العمارة والتشييد > مشاكل إنشائية
فندق الحياة ريجنسي..عندما يفشل التصميم!
تحدث الأخطاء المهنية من حولنا كل يوم، ولكنها قد تتحول إلى كارثةٍ على أيدي المهندسين، فالخطأ الهندسي يمكن أن يودي بحياة المئات من الأشخاص دفعة واحدة..
هل انهارت ممرات فندق الحياة ريجنسي بسبب حفلة رقص؟ عشرات القتلى والضحايا بسبب عناصر الوصل المعدنية؟!
نعرض في هذا المقال الخطأ البشري الكارثي الذي أودى بحياة 114 شخصًا في ثمانينيات القرن الماضي..
عندما افتتح فندق الحياة ريجنسي Hyatt Regency Hotel في مدينة كنساس في ولاية ميسوري الأمريكية؛ كان مفخرةً معماريةً ببهوه الكبير وفتحته السماوية الواسعة وممراته الثلاثة المعلقة التي تصل بين طوابقه، وذلك مساء يوم 17 من حزيران عام 1981م، وبعد سنة من الافتتاح الرسمي للفندق أقيمت فيه حفلة راقصة في البهو الكبير؛ والتي قُدِّر عدد المشاركين فيها بأكثر من 300 شخص، ويقف كثيرٌ منهم ويرقص على الممرات الثلاثة المعلقة، وفجأة! وفي الساعة السابعة وخمس دقائق مساءً انهار ممر الطابق الرابع (العلوي) مُسببًا سقوط الممر الثاني (السفلي) معه إلى أرض البهو حيث الحفلة، مما أدى إلى مقتل 114 شخصًا وجرح أكثر من 200 آخرين في واحدة من أكثر الانهيارات الإنشائية فتكًا في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية نسبةً إلى عدد الضحايا.
معماريًا؛ كان ممر الطابق الرابع يمتد مباشرةً فوق ممر الطابق الثاني، في حين يمتد ممر الطابق الثالث بينهما ولكنَّه يبتعد عنهما بضعة أمتار على نحوٍ منفصل، وفي الحقيقة لم يكن انهيار هذه الممرات بسبب تصميمها المعماري أو الإنشائي الاستثنائي، أو حتى طبيعة المواد المستخدمة فيها؛ بل إنَّ سلسلة من القرارات والأخطاء الإدارية أدت إلى استخدام جملة إنشائية غير محسوبة بدقةٍ في عملية البناء، إذ يرجع سبب الانهيار إلى ضعفٍ في الوصلات المعدنية بين الجائز الحامل والقضبان المعدنية الطولية التي تحمل الممرين الرابع والثاني، وقد بيَّنت التحريات أنَّ التصميم الأصلي للممرات كان عن طريق تعليق الممرين الرابع والثالث معًا بصف من القضبان المعدنية المعلقة في السقف التي تصل دون انقطاع إلى أسفل الممر الثاني، وعلى الرغم من أنَّ هذا التصميم لا يحقق المتطلبات الدنيا للحمولات في الكود المتبع في مدينة كنساس، لكن السبب الرئيسي للانهيار كان تغيير التصميم الأصلي للقضبان المعدنية الحاملة بوضع قضيبين منفصلين أحدهما يربط السقف بالممر العلوي والثاني يربط الممر العلوي بالممر السفلي، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة الحمولات على الوصلات المعدنية في الممر العلوي، ومن ثم تخفيض قدرة تحمل هذا الممر إلى 30% من حمولته التصميمية الأساسية.
عزا المهندس الاستشاري المسؤول (engineer of record) هذا الخطأ التصميمي القاتل إلى سوءٍ في التواصل والتنسيق، فقد كلَّف مهندسًا إنشائيًّا آخر (مهندس مشارك) ليُشرف على أعمال المشروع -والذي لم يكن عضوًا مسجلًا في الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين (ASCE)- ولأنَّ هذا المهندس الاستشاري مشرفٌ على قرابة عشرة مهندسين مشاركين في الوقت نفسه، وكل منهم لديه ستة أو سبعة مشاريع قيد التنفيذ، فكان من الصعوبة بمكان أن يُراقب بنفسه كل تفاصيل التصميم للمشروع، وبدلًا من ذلك فقد أوكل هذه المسؤولية إلى المهندس المشارك.
وأكَّد المهندس الاستشاري أنَّ الإجراء المعتاد عند تنفيذ الوصلات المعدنية هو ترك تصميمها للجهة المصنعة، أما التصميم الأصلي المقدم في المخططات الإنشائية فيُعدُّ تصميمًا مبدأيًّا، ولكن عندما وجدت الجهة المصنعة أنَّ التصميم الأساسي للوصلات صعب التنفيذ طلبت تغيير التصميم عن طريق الهاتف، فأعطى المهندس الإنشائي المسؤول موافقةً شفهيةً على التغييرات على أن يُرسل الطلب الخطي بالتغييرات لاحقًا لتأخذ الموافقة الرسمية، وهذا الذي لم يحدث مطلقًا!! ولكن الذي حدث حقيقة؛ أنَّه عندما بدأ المتعهد العمل على المخططات التفصيلية للوصلات، اضطر بسبب زيادة حجم العمل إلى إسناد العمل إلى متعهد ثانوي آخر، والذي بدوره اعتقد أنَّ هذه المخططات قد أخذت الموافقة على تصميمها مسبقًا، ومن ثم لم يُجرِ أي حسابات للتحقُّق منها بنفسه.
وعندما أُعيدت المخططات النهائية إلى المهندس الاستشاري للموافقة المستعجلة عليها، أوكل مهمة مراجعتها إلى أحد الفنيين في فريقه الذي لم يتحقَّق من تصميم الوصلات التي لم تكن موضحة في المخططات، ووقًّع على المخططات النهائية دون إجراء أي حسابات بنفسه. معتمدًا على حسابات فريق التصميم فقط.
وفي النهاية نُفِّذت الوصلات دون إجراء أيَّة مراجعة أو حسابات، وعند أول اختبار حقيقي لها أدت إلى هذه الكارثة المُفجعة.
يبقى السؤال: هل سنفكِّر نحن المهندسين؛ مرةً أخرى قبل التوقيع واعتماد أي تصميم؟ هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه هنا!
المصادر:
حقوق الصورة:
© commandsafety.com