الرياضيات > الرياضيات
الرياضيات في إطلاق الصواريخ إلى الفضاء
ماذا يعني حقًّا أن الأقمار الصناعية تدور حول الأرض؟ ما الرياضيات التي تقف خلف ذلك الأمر؟ وما الرياضيات التي تقف وراء الصواريخ التي تُدخِل تلك الأقمار الصناعية إلى مدارها؟ تابع معنا قراءة هذا المقال لمعرفة ذلك!
منذ أن كنت طفلًا كنت أحب الصواريخ وكل شيء عن الطيران إلى الفضاء، ولذلك فقد كان صوت العد التنازلي لإطلاق صاروخ كالموسيقا بالنسبة إلى أذني؛ وبالطبع فإنَّ الصوت الذي يلي العد التنازلي قد يكون أي شيء إلا الموسيقا؛ لأنَّ صوت الصواريخ صاخبٌ حقًّا؛ لكنَّه جميل أيضًا..
وعلى ما يبدو؛ فإنَّّ هذه الآلات الرائعة ستؤدي دورًا حيويًّا متزايدًا قريبًا في حياتنا اليومية في بداية رحلتنا لنصبح من الأنواع التي تسافر إلى الفضاء، فضلًا عن أنها آلات تعمل على أساس الرياضيات (وبالطبع على كثير من الفيزياء والوقود أيضًا).
إذًا.. ما الرياضيات التي تشغل الصواريخ؟ وكيف تساعدنا على نقلها إلى الفضاء؟ وكيف نستخدم هذه الرياضيات في وضع القمر الصناعي أو شخص ما في مدار حول الأرض؟ لنكتشف ذلك!
رياضيات الوصول إلى الفضاء:
عندما يفكر الناس في الذهاب إلى الفضاء؛ فهم عادةً ما يفكرون في الصعود نحو الأعلى، ولكنْ في الحقيقة فإنَّ هذا جزء واحد من القصة فقط، فمن الصعب تحديد مكان انتهاء الغلاف الجوي وبداية الفضاء الخارجي.
إذ يتفاجأ كثيرٌ من الناس عندما يعلمون أنَّ الفضاء الخارجي يبدأ من بُعدِ 100 كيلو متر فوق مستوى سطح البحر؛ لأنَّ هذه المسافة ليست بعيدةً حقًّا، لكنَّ المشكلة في الوصول إلى هناك هي أنّ الطريق كله صعود؛ مما يعني أنه عليك مقاومة الجاذبية على طول الطريق.
لكنَّ الوصول إلى هذا الارتفاع هو نصف معركة الدخول في مدار حول الأرض فحسب؛ لأنَّه إذا كانت المركبة الفضائية تطير على بعد 100 كيلو متر وانطفأ المحرك فستعود ببساطة مرةً أخرى إلى الأرض (وهذا ما يسمى رحلة شبه مدارية).
أما إذا كان هدفك هو وضع قمر صناعي في مدار حول الأرض أو تسليم شخص إلى محطة الفضاء الدولية، فإنَّ الصاروخ لا يحتاج فقط إلى الدخول إلى الفضاء، بل يحتاج إلى البقاء هناك أيضًا، وهذا يعني أن هذا الأمر يجب أن ينتهي بتحليق جانبي سريعٍ حقًّا؛ وبسرعةٍ تبلغ نحو 8 كم / ثانية أو ما يقرب من 18000 ميل في الساعة!
الرياضيات التي تدور حول الأرض:
ولكنْ لماذا يحتاج الصاروخ أو القمر الصناعي أو محطة الفضاء إلى التحرك جانبيًّا بسرعة للبقاء في المدار؟ الجواب هو أساسًا الهندسة (وجرعة صحية من الفيزياء).
فكما نعلم؛ فإن الأرض كروية تقريبًا، في حين أنه من الممكن التجول حول الأرض (أو أي شيء آخر) في مدار بيضوي الشكل (والذي يبدو وكأنه دائرة مائلة)، إذًا دعونا نفكر في حالة بسيطة لمدار دائري.
إذا فكرنا في الأمر؛ فسنرى أن صاروخًا يدور حول الأرض الكروية في مدار دائري على ارتفاع ما وسيبقى يدور في هذا الارتفاع فوق الأرض على كل المدار، هذا واضح نوعًا ما، ولكنَّه في الحقيقة مفتاح لفهم الرياضيات خلف ذلك.
لمعرفة كيف يعمل هذا؛ تخيَّل الوقوف على حافة جرف طويل يطل على المحيط، إذا أسقطت كرة، فإنَّ الكرة ستسقط مباشرةً في الماء، ولكن إذا رميت الكرة مع القليل من السرعة الجانبية، سوف تسافر الكرة في قوس مكافئ وتقع بعيدًا قليلًا عن الجرف.. تخيَّل الآن رمي الكرة مع مزيدٍ من السرعة الجانبية؛ فإنَّ كل زيادة في السرعة الأفقية تعني أن الكرة ستسقط في المياه أبعد عن الجرف من ذي قبل.
والآن إذا رميت الكرة بقوة كافية تمامًا؛ فسيحدث أمر غريب، إذ إنَّ المقدار الذي ستسقط الكرة فيه باتجاه الأرض يتطابق تمامًا مع مقدار انحناء الأرض الكروية الناتجة عن رمي الكرة.
والنتيجة هي أن ارتفاع الكرة فوق الماء لا يتغير!
وضعْ في حسبانك أنه على الرغم من أنَّها لا تصل إلى الأرض؛ فإن الكرة تسقط فعليًّا نحو الأرض طوال الوقت، فهي ببساطة لا تقترب أبدًا من الأرض نظرًا لأنَّ مسارها المنحني يتطابق مع انحناء الأرض.
وبعبارة أخرى؛ فإنَّ الكرة أصبحت تدور في المدار.
بالطبع لا يمكنك في الواقع جعل الكرة في المدار برميها من على منحدر مثل هذا، لأنَّ جزيئات الهواء في غلاف الأرض الجوي سوف تبطئها وتسقط في النهاية على الأرض. وهذا بالضبط هو السبب الذي يقتضي من الصواريخ أن تنتقل صعودًا إلى الفضاء قبل أن تستطيع أن تدور حول الأرض.
معادلة الصواريخ
والآن بعد أن عرفنا ما يعنيه وضع قمر صناعي في المدار، دعونا نفكر في كيفية الحصول عليه هناك.
بعبارة أخرى، دعونا نفكر ونسأل: ما الذي يحدد حجم الصاروخ الذي يجب أن يكون لرفع قمر صناعي إلى الفضاء وتحريكه جانبيًّا بالسرعة الكافية للدوران حول الأرض؟!
بدايةً، دعونا نفكر في ما يتعين علينا تأديته لوضع شخص (وفرشاة أسنانه) أو قمر صناعي في مداره، والجواب هو أننا نحتاج إلى إرفاق صاروخ تحت هذه الحمولة التي لديها ما يكفي من الوقود والقوة لرفع الكتلة المطلوبة إلى المدار.
ولكنَّ الصاروخ الذي وضعناه تحت الحمولة يحتوي أيضًا على كتلة (معظمها وقود)، مما يعني أننا بحاجة إلى صاروخ آخر تحت الأول يحتوي على ما يكفي من الوقود والقوة لرفعه، ولكنْ هذا الصاروخ الثاني الذي نعلقه لديه أيضًا كتلة (مرة أخرى، معظمها وقوده)، لذلك نحن بحاجة مرة أخرى لصاروخ آخر لرفعه!
وهكذا…
وحتى لو كانت حمولة الصاروخ صغيرة، فإنها تحتاج إلى كثير من الوقود لرفعها، وتحتاج إلى وقود لرفع الوقود... وهكذا. وكما قلنا من قبل؛ فإنَّ المسافة على بعد 100كم فقط، ولكنَّها على بعد 100 كيلو متر على نحوٍ مستقيم؛ مما يجعل من الصعب الوصول إليها.
هناك معادلة تلخص هذه الحالة برمتها وتخبرنا تقريبًا عن مقدار الوقود اللازم لرفع كمية معينة من الكتلة إلى مدار بواسطة صاروخ معين، وهي تسمى منطقيًّا «معادلة الصواريخ»، ولن نخوض في كل تفاصيل هذه المعادلة، ولكنَّ جوهرها هو أنها تخبر المهندسين بكيفية حساب السرعة التي اكتسبها الصاروخ في أثناء حرق الوقود.
تقول المعادلة إن زيادة السرعة تتناسب مع لوغاريتم الكتلة الأولية للصاروخ (بما في ذلك الصاروخ نفسه، والحمولة، وكل وقوده) مقسومًا على الكتلة النهائية للصاروخ (عندما يحترق كل الوقود).
هذا يخبرنا في النهاية أن إضافة مزيد ومزيد من الوقود إلى الصاروخ يوفر عوائد متناقصة من السرعة المكتسبة.
وكما رأينا؛ فإنَّ كل هذا الوقود يتطلب مزيدًا من الوقود، وهذا بالضبط هو السبب الذي يجب فيه على الصواريخ أن تكون هذه الآلات الهائلة والرائعة والجميلة..
المصدر: