علم النفس > الصحة النفسية
لماذا نشعر بعدم الأمان؟
يمكن تعريف الأمان النفسي بأنه الشعور بالطمأنينة والتحرر من الخوف والقلق، ويكون انعدام الأمان النفسي على النقيض من ذلك؛ أي الشعور الدائم بالخطر على النفس.
يشعرُ الشخص بعدم الأمان النفسي بسبب ترقبه الأذى من الآخرين، فعندما تشعر بالأمان مع عائلتك أو مع شريكك أو في عملك؛ ينعكس هذا الأمان النفسي عليك ويجعلك أكثر ثقة بنفسك وأكثر ثقة بمن هم حولك.
ما الذي يسبب الشعور بعدم الأمان؟
يمكن أنْ تكونَ جذور المشكلة متعلقة بطفولتنا، مثل التعليقات السلبية التي يقولها الآباء لنا ونحن صغار، أو غيابِ أحد الوالدين، مما يترك لدى الطفل شعورًا بعدم الأمان لغيابه في حياته، ليس ذلك فحسب؛ فالدلال المُبالَغ فيه يُضر باحترام الطفل لذاته ويجعله لا يشعر بالأمان.
نحن بحاجة لأنْ نُرى كما نحن على حقيقتنا، لذلك عندما يُظهر الطفل أيَّ اهتمام بمجال ما يجعله ذلك يشعر أنَّه على قيد الحياة، ويجب على والديه تقديم الدعم والاعتراف بجهود الطفل المبذولة بدلًا من التركيز أكثر على النتيجة.
فمثلًا قول: "أنت أفضل فنان رأيته في حياتي، وأحب طريقة استخدامك للألوان" بدلاً من نقد جمالية اللوحة التي رسمها الطفل يساعده في إنشاء شعورٍ بقيمة الذات.
إذًا؛ الشعور بانعدام الأمان يتولد فينا من وجهات النظر المأخوذة عنا والموضوعة بنا من آبائنا، فنحسب أنَّ هذه هي وجهة نظرنا بأنفسنا ونجعل هذه الآراء على قيد الحياة بسبب تذكير أنفسنا بها على مدار حياتنا، والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى: "أنت غبي"، "أنتِ لست جميلة"، "أنت فاشل"، " لن يحبَّك أحد"، "أنت سمين"، "لن يكون لك أصدقاء أبدًا"، "لن تحقق أي شيء، وما الهدف من المحاولة".
ويتعدّى أثرُ ذلك فترة الطفولة؛ فانعدام الأمن قد يسيطر علينا في أماكن عديدة مثل العمل، وسيكون هناك صوتٌ داخليٌ يقول لك: "أنت لا تعرف ما تفعله"، "من تظنين نفسك؟! لن تكوني ناجحة"، "يجب عليك تأجيل هذا للغد"، "لا يحبك أحدٌ هنا ولن يوظفك أحد".
يمكنُ أنْ يسيطرَ هذا الإحساس على العلاقات العاطفية أيضًا، فيتغلغل هذا الصوت الخبيث داخل رأسك ليوقظَ ما دُفن منذ وقت طويل من إحساس بعدم الأمان داخل العلاقة، ويذكرك بكل الآلام التي مررت بها، وفضلًا عن ذلك؛ فإنَّ المخاوف من الحميمية والقربِ من شخص تحبه يجعل كل هذه المشاعر تطفو على السطح، مما يسبب أضرارًا خطيرة في العلاقة إذا ما استمعت لهذا الصوت.
هذا الصوت الداخلي الذي يريد أنْ يتلاعب بك، ويجعلك ترغب بالتراجع بمجرّد أن تبدأ الأمور تأخذ منحًى جديًّا، فيجعلك تشعر باليأس تجاه شريكك، وتبالغ بالغيرة لدرجة أنك تريد أنْ تمتلك هذا الشخص، أو على العكس؛ يجعلك تشعر بالرفض أو عدم الاستحقاق، وهذا ما نقوله لأنفسنا في العلاقات؛ مثلًا: "لن تجد شخصًا آخر يفهمك"، "لا تتقرب أكثر"، "إنه لا يهتم بكِ"، "إنه خطؤك إذا انزعج".
الأمان النفسي لدى الإنسان يتشكل من عدة عوامل؛ منها:
تلبية الحاجة الفسيولوجية: تُشير نظرية "ماسلو" عن الاحتياجات بأنَّ النوم والطعام والماء من الحاجات الأساسية للإنسان، ويوجد ما يكفي من طعام وماء ونوم يُشعِر الإنسان بالرضى، وعندها يرتقي إلى مستوى أعلى في هرم "ماسلو" من احتياجات الإنسان وهو "الأمان"، فيبحث الإنسان عن الأمان والأمان النفسي.
وعند عدم تلبية الحاجات الأساسية للإنسان لن يكون هناك توازن، فإذا شعرت بالعطش فسوف تبحث عن الماء، وإذا شعرت بالجوع ستبحث عن طعام، وإذا لم يتوافر أي عنصر من العناصر الأساسية فلن تبحث عن أمانك، لذلك كلما كنت قادرًا على تلبية احتياجاتك الفسيولوجية الأساسية قلَّ الشعور بعدم الأمان النفسي.
الدعم العاطفي العائلي: إذا كان الطفلُ يتلقى الدعم والحب من العائلة وخاصة الوالدين يصبح أكثر كفاءة اجتماعيًّا، ويرتبط الدعم العاطفي العائلي إيجابيًّا بالتكيف العاطفي واحترام الذات، لذلك يصبح الشخص يشعر بنوع من أنواع الحماية العاطفية لمواجهة التهديدات العاطفية.
العلاقات العاطفية: شعورُ الإنسان أنه مرغوب فيه باستمرار يجعله يشعر بأمان نفسي، والذين يخشون البقاء وحيدين دونَ علاقات توفر لهم الاحترام والحماية يعانون الاعتماديةَ أو التبعية، ويخشون من تلقي تعليقات أو تقييمات سلبية، أو تجارب عاطفية سلبية، فكلما زادت تبعية الفرد زاد انعدام الأمان النفسي لديه.
القلق: يشمل الميلُ إلى التأثر العاطفي السلبي القلقَ والحزن والشعور بالذنب وعدم الاستقرار العاطفي، وقد أظهرت الأبحاث أنَّ انعدام الأمن العاطفي يرتبط بالقلق؛ مثل الناس الذين يخافون باستمرار من أنَّ الأمور سوف تسوء، أو أنّهم سيتعرضون للأذى.وبذلك كلما زاد انعدام الأمن النفسي زاد القلق وانعدام الثقة بين الناس، فإذا كنتَ شخصًا متوترًا في علاقتك مع شريكك؛ فأنت حتمًا لا تشعر بالأمن النفسي.
فكلَّما كنتَ شخصًا منفتحًا ومقبلًا على كل ما هو جديد وباحثًا عن التنوع ومتقبّلًا جميع الآراء والأفكار المختلفة يزداد شعورك بالأمان النفسي، فمن الصعب أنْ تجدَ شخصًا ذا عقلية منفتحة يرى كل ما هو جديد أنه تهديد، أو يُمثّلُ له تهديدًا.
ويجعلُ الانفتاحُ منك شخصًا واثقًا من ذاته أكثر، ويتحمل الآراء المختلفة ويراها على أنها ليست تهديدًا له، وبذلك تشعرك أكثر بالأمن النفسي، وتكون أكثر ثقة بين الناس.
كيف تتغلب على عدم الأمان؟
أولًا: إذا هجم عليك هذا الصوت الذي يهمس داخل رأسك بأنك لن تنجح؛ اكتب هذه الأفكار.
وسيجعلك هذا تفصلُ بين التفاعل مع هذه الأفكار وإخراجها خارج رأسك بالكتابة، والتخلص من هجوم هذا الصوت عليك وتكون مؤهَّلًا عاطفيًّا، لأنَّ كتابةَ هذه الأفكار -بصراحة- ستجلبُ لك كلَّ ما هو مدفون في داخلك من الماضي.
ثانيًا: ويمكنك أن تفكر وتتحدث عن ردود أفعالك تجاه هذه الأفكار، فهل تذكركَ بأيّ شخص أو أي شيء من ماضيك؟
سيكون مفيدًا لك أنْ تكشف لنفسك عن التجارب التي جعلتك تشعر بهذه الطريقة وساعدت في تشكيل عدم الأمان لديك، كلُّ ذلك سيُشعِرك بالتعاطف تجاه ذاتك والتعرف أكثر إلى نفسك، لأنَّ كل ذلك سيكشف عن هويتك.
ثالثًا: رُدَّ على الهجمات هذه بهجمات أخرى مضادة، واكتب عن رأيك ولماذا تراودك هذه المشاعر، واكتب عن نفسك وعن شعورك تجاه نفسك.
رابعاً : ابدأ بالتواصل مع ذاتك أكثر، وتعرّف كيف يؤثر هذا الصوت في سلوكياتك، ومع شريك حياتك، وفي طموحاتك، وفي العمل.
هل هذا الصوت يقودك؟ وما الأماكن التي يكون فيها كلٌّ من هذا الشعور وهذا الصوت أكثرَ تأثيرًا؟
خامساً: كن مؤهلًا؛ لأنَّه مع التغيير يأتي القلق دائمًا، وسيرافقك هذا الصوت طوال حياتك، ومن الصعب التخلص منه وشنُّ هجمات مضادة عليه، بل إنَّ ذلك سيزيد التحدي وقد يجعله أعلى و أعلى! وكي لا تغرق في دوامة هذا الصوت يمكن أنْ تمارس الرياضة أو عمل أي شيء تحبه، فالتغيير يتطلب صبرًا ومثابرة، وعندها سيضعف هذا الصوت وسيتلاشى بالتدريج.
المصدر: