الفيزياء والفلك > فيزياء
المصادم الهادروني الكبير يرصد الانحلال الأكثر ترجيحًا لجسيم الهيغز
لطالما كان رصْدُ انحلال بوزون الهيغز إلى كواركات قاعيّة هو الأولويّةَ الأولى على مدى السنوات العديدة الماضية؛ فمنذ اكتشافِه عام 2012؛ لم يتمكّنِ العلماءُ من رصْد سوى 30% من جميع انحلالاته المُتنبَّأ بها نظريًّا.
أُعلِنَ (اليوم) في سيرن عن اكتشاف انحلال بوزون الهيغز إلى كواركات قاعيّة bottom quarks بعد عمليتَي رصْدٍ مُنفصلتَين لعملية الانحلال الآنفة الذِّكر في كلٍّ من الكاشفين Atlas وCMS ضمن مصادم الهادرونات الكبير LHC، وإجراء مقارنةٍ لنتائج كلٍّ منهما؛ مُقارنةٍ خَلصَتْ إلى نتيجةٍ مُتَّسقةٍ مع توقُّعات النّموذج المعياريّ، الذي يتنبَّأ بأنَّ نمطَ الانحلال هذا هو الأكثر شيوعًا لبوزون هيغز، ومع هذا؛ فقد كان من الصَّعب فَصْلُ هذه الإشارة؛ لأنَّ الضجيج الخلفيّ في التجربة يُحاكي الإشارةَ المنشودة بطريقةٍ تجعل عمليةَ فصل الإشارتين أمرًا مُعقَّدًا.
ويعدُّ هذا الاكتشاف خطوةً كبيرة نحو الأمام في السعي إلى فهْم كيفيّة تَمكُّن الهيغز من إكساب الجُسيمات الأساسية لكُتَلِهم.
فبعد سنوات عديدة من تحسين التَّقنيَّات ودمجِ مزيدٍ من البيانات تدريجيًا، شَهِدتْ كلتا التجربتين (أيْ Atlas وCMS) في النهاية دليلًا على انحلال الهيغز إلى كواركات قعريّة، والذي تجاوز ما يُعرف بعتبة Sigma-5 ذاتِ الأهمية الإحصائية المطلوبة عادةً للقوْل بثقةٍ جيدة إنَّ اكتشافًا جديدًا قد رُصِد. وقد وَجد كلا الفريقين أنَّ نتائجَهما مُتطابقة مع توقُّعات النّموذج المعياري.
ومن المعروف في فيزياء الجُسيمات أنَّ كلَّ جُسيم يمكن أن يُمثَّل بحقل، فإنَّ جُسيم هيغز يُعبَّر عنه بحقل هيغز أحيانًا، وفي هذا الصَّدد تقول باتي ماكبرايد -وهي عالمة بارزة في مختبر فيرمي الوطنيّ لبحوث الطَّاقة في وزارة الطَّاقة الأمريكية، وقد انتُخِبَتْ مؤخَّرًا لتشْغَل منصبَ نائب المتحدِّث باسم تجربة CMS- ما يأتي:
"إنَّ بوزون هيغز جزءٌ لا يتجزَّأ من كوننا، ويُفترض أنَّه يُعطي الجُسيمات الأساسية كتلةً، لكنَّنا لم نُؤكِّد بعدُ كيفيّة تفاعل هذا الحقل بالضَّبط، أو فيما إذا كان يتفاعل مع كلِّ الجُسيمات التي نعرفها، أو فيما إذا كان يتفاعل مع جُسيمات المادّة المُظلمة؛ فهذا لا يزال يَتعيَّنُ علينا اكتشافُه"
ومن بين الصعوبات التَّقنيَّة التي واجهتْ عملية الرَّصد هي حقيقةُ أنَّ بوزونات هيغز تَنتج بنسبة 1 من بليون تصادم في الـ LHC، وتبقى قبل أنْ تنحلَّ؛ مدَّة جزءٍ صغير من الثانية، قبل أنْ تتحوَّل طاقتُهم إلى سلسلة من جُسيمات أخرى يَنتج بعضها عن بعض. ولمّا كان من المستحيل رَصْدُ بوزونات هيغز مباشرةً؛ فإنَّ العلماء يستخدمون أسلوبًا غير مباشر في تقفِّي أَثَرِها عن طريق الجُسيمات النَّاتجة ثانويًّا عن الانحلال، أملًا في دراسة خواصّ جُسيم الهيغز.
لم يتمكّن العلماءُ منذ اكتشاف جُسيم الهيغز في 2012 من تحديد سوى قرابة 30% من جميع انحلالات بوزونات هيغز المُتنبَّأ بها*. ولطالما كان رصد انحلال بوزون الهيغز إلى كواركات قاعيّة هو الأولويّة الأولى على مدى السنوات العديدة الماضية؛ لكون نسبة انحلالِه بهذا النمط مُرتفعةً؛ إذ تتنبَّأ النظريةُ بأنَّ 60% من بوزونات هيغز يجب أنْ تَنحلَّ إلى كواركات قاعيْة.
ويقول Cavaliere Piacquadio؛ عالمُ الفيزياء في جامعة Stony Brook؛ ومساعد قائد فريق تحليل بيانات تحلُّل جُسيم هيغز إلى كواركات قاعية: "إنَّ إيجاد سيرورة الانحلال هذه وفهمها أمرٌ بالغُ الأهميّة، لأنَّها تُتيح لنا إمكانيّةَ دراسةِ سلوك جُسيم هيغز؛ على سبيل المثال؛ إذا ما كان يُمكنه التَّفاعل مع جُسيمات جديدة غير مُكتشفةٍ بعد".
ووفقًا للنظرية فإنَّ حقل الهيغز يتفاعل مع كلِّ الجُسيمات التي لها كتلةٌ في النموذج المعياريّ، ويجب على علماء الفيزياء النظرية أنْ يُفسِّروا سلوك الجُسيمات دون الذرية، ولكنْ يَظنُّ العديدُ من العلماء أنَّه بإمكان جُسيم هيغز التَّفاعل مع جُسيماتٍ لها كتلة وغير مُتضمَّنة في النموذج المعياريّ؛ مثل المادة المُظلمة. وعن طريق إيجاد وتخطيط تفاعلات جُسيم هيغز مع الجسيمات المعروفة؛ يُمكن للعلماء في الوقت نفسه سَبْرُ ظواهرَ جديدة، ويقول Piacquadio: "يُمكن لجزءٍ صغير من بوزونات هيغز أنْ يعطي جُسيمات مادةٍ مُظلمة كجزءٍ من انحلالاتهم"، ويُتابع: "لمّا كان انحلالُ بوزون هيغز إلى كواركات قاعيّة شائعٌ جداً فإنّه يُمكننا استخدامُه في محاولةِ رصد الانحلالات المتوقَّعة غير المرئية، وكذلك استخدامُها مباشرةً لسَبْر فيزياء جديدة".
ومع أنَّ نمْط الانحلال هذا هو المسار الأكثر شيوعًا، لكنَّ اكتشافَه في البيانات التَّجريبية لم يكنْ بالأمر السَّهل، فعن كلِّ تصادم بروتون–بروتون في المصادم الهادروني الكبير LHC تنتجُ جسيماتٌ دون ذريَّة مُتناثرة بوصفها نواتجَ ثانويَّة عن التصادم، ويمثل الكوارك القاعيّ واحدًا من أشهرها. وسرعان ما تنحلُّ هذه الكواركات القاعيَّة المُنتَجة إلى جُسيمات من نوع آخر مُخلِّفةً وابلًا من الجُسيمات في الكاشف. وإنَّ تتبُّع هذه الدَّفْقات من الجُسيمات (ومن ثمَّ تحديد أيٍّ منها تأتي من بوزون هيغز)، وإرجاءَها إلى كواركين قاعيين هو عملٌ دقيقٌ للغاية ومتشابك. ويقول Piacquadio: "تمثّلُ القدرةُ على تحديد كواركات قاعيَّة وعزلها في البيانات التجريبية تحدّيًا كبيرًا، يتطلَّبُ معايرةً دقيقة للكاشف، وملاحَقَةً معقَّدةً للكوارك القاعيّ، ولقد تمكَّنا من تحليل هذه البيانات بفضل سنواتٍ من العمل سبقت ذلك".
ولإلقاء الضوء على هذه العملية؛ جُمِعَت البياناتُ التي رُصِدَت بالتعاون بين فريقي التجربتين Atlas وCMS، والناتجة عن دورتي عمل للمصادم، ومن ثمَّ طُبِّقت طُرائق تحليل معقَّدة على هذه البيانات.
"إن العثور على حالةٍ تبدو مثل كواركين قاعيَيْن نتجا عن بوزون هيغز لا يكفي، فنحن بحاجةٍ إلى تحليل مئات الآلاف من الحالات قبل أن نتمكَّن بثقة من إعلان رصد هذه العملية، التي تحدث على قمَّة جبلٍ من النتائج المُشابهة التي تُعدُّ بمثابة ضجيجٍ خلفيٍّ في التجربة." هذا ما قاله Palmer -عالم في جامعة برينستون، والذي عمل على تحليل نتائج CMS- ويتابع قائلًا: "إنَّ هذه الأحداث الخلفيَّة الخادعة جعلت عملية إجراء التحليلات أمرًا صعبًا لدرجة يكاد يكون مستحيلًا بالاستناد إلى كواركات قاعيَّة معزولة فقط. ولحسن الحظ؛ تُنتِجُ بعضٌ من آليات إنتاجِ جُسيمات هيغز جُسيماتٍ ثانوية قابلة للتَّميُّز. ولقد استخدمنا هذه الجسيمات لتمييز أيّة سيرورةٍ قد حدثت بالفعل لجُسيم هيغز من بين السَّيرورات المُمكنة، وبهذا نكون قد حقَّقنا هدفين في عمليةٍ واحدة من هذا التحليل..؛ فنحن لم نجدْ أنَّ جُسيم هيغز ينحلُّ إلى كواركات قاعيَّة فحسب، بل تعلَّمنا كثيرًا عن آليَّات إنتاجه أيضًا. والخطوة الآتية هي زيادةُ نسبة هذه القياسات؛ فيمكن للعلماء دراسةُ نمط الانحلال هذا بدقَّةٍ أكبر بكثير، واستكشافُ الأسرار التي قد تكون وراء بوزون هيغز. **وربَّما القدرة على رصد انحلال الهيغز إلى زوجٍ من الفرميونات الأقلّ كتلة، والتي تُدعى بالميونات.
المصادر:
1 - هنا
2 - هنا