البيولوجيا والتطوّر > علم الأعصاب
زروعات دماغية تتدخَّل في ضبط مشاعر الفرد وسلوكياته.
بتمويل من الجيش الأمريكي؛ بدأ فريقان العمل لتطوير زروعات تعدّل النشاط العصبي في عملية تُدعَى التحفيزَ الدماغي العميق deep-brain stimulation، وتقتضي التقنية إجراءَ عمل جراحي لإدخال الزرع وتثبيته في موقعٍ مُحدَّد في الدماغ بحسب الحالة الطبية التي يعانيها المريض، ومن ثمَّ وصلها بأقطاب كهربائية عبر أسلاك رقيقة جدًّا، وتتمركز هذه الأقطاب على قشر الدماغ وتكون بدورها موصولةً بجهاز ينظم إرسال النبضات الكهربائية.
لماذا تموّل وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة التابعة للدفاع the Defense Advanced Research Projects Agency (DARPA) هذا المشروع؟
سُجِّلت في الأعوام الأخيرة العديدُ من حالات الاكتئاب ومتلازمة اضطراب ما بعد الصدمة بين صفوف الجنود الأمريكيين، لذا أخذت الوكالة على عاتقها دعمَ أبحاثٍ تهتمُّ بمعالجة هؤلاء المرضى ومساعدتِهم على التعافي.
ويمثّل العينةَ الحالية لتطبيق التجارب مجموعةٌ من مرضى الصرع والذين قد زُرِعت أقطابٌ كهربائية في أدمغتهم سابقًا بوصفها إجراءً علاجيًّا يهدف إلى مراقبة نوباتهم؛ إذ استفاد الخبراء من وجود هذه الأقطاب الكهربائية لتسجيل التغيرات الناتجة عن تحفيزِ الزروعات الجديدة لأدمغة المرضى.
وفي دراسة سابقة؛ اقترح العلماء أنَّ التحفيز المستمر لمواقع دماغية محددة سيخفف حالة الاكتئاب المزمن، ولكن الدراسةَ التي شملت تسعين شخصًا يعانون الاكتئابَ المزمن لم تُسجِّل أي تحسنٍ بعد عام من المعالجة.
لكنَّ إدوارد تشانغ؛ وهو رائد في أحدِ الفريقَين المُموَّلَين من قبل الجيش الأمريكي–وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة التابعة للدفاع the Defense Advanced Research Projects Agency (DARPA)؛ يأمل بأنَّ تجاربهم ستتلافى العقبات السابقة وتحقق نجاحًا، إذ إنَّ هذه الزروعات قد صُمِّمت خاصّةً لعلاج الأمراض العقلية.
ويطمح تشانغ إلى أن تكون هذه التقنية خطوةً في سبيل إيجاد علاجات أكثر فعالية لاضطرابات المزاج، والأهم من ذلك أن تطور مقارباتٍ غير غازِية للأمراض النفسية؛ أي أن يُمارسَ التحفيزُ عبر الجمجمة مستقبلًا دون الحاجة إلى تعريض المريض للجراحة وزراعة الشريحة.
وفي مؤتمر جمعية علم الأعصاب SFN المنعقد في العاصمة واشنطن؛ عرض فريق تشانغ ما أطلقوا عليه "خريطة المزاج" ‘mood map’ .
ما المقصود بخريطة المزاج؟ وكيف صُمِّمت؟
يمكن عدُّها اللغةَ التي يستخدمها دماغنا ليعبر عن تغيرات المزاج، فهي نمطُ التشفير الخاص بالدماغ، فقد استمر الباحثون بمراقبة النشاط الدماغي مدّة ثلاثة أسابيع لدى ستة من مرضى الصرع الخاضعين للتجارب (لدى المرضى أقطابٌ كهربائية مزروعة في أدمغتهم implanted electrodes)، ومن ثمَّ قارنوا أنماط النشاط في قشر الدماغ عند كل حالة مزاجية، وصمَّموا خوارزمية تساعد على فك تشفير التغيرات المزاجية.
ينتظر فريق تشانغ المتطوعَ المناسبَ لتطبيق النظام الجديد من التحفيز الدماغي المغلق closed-loop stimulation.
ويتَّبعُ الفريق الثاني–مشفى ماساتشوستس العام Massachusetts General Hospital (MGH) – خطةً أُخرى؛ فهم يتتبعون نشاط الدماغ الناتج عن خلل أو اضطراب سلوكي؛ مثل: صعوبة التركيز أو العوَز في التعاطف.
وقد عرض فريق MGH إبّانَ المؤتمر مجموعةً خوارزميات لتحفيز الدماغ في حالِ عانى الشخص قلةَ الانتباه أو الإلهاء في أثناء تأديته مهامَّ هادفة كمطابقة صور مع أرقام أو تحديد التعابير الشعورية على الوجوه.
وقد وجد الباحثون أنَّ إيصال نبضات كهربائية إلى مواقع من قشر الدماغ متخصصة بصنع القرار والمحاكاة العاطفية تُحسِّن أداء الشخص.
وأعدَّ الفريق خطةً تَسِمُ نشاط الدماغ في أثناء تباطؤ الشخص أو فشله في أداء المهمة نتيجة الإلهاء أو النسيان، والأهم من ذلك؛ أنّهم تمكنوا من عكس آثاره بالتحفيز. وفي الخطوة القادمة؛ سيعتمد الفريق على اختبار خوارزميات تحفيزية تثير الدماغ تلقائيًّا لإتمام المهام.
وفي تصريح لِواين غوودمان -طبيبٌ نفسي في جامعة بايلور في هيوستن- عدَّ أن التحفيز المُغلَقَ الحلقة closed-loop stimulation قد يحقق نجاحًا أكبر في مجال العلاج الطويلِ الأمد لاضطرابات المزاج، وقد عزا السبب إلى أنَّ هذه المقاربة تَستخدِم خوارزميات شخصانية وتعتمد على المتغيرات الفيزيولوجية لكل مريض. وينجزُ غوودمان الآن تجربةَ التحفيز المغلقِ الحلقة لمعالجة اضطراب الوسواس القهري.
ومن بين أهمّ التحديات في تحفيز مواقع الدماغ المرتبطة بالمزاج هو إمكانيةُ الإفراط في تصحيح المشاعر، ممَّا قد يخلق حالة من السعادة المبالَغ بها والتي قد تطغى على المشاعر الأخرى.
ومن المُقدَّر بأنَّ هذا العمل سيمنح الفرصةَ لمعالجة أمراض نفسية وعقلية لا تزال عصية على العلاج حتى يومنا هذا، لكنه بالتأكيد سيثير الرأي العام ويسبب جدلًا واسعًا في أخلاقيات التعامل الطبي؛ لاسيَّما أن هذه التقنية تتيح للعلماء الوصول إلى المشاعر والحالة المزاجية للفرد ومعرفتها حتى وإن لم يكن يظهرها. وإضافةً إلى أنَّ مقاربة التحفيز المغلقِ الحلقة تعطي صورة عارية وواضحة لمزاج الشخص، في حين أنّنا في حياتنا اليومية نستغلُّ تعابير الوجه وبعض التصرفات لنخفي مشاعرنا الحقيقية والتقلُّباتِ المزاجية التي نتعرض لها، ولكن؛ باستخدام هذه التقنية لن نتمكن من خداع العلماء أبداً!
ويأتي الردُّ من أليك ويدج -طبيب نفسي واختصاصي عصبي في جامعة هارفرد- عادًّا أنَّ العلماءَ لن يقرأوا أفكارنا وإنَّما سيطّلعون على مخططاتِ نشاط أدمغتنا والتي ترمز إلى تغيرات المزاج والمشاعر وهو أمر مختلف تمامًا.
المصادر:
1- هنا
2- هنا