الطب > أمراض نسائية وتوليد
الحمل على الحمل (Superfetation)
منذ القرن الرابع قبل الميلاد؛ لاحظ أرسطو Aristotle أنَّ أنثى حيوان الأرنب الوحشي كانت تلد في بعض الأحيان العديد من الصغار التي يكون بعضها معيوبًا مقارنةً بإخوته؛ فافترض أنَّ هذه المواليد قد قضت فترة أقلَّ في الرحم مقارنة بالباقين، ويُعدُّ ذلك نتيجة ظاهرة الحمل على الحمل (superfetation).
ما هذه الظاهرة؟
الحمل على الحمل: هي حادثة إباضة كيسة أرومية ثانية وتلقيحها وانغراسها (جنين ثانٍ) في رحم لا يزال يحوي منتج إلقاح وانغراس وتعشيش ناجح (حمل)! أي هي حدوث حمل ثانٍ في ظل وجود حمل أول، وهي تختلف عن الحمل المتعدد بالتوائم؛ لأنَّه في الحمل المتعدد يمتلك التوائم أعمارًا حملية متطابقة (أي تترافق الأجنة التوائم منذ الإلقاح حتى الولادة) على عكس ظاهرة الحمل على الحمل التي يكون فيها لكلِّ جنين عمر حملي ووقت مفترض للولادة مختلف عن أخيه.
وفي أحد الأبحاث؛ دُرِست ظاهرة الحمل على الحمل عند نوع من أنواع الأرانب البرية؛ فكانت نتيجة الأبحاث أنَّها ظاهرة تكيفية تطورية تؤِّدي إلى تأخير الولادة ومن ثَمَّ إطالة فترة الحمل؛ ممَّا ينتج عنها ولادة حيوانات أكثر قدرة على الاعتماد على نفسها منذ الصغر.
ماذا عنا نحن البشر؟
تكهن أرسطو وأبقراط بهذه الظاهرة عند البشر؛ لكنَّ بعض العلماء ما زالوا إلى الآن يشكون في إمكانية حدوثها، وذلك لعدة أسباب قد تجعل حدوث إباضةٍ وتلقيحٍ بعد الحمل أمرًا مستحيلًا؛ فبعد الإلقاح الأول يُفرِز الجسم الأصفر (الذي يشكل لاحقًا المشيمة) هرموناتٍ من شأنها أن تمنعَ حدوث أيَّة إباضة لاحقة، ثُمَّ تتثخَّن بطانة الرحم لمنع أي كيسة أرومية جديدة من الانغراس والتعشيش، وكذلك فإنَّ عنق الرحم يُشكِّل حاجزًا مخاطيًّا قويًّا قد يمنع وصول أي نطفةٍ جديدة إلى الرحم؛ لكن قد وُجِد الدليل القاطع على إمكانية حدوث حمل على حمل عند البشر وهي حالةٍ قدَّمها Harris، وجاءت بعدها عدد من الحالات المسجلة في تاريخ الطب؛ فوُضِعت عدة نظرياتٍ لذلك:
· حدوث إباضة في أوقات مختلفة في الثلاثة أشهر الأولى من الحمل.
· إباضة متعددة يلحقها انغراس متأخر لواحدة من الكيسات الأرومية؛ فينتج عنها حملًا إضافيًّا.
· خلل جيني في إنتاج الهرمون الموجِّه للغدد التناسلية المشيمية البشرية (HCG)؛ مؤديًّا إلى تحفيز إباضة لاحقة وحدوث انغراس.
فضلًا عن ذلك؛ فُسِّرت الإباضة التي قد حدثت في أثناء الحمل بما يُعرَف بـ LOOP like event، وهو ازدياد مستويات الإستراديول بعد الإباضة التي سببت الحمل الأول بـ1 إلى 3 أسابيع؛ فيتحفَّز الانتقال السريع للنِّطاف من المهبل إلى أنبوب فالوب ويتحرض الوصول إلى مستوى الذروة من الهرمون الملوتن LH الذي يسبب حدوث الإباضة مرة أخرى في أثناء الحمل؛ ويُضاف إلى ذلك أنَّ التغيرات التي تطول بطانةَ الرحم في بداية الحمل تكون ما تزال ضئيلةً، ومن الممكن لجنين جديد أن يُعشش فيها أيضًا.
وحتى الآن؛ لم يُوضَع معيار معين للتعرف إلى حالة الحمل على الحمل؛ إذ يثبت عادة بالعثور على أجنةٍ في الرحم متخالفة التطور المرحلي، أو حدوث المخاض وولادة جنين ثانٍ/ أجنّة بعد ولادة الأول بفاصل زمني أقل من فترة الحمل المفترضة؛ ثُمَّ تكمن خطورته في أن الجنين الناتج عن إلقاح البويضة الأخيرة غالبًا ما يولد في وقت ولادة أخيه نفسه؛ فتتضاعف احتمالية حدوث مشكلات في تطور رئتيه وقد يحدث عند بعض الأطفال الخدج، والسبب أنه لم يأخذ الوقت الكافي ليكمل نموه الطبيعي داخل الرحم.
إضافة إلى ذلك؛ ذُكِر أنَّ بعض حالات الحمل على الحمل قد تُعدُّ - خطأً - حالة حمل متعدد (توائم)؛ فعدم التوافق في العمر الحملي والحجم قد يُعدُّ ناتجًا عن متلازمة النقل الجنيني twin–to-twin transfusion syndrome التي تحدث بسبب وجود تغذية غير متكافئة للأجنة التوائم المتشاركين بمشيمة واحدة أو نتيجة عدة عوامل؛ كالعدوى أو الشذوذات الصبغية أو قد يُنظَر إليه على أنَّه مجرد اختلاف جيني أدَّى إلى تباين الحجم بين الأخوين (يكون كل واحد منهما ناتج عن بيضة ملقحة منفصلة).
أخيرًا وليس آخرًا؛ فإنَّه على الرغم من إمكانية حدوث هذه الظاهرة؛ فإن نسبة حدوثها - بناء على ما وجدناه في الأبحاث المختلفة - لا تتعدى الـ1 في عدة ملايين من مرات الحمل، ولأنَّ تشخيص هذه الحالة تشخيصًا مؤكدًا لا يحدث إلا بعد الولادة، ويتطلب دراسات صبغية واستبعادًا لجميع الاختلالات الجينية والأمراض الاستقلابية؛ ولذلك فالنسبة السابقة غير دقيقة تمامًا.
المصدر: