الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد
وماذا بعد التقاعد؟
إذا بلغ عمرك 65 سنة؛ يمكنك أن تتوقع العيش مدَّة 19 سنة أخرى أو أكثر (أكثر إذا كنتَ امرأة، أقلّ إذا كنتَ رجلًا)؛ ذلك حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.
بمعنى أنَّهُ إذا توقفت عن العمل قبل عمر الـ 65 سنة، وعشت مدة أطول قليلًا من المتوسط؛ فستكون متقاعدًا مدَّة قد تتراوحُ مابين 25 و 30 عامًا؛ أي تقريبًا المدة التي كنت فيها على قيد عملك نفسها.
ونظرًا إلى أنَّنا نرى الوقت الذي سنصبح فيها متقاعدين بعيدَ المدى، وليس لدينا أيّة معلومةٍ تساعدنا سوى توقعاتنا عن الإنجازات التي من الممكن أن نكون قد حققناها آنذاك؛ فإنَّ الناس يجدون صعوبةً بالغةً في صب اهتمامهم والتفكير بالمعاشات التقاعدية وطرائق الحصول عليها على الرغم من أن مستقبلهم المالي يعتمد عليها.
هذا ويعتقد أرباب العمل (أصحاب العمل) أنَّ تمويل المعاشات التقاعدية مُكلفٌ للغاية؛ وبذلك لا يرغبون بتمويل الرواتب التقاعدية لموظفيهم، لذا ستحتاج إلى توفير الكثيرِ من المال حتى ذلك الوقت، أو أنك قد تتقاعد في وقتٍ متأخر.
والآن؛ سنعرض بعض الأفكار التي من الممكن أن تساعدنا في هذا الخصوص:
1. تُدفعُ المعاشات جميعها من قِبل الجيل القادم، وعلى الرغم من أن هذه الحقيقة قد تبدو غير بديهية؛ ولكننا نساهم بدفع هذا المال كل شهر؛ إذ تدفعُ رواتب التقاعد في الدولة من قبل دافعي الضرائب الحاليين، وتعمل معظم معاشات الدولة بنظام الدفع أولاً بأول؛ أي أنك تستلم راتب الشهر الذي عملت به في نهاية الشهر نفسه، وتُدفع استحقاقات هذا العام من عائدات الضرائب لهذا العام، وعندما يتعلق الأمر بمعاشات القطاع الخاص؛ فإن العديد من الشركات الخاصة لديها صندوق، وهذا الصندوق يُستَثمر في السندات والأسهم والممتلكات ...الخ، ولكن ما الذي يعطي تلك الأسهم والسندات والعقارات قيمة في عام 2030 أو 2050 عندما تُدفع المعاشات؟
إن العاملين و دافعي الضرائب في 2030 و 2050 هم الذين سيولدون الدخل اللازم لدفع الأرباح على الأسهم والفائدة على السندات والإيجار على الممتلكات.
2. المعاشات تكون عبئًا ثقيل أكثر عندما يكون عدد المسنين أكبر من عدد العاملين، وبعبارة أخرى؛ هناك عددٌ قليلٌ من الشباب مقابل عددٍ كبيرٍ من المتقاعدين، وفي عام 1950 كان هناك 13.9 شخصًا حسب " منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" تزيد أعمارهم عن 65 عامًا مقابل كل 100 شخص عامل أعمارهم بين (20-64)، وفي عام 2015؛ تضاعف هذا الرقم ليصل إلى 27.9، وبحلول عام 2050؛ سوف يتضاعف مرة أخرى ليصل تقريبًا إلى 53.2، وفي بعض البلدان (اليونان وإيطاليا واليابان والبرتغال وكوريا الجنوبية وإسبانيا) ستكون النسبة أكثر من 70 بحلول عام 2050.
جزئيًّا؛ يعود سبب هذا الهبوط باليد العاملة إلى انخفاض معدلات الخصوبة ( إذ أن نسبة الخصوبة أقل من 2.1 اللازمة للحفاظ على نمو السكان)، والجزء الآخر يعود السبب فيه إلى زيادة معدل طول العمر، ومنذ عام 1970؛ ازداد متوسط العمر المتوقع للمتقاعدين 65 سنة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD تقريبًا 4-5 سنوات؛ إذ يعد هذا السبب الأساسي في أن سن التقاعد في الولايات المتحدة يتصاعد مع مر السنين.
3. أصبح دفع المعاشات أكثر تكلفةً؛ إذ أنَّ الطريقة التي يمكن أن يضمن بها المدخرون دخلًا في التقاعد هي عن طريق دفع الأقساط السنوية. في بريطانيا؛ انخفض الدخل الناتج من راتب سنوي قدره 100.000 جنيه إسترليني إلى 5،000 جنيه إسترليني اليوم بدلًا عن 15000 جنيه إسترليني في عام 1990؛ أي انخفاض بنسبة الثلثين. وهذا يفسر لماذا لا يفضل الكثير من الناس الأقساط السنوية ولماذا ألغت الحكومة البريطانية الشروط التي كانت مفروضةً على من يريد دفع الأقساط السنوية ليتمكن أكبر عدد من الأشخاص من دفعها، ولكن البديل عن لأقساط السنوية إما أن تحتفظ بأموالك نقدًا؛ إذ تكون أسعار الفائدة أقل، وإمّا أن تستثمر في أصولٍ ذات مخاطرَ عالية مثل الأسهم، وقد يحقق هذا الأخير دخلًا أعلى ولكن هناك خطر خسارة رأس المال.
وتواجه الشركات التي تعطي معاشاتٍ تقاعديةً محددة المخاطر التي يواجهها الأفراد نفسها. ولكن هناك سوقٌ للتخلص من مسؤولية معاشات الشركات؛ إذ يحتوي هذا السوق على شركات التأمين، لذلك فإنَّ أرباب العمل في القطاع الخاص قد تراجعوا عن إعطاء معاشات التقاعد وقدَّموا بدلًا من ذلك تعويضات تقاعدية محددة؛ "أي مبلغٌ ماليٌ كبير كتعويض عن مجمل فترة التقاعد"، وهنا يكون الموظف هو المسؤول عن كيفية تقسيم هذا المبلغ واستثماره ليستفيد منه في سنين تقاعده، وبذلك يتحمل مخاطر الاستثمار.
4. ما تدفعه لا يساوي دائمًا ما يُدفع لك؛ هذا واضح جدًّا في معاشات القطاع العام؛ إذ قد يضطر الناس للمساهمة في عدد محدد من السنوات، وعلى العموم؛ أولئك الذين يكسبون أكثر يدفعون أكثر في النظام في حين أن المعاش إما معدلٌ ثابت، وإمّا فائدةٌ تدفع من نسبة أعلى الراتب إلى الأجر الأدنى.
وفي حالة معاشات القطاع الخاص؛ فإنَّ صاحب العمل عادةً هو الذي يعطي أكبر المساهمات ويظل في مأزق بسبب أي نقص (نظرًا لأن المبلغ الذي يقتطع من راتب الموظف كل شهر ليُدفعَ راتب التقاعد له لاحقًا هو عبارة عن نسبةٍ من راتب الموظف ونسبةٍ من راتب صاحب العمل).
5. ولكن في نظام دفع تعويض التقاعد بدلًا عن المعاشات، ما تضعه مهم على نحوٍ كبير؛ فتكلفة راتب التقاعد تساوي تقريبًا 25-30 % أو أكثر، وعادةً ما تكون تكاليف إعطاء تعويض أعلى؛ ولذلك لا يمكن لموظف في شركة تعطي التعويض أن يتوقع الحصول على مبلغ يكافئ المبلغ الذي سيأخذه في شركة تعطي رواتب تقاعد (ثلثين الراتب النهائي بعد مرور 40 عامًا)، والأسوأ من ذلك أن تقلبات السوق تعني أن شخصين يساهمان بالضبط بالمبلغ النقدي نفسه على مدى حياتهما يمكن أن يحصلا على معاشات تقاعد مختلفة.
لذا؛ تحتاج إلى توفير أكثر (10٪ على الأقل من الراتب)، أو الاستعداد للتقاعد بعمر متقدم أو يمكنك اتباع الاسلوبين في آنٍ معًا،وهذه العملية ليست معقدة؛ هي عمليات حسابية رياضية عليكم القيام بها وحسب، ولكن على الرغم من ذلك؛ القليل من يستطيع إدراكها مع الأسف.
المصدر: