الطب > مقالات طبية
مأساة كبيرة حدثت في بنما والسبب شراب سعال!!
بداية ما الـ (diethylene glycol (DEG؟
هو سائل عديم اللون عديم الرائحة لزج ذو طعم حلو يدخل دخولًا واسعًا في الصناعات المختلفة؛ إذ يمكن العثور عليه في مضادات التجمد والحبر والمواد اللاصقة وغيرها؛ إضافة إلى كل هذا فقد يوجد أحيانًا ملوثًا للمواد الخام المستخدمة في الصناعات الصيدلانية؛ فهو مادة سامة داخليًّا، والسُّمية الأساسية للـ DEG هي سُمية كلوية وعصبية.
في الحقيقة يمكن تقسيم المظاهر السريرية للسُّمية بالـ DEG إلى 3 مراحل:
المرحلة الأولى: تتجلى في أعراض هضمية مع شعور بالثمل وتطور ما يُسمَّى بالحماض الاستقلابي؛ أمَّا المرحلة الثانية؛ فإنَّ المريض ينتقل إلى حالة حماض استقلابي حاد وتبدأ الدلائل على حدوث إصابة كُلوية التي - في حال عدم وجود رعاية مناسبة – يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، وفي حال استقرار حالة المريض؛ فإنه قد يدخل إلى المرحلة الأخيرة التي تترافق مع اضطرابات عصبية متأخرة لا علاج لها وفي بعض الأحيان قد تكون مميتة.
قُدِّر متوسط الجرعة المميتة لدى البالغين بأنَّها 1 مل لكل كغ من الـ DEG النقي.
أمَّا عن تدبير التسمم بالـ DEG؛ فإنَّه وقبل كل شيء يكون التركيز في قسم الطوارئ على الاستقرار الأَوَّلي لحالة المريض والانتباه للتوازن الحمضي القلوي في الدم وتوازن الشوارد والسوائل وغيرها، وقد تكون هناك حاجة إلى تهوية مساعدة؛ أمَّا عن الترياق فيُعطَى إمَّا الـ Fomepizole الذي يمنع تحول الـ DEG إلى مستقلبه السام وهو HEAA؛ إذ يكون إعطاؤه ببروتوكول معين مع غسيل كُلى أو من دونه حتى يصبح المريض دون أعراض ويعود التوازن الحمضي القلوي له إلى الوضع الطبيعي، وفي حال عدم توافر الـ Fomepizol نلجأ إلى إعطاء الإيتانول تسريب وريدي.
وكما ذكرنا في بداية المقال؛ فإنَّ الـ DEG يوجد ملوثًا للمواد الخام المستخدمة في الصناعات الصيدلانية الأمر الذي حدث نتيجته 9 حوادث تسمم معروفة مرتبطة بالأدوية بسبب DEG في جميع أنحاء العالم منذ عام 1937؛ أولهم وأكبرهم كان في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أسفر عن 105 حالة وفاة، والذي أدى إلى إقرار قانون الغذاء والدواء عام 1938 الذي يتطلب إثبات سلامة الأدوية قبل إدخالها للتسويق، ومنذ ذلك الوقت توقفت حوادث التسمم في الولايات المتحدة؛ ولكنها مع الأسف ما زالت مستمرة في البلدان النامية.
في أيلول عام 2006، أبلغ طبيب بنمي عن عدد غير اعتيادي من المرضى الذين يعانون من فشل كلوي حاد غير مفسر، يصاحبه ضعف عصبي حاد، يتضمن شلل في العصب القحفي وضعف حاد في الأطراف الرخوة واعتلال دماغي، وعلى الرغم من تلقي المرضى لغسيل الكلى توفي 12 من أصل 21 من هؤلاء المرضى.
عندما طلبت وزارة الصحة في بنما المساعدة من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة كان من غير الواضح إذا كانت هذه الجائحة هي حادثة سمية أو معدية، وظهرت 3 فرضيات عن هذا الموضوع:
أول هذه الفرضيات؛ نُسِبت الحادثة إلى مسببات الأمراض المُعدية كالجراثيم والفيروسات؛ ولكن رُفِضت؛ أمَّا ثاني الفرضيات فقد ارتبطت بدواء الضغط المعروف باسم lisinopril؛ ولكن رُفِضت أيضًا؛ أمَّا ثالثها؛ فقد اقتُرِحت حين قُدِّم مريضان إلى المستشفى كانا قد شربا من شراب للسعال محلي الصنع مما وجه الأطباء إلى تخمين حدوث تسمم ناتج عن التلوث بالـ DEG لهذا الشراب.
لجأ الأطباء إلى التأكد باستجواب المرضى عن نوعية الأدوية التي تناولوها منذ 3 أشهر إضافة إلى تحليل عينات شراب السعال، وبعد هذه الإجراءات تأكدَ حدوث تسمم بالـ DEG الملوث للغليسرين (الذي يُستخدم محلًا في الأشكال الصيدلانية) المستورد من الصين إلى بنما.
أدت هذه الحادثة إلى استدعاء قرابة 60000 دواء يُفترض أنَّها ملوثة بالـ DEG إضافة إلى فحص كلوي واسع النطاق للمستهلكين المعرضين للخطر، وبحلول أبريل عام 2007 حُدِد 119 مريض رسمي توفي 78 منهم على الرَّغم من غسيل الكلى والعناية الدائمة، وما زالت وزارة الصحة تتبع الأشخاص الذين يُشَّخصون بأي خلل كلوي خوفًا من احتمال علاقة إصابتهم بالـ DEG.
في الختام؛ فإن هذه الجائحة تؤكد للعالم الطبي أنَّ السُّمية بالـ DEG لا تزال تُمثِّل تهديدًا عالميًّا للصحة، ويجب أن نَشكَّ بها فورَا عندما يُصاب عدد غير اعتيادي من المرضى بفشل كُلوي غير مبرر، والتسمم الجماعي بالـ DEG سوف يظل مهددًا للصحة العامة ما لم تكن كل دولة مستعدة للالتزام بالأنظمة التي تحكم تصنيع المستحضرات الصيدلانية والمواد الكيميائية المستخدمة في إنتاجها.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا