرونة الجسر العالية ونحافة مقطعه، مع التردد الطبيعي للجسر، أدى إلى دخول الجسر في حالة الرنين (Resonance) والتي تؤدي إلى حصول اهتزازاتٍ عالية الشدة حتى عند أقل قدر ممكن من الاهتزاز، ويعدُّ جسر تاكوما مثالًا تقليديًّا في العلوم الهندسية عن ظاهرة الرنين.
النظرية الثانية:
تعزو تأرجح الجسر لتَشكُّل دواماتٍ هوائية أسفل الجسر، سببت في ظهور قوى فون كارمن (VON KARMAN VORTICES) التي عززت الاهتزازات الأصلية الموجودة في الجسر وأدت إلى انهياره.
النظرية الثالثة:
وتعتمد على تغيُّر قوى الرفع والسحب التي تعرض لها الجزء الوسط من الجسر، فتناوُبُ نوعين من القوى باتجاهين معاكسين أدى إلى ظهور تخامدٍ سلبي وتغييرٍ في اتجاه قوى الفتل في الجزء الأوسط من الجسر ثم انهياره، تبعه سقوط باقي الجسر.
تختلف النظريات الثلاثة في تفسيرها للانهيار، ولكنَّها تتفق فيما بينها على أنَّ التصميم النحيف والمرونة الزائدة والوزن الخفيف للجسر أدَّت إلى السماح للاهتزازات في الظهور في جسم الجسر.
الجدير بالذكر أنَّه استُغنِيَ عن التصميم الأول للجسر لأنه ذو تكلفةٍ أعلى، على الرغم من أنَّ التحريات أشارت إلى أنَّه لم يكن لينهار جسر تاكوما فيما لو اعتُمد، أما الضحية الوحيدة لانهيار الجسر كان كلب أحد سائقين اثنين كانا على الجسر في أثناء تأرجحه، لكن السائق لم يستطع انقاذ الكلب الذي سقط مع السيارة في النهر.
لمشاهدة فيديو للجسر لحظة سقوطه:
المصادر:
حقوق الصورة:
Associated Press Photo، All rights reserved