الرياضيات وحجم العالم

لطالما أردنا أن نستكشف العالم من حولنا، مُستخدمين كلَّ ما لدينا من علوم وتكنولوجيا. وسنوضّح في هذا المقال كيف مكَّنتْنا الرياضيات البحْتة من حسابِ نصف قُطر الأرض ومحيطها، قبل أن نتمكّن من السفر حول الكوكب..

ونبدأ حكايتنا مع الرياضيّ والجغرافيّ والفلكيّ اليونانيّ إيراتوسثينس (ق.م 276-194 ق.م) المولود في ليبيا؛ والذي عمل رئيسَ أُمناء مكتبة الإسكندرية، ومات فيها.

سمع إيراتوسثينس أنَّ الشمس تسقط عموديةً على جدران المعابد في أسوان؛ على نحوٍ لا تُشكِّل فيه أيَّ ظلالٍ في منتصف يومِ الحادي والعشرين من حزيران، في حين لاحظ أنّه في اليوم نفسه في الإسكندرية تتشكَّل ظلالٌ تُقدّر بزاوية 7.2 درجة مئوية. وهذا يؤكِّد بأن الأرض ليست مسطحة؛ لأنه لو كانت كذلك، لسقطت الأشعة بزاوية الميل نفسها على كلتا المدينتين.

ووظّف حينها شخصًا ليقيس له المسافة بين المدينتين؛ والتي قُدِّرت بـــ 787 كلم. وقد استطاع باستخدام رياضيات بسيطة تقديرَ محيط الكرة الأرضية بــ 39350 كلم. واستطعنا بعد أكثر من ألفيْ سنة قياس القيمة الفعلية؛ وهي 40075 كلم! أيْ بنسبةِ خطأ أقلَّ من 2%. .

ولنسافر ألفًا ومئتي عام زمنيًا، وإلى الدولة العباسية مكانيًا، لنلتقيَ العالم الكبير أبو الريحان البيرونيّ، الرائد في الفلسفة والفلك والجغرافيا.

أتتْ الحاجة إلى حساب نصف قُطر الأرض بدايةً من توسّع الدولة العباسية الكبير؛ حيث امتدَّتْ من إسبانيا إلى باكستان. إضافةً إلى حاجة المسلمين لتحديد قبلتِهم للصلاة في أرجاء الدولة بدقّة، تلبيةً لرغبةِ الخليفة المأمون في معرفة مساحة نفوذه على الخريطة أيضًا؛ لذا وظّف المأمون العلماءَ والمفكّرين لحساب حجم الأرض.

تقنية البيرونيّ:

ابتكر البيرونيّ طريقةً حسابية سهلة لقياس نصف القطر، ومن ثمَّ محيطها بدقَّة بالغة في القرن العاشر؛ والتي لم تصلْ إلى الغرب حتى القرن الخامس عشر.

وقد تتبَّعَ التقنيةَ من الخطوات الآتية:

1- قياسُ ارتفاع قمَّة جبل شاهق يطلُّ على أفْق مستوٍ باستخدام الإسطرلاب من زاويتين مختلفتين تقعان على استقامة واحدة؛ بتطبيق علم المثلثات البسيط باستخدام الصيغة الآتية:

2- قاسَ بعدها زاويةَ الأفق من أعلى الجبل. وبتطبيق قانون جيب الزاوية توصَّل البيرونيّ إلى علاقته الشهيرة لحساب نصف قُطر الأرض!

نعم..استطاع البيرونيّ بقياس أربع كمياتٍ فقط (ثلاث زوايا، ومسافة) حسابَ نصف قُطر الأرض بنسبة خطأ 1% فقط.

وقد تكلم عنها الفيزيائيّ الرائع جيم الخليليّ في إحدى وثائقياته؛ التي كانت تحت عنوان " العلم والإسلام"

من المذهل حقًّا كيف أنَّ الرياضيات مكَّنتْ رجلًا يجلس على قمة جبل مُنعزل من قياس حجم العالم الذي نعيش فيه، دون أن يسافر من مكانه. هل عرفت أهمية الرياضيات الآن يا صديقي؟!.

المصادر:

1 - هنا