الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض
أسرار العلاقة بين الطعام والبواسير
تعدُّ البواسير Hemorrhoids حالةً شائعةً لدى البالغين والتي تُسبب نزفًا وألمًا وحكة، وهي عبارةٌ عن وساداتٍ متورِّمةٍ من النسج الضامَّة المحيطةِ باتصالاتٍ شريانيةٍ وريدية موجودةٍ في منطقة الشرج والمستقيم، وقد تتمدَّد جدران هذه الأوعية الدموية فتصبح رقيقةً جدًا وتجعل الأوعية عُرضةً للالتهاب بسهولة، وتكون البواسير الداخلية غير مؤلمةٍ للمصاب، ولا يُستَدَّل على وجودها إلَّا في حال حدوث نزفٍ شرجي، وذلك على عكس البواسير الخارجية المحيطة بالشرج والتي تكون أكثر إيلامًا نتيجة كثرة الأعصاب الحسية في تلك المنطقة.
ولا بدَّ من معرفة أسباب تشكُّل البواسير قبل التطرُّق إلى تأثير الأطعمةِ فيها؛ ومن المرجَّح أن تكون البدانة من أهم أسبابها، إضافةً إلى الحمل والإمساك المتكرر والجلوس ساعاتٍ طويلة وغيرها.
ويُنصح عادةً بتناول كمياتٍ كبيرةٍ من الألياف وشرب كثيرٍ من الماء للوقاية من البواسير، وتوجد الألياف في الأغذية النباتية كالخضار والفواكه والحبوب الكاملة وثمار النقل والبذور والبقوليات، في حين تساعد المياه على تسهيل حركة الأمعاء، ويُذكر أنَّ العديد من الأطعمة تحتوي على كمياتٍ كبيرةٍ من الماء أيضًا؛ ويمكنكم الاطلاع على أهمها عبر الرابط الآتي هنا ويُنصح بممارسة الرياضة بانتظام أيضًا، إذ يُساعد النشاط البدني مثل المشي مدة نصف ساعةٍ يوميًا على تحسين الدورة الدموية وحركة الأمعاء، فتقي بذلك من تشكُّل البواسير.
علاقة البواسير بالغذاء:
في حال حدوث الإصابة، يُنصح المُصاب باتباع حميةٍ مرتفعة الألياف مع ضرورة التخفيف من الأطعمة المصنَّعة؛ أي يجب التركيز على تناول الخضار والفواكه والحبوب الكاملة والمكسرات والبقوليات وغيرها من مصادر الألياف حرصًا على تجنُّب الإصابة بالإمساك الذي يزيد ألم البواسير سوءًا، ويمكن الاستعانة بالمكملات الغذائية المحتوية على الألياف في حال كانت الألياف القادمة من الغذاء غير كافيةٍ لتخفيف الأعراض المزعجة. ولا بدَّ من التأكيد على ضرورة إدخال الألياف في الحمية الغذائية تدريجيًا منعًا لتشكُّل الغازات، ويُشدَّد أيضًا على ضرورة الامتناع عن تناول المُسهِلات Laxatives، إذ يمكن للإسهال أن يهيِّج البواسير ويسبب التهابها.
ويمكنكم قراءة المزيد عن الألياف وأنواعها ومصادرِها في مقالاتنا السابقة هنا و هنا. وتساعد الأغذية المحتوية على الفلافونويدات -وهي مضاداتُ أكسدةٍ قوية- على التحكم بنزف البواسير، وتوجد هذه المكوناتُ في التوت والعنب والخضار الورقية الداكنة، ويُنصح تناولُها طازجةً أو بعد طهيها على البخار مثلًا، وذلك للمحافظة على أكبرٍ قدرٍ ممكن من المركبات الفعَّالة.
ما هي الأطعمة التي يُنصح تجنُّبها؟
يُنصح عادةً بالابتعادِ عن الأطعمةِ المكرَّرة والفقيرةِ بالألياف؛ مثل الخبز الأبيض والمعكرونة المصنوعة من الدقيق الأبيض والألبان والأجبان ومشتقَّاتها واللحوم والوجبات السريعة، ومن الضروري الانتباه إلى كمية الملح المتناولة مع الغذاء، إذ يمكن أن تؤدي الكميات الفائضة من الملح إلى احتباس الماء في الجسم وزيادة الضغط على الأوعية الدموية.
يُذكر أنَّ مكمِّلات الحديد تسبِّب إمساكًا ومشاكل هضمية، لذا يُنصح باستشارة الطبيب قبل تناولها.
هل علينا لوْمُ الفليفلة والتوابل الحريفة؟؟
يشتكي العديد من الأشخاص التأثير السلبي للأطعمة الحريفة في أعراض البواسير، وهو ما يدفع العديد من الأطباء والأخصائيين المعالجين إلى منع المصابين بالبواسير من استهلاكها، وتعدُّ أصناف الفليفلة المجففةُ شمسيًا من أغنى مصادر الكابسيسين Capsaicin والدايهيدروكابسيسين Dihydrocapsaicin وأكثرها تركيزًا، وقد يعدُّها بعض الناس سامةً للغشاء المبطِّن للجهاز الهضمي، وقد تمكَّن بعض العلماء من دعم هذا الاعتقاد عبر تجربةٍ مُجراةٍ على الخلايا المعوية الظهارية للفئران؛ إذ وُجد أنَّ استهلاك الفليفلة الحريفة قد سبب تقشُّرًا في خلايا هذه الطبقة، فضلًا عن الاشتباه بدورها في التسبُّب بالرتوج والتقرُّحات المعوية أيضًا. وفي تجربةٍ مجراةٍ على 43 مشاركًا بأعمارٍ مختلفةٍ، وُجد أنَّ معدَّل الشعور بالألم كان أقل لدى مجموعة الشاهد التي حصلت على الدواء الوهمي، في حين كانت أعلى لدى المجموعة التي حصلت على أقراص تحتوي على مسحوق الفليفلة الحريفة، ويُعزى هذا التأثير إلى ارتباط الكابسيسينويدات Capsaicinoids؛ وهي مجموعةٌ من المركبات المهيِّجة، مع مستقبلات الكابسيسين في الجسم، محدثةً ألمًا حادًا، إضافةً إلى تأثيرِ الفليفلة المعروف في زيادة معدَّل حركة الأمعاء، والذي يُعدُّ بحدِّ ذاتِهِ تحريضًا للبواسير وأعراضِها، ويتوافق ذلك مع ما توصَّل إليه باحثون آخرون عن علاقة عددٍ من التوابل الحريفة مع زيادة أعراض البواسير، ودور التدخين والكحول في زيادة عوامل خطر الإصابة.
يُذكر أنَّ بعض الباحثين قد توصَّلوا إلى غياب أيَّة علاقةٍ تربط بين استهلاك الفليفلة والأطعمة الحريفة والبواسير، وعلى الرغم من الحاجة إلى المزيد من الأبحاث بخصوص هذه العلاقة الجدلية نجد أنَّ هناك تذبذبًا واضحًا في النتائج، وهو ما يعكس الاختلافات بين الأفراد المصابين، إذ نجدُ أحد المصابين شديد الحساسية للأطعمة الحريفة، في حين لا يتأثر آخرون عند تناول هذه الأطعمة، ومن المحتمل أن يرتبط ذلك باختلاف مواقع مستقبلات الكابسيسن من شخصٍ إلى آخر.
حتى الآن، وفي ضوء النتائج المتاحة، يمكننا أن ننصحكم بالاعتماد على الحمية الغنية بالألياف والماء، والإكثار من النشاط البدني والتقليل من الأطعمة الدسمة والمصنَّعة والحريفة حرصًا على عدم التسبُّب بآلام غير مرغوبة.
المصادر: