الفيزياء والفلك > فيزياء
كيف أعاد الفيزيائيون ترتيب أوراقهم بعد اكتشاف الأمواج الثقالية
أعلن الفلكي جون كوفاك على رأس فريق بحث من معهد هافرد السميثسوني للفيزياء الفلكية في 17 آذار اكتشافهم لموجات الجاذبية التي طال انتظارها والتي نشأت عن الانفجار الكبير خلال حقبة توسع هائل سريع جدا من حياة كوننا تعرف بالتضخم. وفي حين يفضل عدة فيزيائيون انتظار تأكيد النتائج من قبل تجارب أخرى ضمن ترددات مختلفة عن الترددات المستخدمة في تجربة BICEP2 وذلك للجزم بأن منشأ الإشارة هو حدث كوني وليس نتيجة لعوامل اخرى كمان يشرح الفيزيائي بيتر كولز فقد دفع الإعلان عن هذا الاكتشاف والقياسات والحسابات المترافقة معه العديد من الفيزيائيين النظريين مباشرة لأعادة النظر في العديد من الفرضيات والنماذج الموضوعة لتفسير المسائل العميقة في الفيزياء.
فمثلا مع نهاية اليوم ذاته قام عالم الكونيات ديفيد مارش من معهد بيريميتر للفيزياء النظرية في وارتلو- كندا مع زملائه بنشر أول الأوراق على الانترنت عن نتائج هذا الاكتشاف. حيث ذكر البحث المنشور أن القياسات التي قام بها فريق جون كوفاك باستخدام تلسكوب BICEP2 الموجود في القطب الجنوبي تؤدي إلى استبعاد مجموعة من النماذج التي تحاول تفسير كل من التضخم بالإضافة إلى ألغاز كونية أخرى كتفسير طبيعة المادة المظلمة بأنها مؤلفة من جسيمات تدعى أكسيونات. ولم تلغي النتائج جميع النماذج التي تفترض وجود الأكسيونات بل فقط تلك النماذج التي تفترض أن الأكسيونات تشكل جزءاً صغيراً من المادة المظلمة. ويفسر عالم الكونيات مارك كاميونكاوسكي ذلك بأن النتائج استبعدت تلك المجموعة من النماذج لأن هذه النماذج تتطلب أن يحدث التضخم عند مستوى طاقة أقل من الذي التقطه فريق BICEP2. وبما أن القياسات تقدم فكرة قوية عن خواص مجال الطاقة التي أدت لحدوث التضخم فإن ذلك يستبعد عددا كبيراً من النماذج التي تفترض خواصاً تختلف عن ما تم رصده مما جعل مجال النماذج المقبول اضيق بكثير.
العديد من تلك النماذج لا تؤدي لحدوث أمواج جاذبية ضمن المجال القابل للرصد حالياً ولذلك تم استبعادها من ضمن 90 بالمئة من النماذج الموجودة والتي استبعدت أيضاً كما يشرح أندريه ليندي عالم الكونيات في جامعة ستانفورد وأحد مؤسسي نظرية التضخم. ولكن نتائج الرصد تتفق بشكل جيد مع أحد نماذج التضخم التي تدعى التضخم الأزلي Eternal inflation وهو نموذج مبسط من التضخم وضعه ليندي منذ 30 عاماً. في هذا النموذج لا يتوقف التضخم كلياً بل يتوقف في "جيوب" معينة من الفضاء فيما يستمر التضخم بشكل كبير في مناطق أخرى. ولا يؤدي هذا التضخم إلى نشوء كوننا فحسب بل أيضاً إلى نشوء أكوان أخرى متعددة لكل منها قوانينه الخاصة في الفيزياء وبصورة مشابهة للفقاعات الموجودة في الصورة تقريبا. ولكن في ذات الوقت يصف العديدين من منتقدي هذا النموذج بأنه غير مستقر.
يذكر ليندي أن الأمواج الثقالية المكتشفة تؤدي كما يبدو لاستبعاد نموذج آخر لا تحدث فيه أمواج ثقالية ويدعى الكون الدوري أو Cyclic Universe . في هذا النموذج ينجم الانفجار الكبير عن تصادم كونين متوازيين موجودين ضمن كون عدد أبعاده أكبر. لتبسيط ذلك تخيل وجود ملائتين كبيرتين معلّقتين واحدة أمام الثانية، تشكل كل ملاءة سطحاً ثنائي الأبعاد وتتوضعان ضمن كوننا ثلاثي الأبعاد. يفترض هذا النموذج أن كوننا يشبه أحد هاتين الملائتين وأن الانفجار الكبير نجم عن تصادمهما الذي يتكرر خلال فترة افترض انها تقارب 100 مليار عام. يتفق الفيزيائي النظري بول ستاينهارت أحد واضعي نموذج الكون الدوري مع أن اكتشافات BICEP2 في حال تم تأكيدها من قبل تجارب ثانية أن نموذجه انتهى كلياً ولكنه يصرح أنه لم ييأس تماما أن أحد اشتقاقات نموذجه قد تؤدي أيضا لحدوث أمواج ثقالية.
الفيزيائي النظري في معهد MIT والحائز على جائزة نوبل فرانك ويلكزيك ذكر أن نتائج BICEP2 ستعيد بعض مختصي نظرية الأوتار إلى نقطة الصفر. أدت بعض الجهود سابقا للبحث عن نتائج بعض نماذج نظرية الأوتار ضمن علم الكونيات إلى نماذج عن التضخم الكوني تؤدي لتشكل أمواج ثقالية بشدة أضعف بكثير مما تم التقاطه مما يفسر استبعاد هذه النماذج الآن. في حين لا تتفق الفيزيائية النظرية إيفا سيلفرستين مع ذلك بقولها " ليس هناك مبرر لعودتنا لنقطة الصفر" فهي تضيف أنه في الواقع مجموعة منفصلة من النظريات التي تتضمن كل من الأكسيونات ونظرية الأوتار تبدو الآن واعدة.
ويتفق أندريه ليندي مع ذلك في أنه لا داعي لاستبعاد نظريات الأوتار حاليا فما يجري هو عملية طبيعية لمعرفة أي النماذج في هذه النظرية هي الأفضل. بينما يعتبر فيزيائيون أخرون مثل بيتر فويت أن هذا التضارب نتيجة لقدرة نظرية الأوتار على اعطائنا أي نتيجة نرغب بها تقريبا وهو انتقاد يشترك به مع العديد من الفيزيائيين في حين يعارضه عدد من مختصي نظرية الأوتار.
ويقول ليندي: على جميعنا ،وليس فقط الفيزيائيين النظريين، أن نعود لنقطة البداية. ليس لأننا فشلنا ولكن لأننا تعلما شيئا مهما والان يجب أن نستخدم تلك المعرفة لاتخاد خطوات أبعد.
المصدر: