البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
الدهون؛ مُساعد السرطان الخفيّ
تحتاج الخلايا السرطانية كغيرها من خلايا الجسم إلى الطاقة لكي تنمو وتنقسم، والدهون هي المركبات الحيوية التي تُخزِّن أكبر قدر من الطاقة فيما يخصُّ حجمها في أجسامنا؛ إذ يحتوي الغرام الواحد من الدهون على 9 وحدات حرارية مقارنة بـ 4 وحدات حرارية في غرام من الكربوهيدرات. وللإجابة عن السؤال المنطقي الذي قد يخطر في الأذهان: هل تُشكِّل الخلايا الدهنية هدفًا للخلايا السرطانية التي تبحث عن الطاقة؟
درس فريق أبحاث قسم بيولوجيا السرطان وعلم الوراثة في مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان بقيادة الطبيب العالم ريتشارد وايت سلوكَ خلايا سرطان الجلد وعلاقتها مع الدهون في أسماك الزرد.
ويتمثَّل ملخَّص ما توصَّلوا إليه في "نظرية البذرة والتربة" كما أطلقوا عليها؛ إذ تُشكِّل الخلايا الدهينة -تبعًا لدراستهم- تربةً خصبةً لنمو خلايا الأورام السرطانية الجلدية، فتميل هذه الخلايا إلى النمو والانتشار في الجسم اعتمادًا على الدهون التي تستمدُّها من الخلايا الدهنية في الجسم، وتفتح هذه النتيجةُ الأبوابَ أمام محاولة فهم العلاقة بين الخلايا الدهنية وبعض أنواع السرطان، وأمام فهم أثر البدانة في السرطان وإمكانية علاج بعض الأورام السرطانية بمنع تزويدها بالدهون.
كيف تُتُبِّعت الدهون؟
من أجل مراقبة العلاقة بين الخلايا السرطانية والدهون؛ استخدم الباحثون أسماكَ الزرد التي تتميَّز بأجسامها الشفافة؛ الأمر الذي يُمكِّنهم من رؤية الورم دون الحاجة إلى تشريح أو أجهزة مُعقَّدة، واختاروا سرطان الجلد (الميلانوما) لتشابهه عندها مع سرطان الجلد لدى الإنسان.
وقد درس الباحثون العوامل التي ساعدت الخلايا السرطانية على النمو في أماكن مُعيَّنة في الجسم، وعند دراسة الأورام التي انتشرت في خلايا أخرى في الجسم؛ وجدوا أنَّ الجينات التي تتحكَّم باستهلاك الخلايا للدهون في هذه الخلايا قد تغيرت على نحو كبير. وبناءً على هذه الملاحظة؛ أراد العلماء معرفة ما إذا كانت الخلايا السرطانية تصنع الدهون الخاصة بها أو تستمدُّها من الخلايا الدهنية المجاورة لها فقط.
وللإجابة عن هذا السؤال؛ استعملوا علامةً فلوريةً لتمييز الدهون في الخلايا الدهنية، ثم وضعت هذه الخلايا مع الخلايا السرطانية في طبق بتري وتُتُبِّعت، وكان من الواضح استهلاك الخلايا السرطانية الدهونَ.
كُرِّرت التجربة في الأسماك عن طريق حقن الخلايا السرطانية إلى جانب الخلايا الدهنية وشُوهدت النتيجة ذاتها، جمعت الخلايا السرطانية الدهون، وعندما وصل الورم السرطاني إلى مرحلة تشكيل النقائل؛ كان أكثر من نصف النقائل في أماكن بالقرب من الخلايا الدهنية.
ومن أجل اختبار هذه النظرية لدى الإنسان؛ درس الباحثون عيَّنات من الخلايا السرطانية المأخوذة من مصابين بسرطان الجلد؛ وقد احتوت هذه الخلايا على رواسب دهنية كما الأسماك.
هل تُمثِّل الدهون تربة خصبة لنمو السرطان فعلًا؟
وجد العلماء عند دراسة العلاقة بين الدهون والسرطان أنَّ سلوك الخلايا السرطانية التي اعتمدت على الدهون للنمو قد تغيَّر؛ إذ أصبح لديها قدرة مُعزَّزة على اختراق الكولاجين والأغشية؛ ما سهَّل عمليةَ انتشارها في الجسم، وغيَّرت هذه الخلايا استقلابَها نحو استهلاك الدهون بدلًا من السكر بهدف الحصول على الطاقة.
جعلت هذه النتائج الفريقَ يتساءل عن إمكانية التقليل من قدرة الخلايا السرطانية على الانتشار عن طريق منعها من استهلاك الدهون. وقد استخدم الباحثون لاختبار هذه الفرضية عقارًا يُثبِّط البروتين الناقل للأحماض الدهنية FATP transporter الذي يُمكِّن الخلايا السرطانية من استهلاك الدهون، وتُعدُّ الخلايا السرطانية أكثر حساسية لهذا العقار لاحتوائها على نسبة أكبر من هذا البروتين من الخلايا السليمة، وكما كان متوقعًا فقد أدَّى تقليل إمكانية الخلايا السرطانية على امتصاص الدهون إلى إبطاء نموها وانتشارها.
ما علاقة البدانة بالسرطان؟
وجد الباحثون أنَّ البدانة تُعدُّ عاملًا خطرًا له علاقة بالسرطان ولا يزالون يعملون على فهمٍ أفضل لهذه العلاقة. وعلى الرغم من أنَّ الدراسة السابقة لا تتعرَّض لهذه العلاقة مباشرة؛ فإن الباحث الرئيس في الدراسة يقول بأنَّ دراسته تظهر ارتباطًا بين الدهون ونمو السرطان، فتضع قطعة صغيرة في أحجية علاقة البدانة بالسرطان.
ويبقى السؤال الأهم هو: هل تقليل نسبة الدهون في حمية المصابين بسرطان الجلد قادرٌ على وقف نمو السرطان أم لا؟
لهذا السبب يسعى فريق الباحثين إلى إجراء مزيدٍ من الدراسات في هذا المجال، وإلى محاولة تطبيق ما توصلوا إليه في الأسماك على البشر.
المصدر: