الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة
لغز نشوء الماس الأزرق
الماس الأزرق هو أندر أنواع الماس على وجه الأرض؛ ففي دراسة شملت 13.8 مليون حجر من الماس وجد أن 0.02% منها زرقاء فقط.
وبقي مكان نشوء هذه الأحجار النادرة وكيفية نشوئها لغزاً كبيراً حيَّر الباحثين في هذا المجال، ولكن؛ أثبتت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature أنَّ نشوء الماس الأزرق يتطلب تسلسلاً مُعقَّداً من الأحداث الجيولوجية. وقد قدم الباحثون المشاركون في هذه الدراسة برهاناً قوياً على أن هذه الأحجار الكريمة تتشكل على عمق يُعادل أربعة أضعاف نظيراتها من الأنواع العديمة اللون؛ أي على عمق 640 كيلومتر على الأقل تحت سطح الأرض.
من المعروف أنَّ الماس عبارة عن بلورات من ذرات الكربون المرتبطة ببعضها، وبحسب الباحثين فإن وجود مقدار ضئيل من عنصر البورون بوصفه شوائبَ في هذه البلورات يُحوِّل الماس إلى اللون الأزرق؛ إذ يمكن أن تحلَّ ذرة البورون -بطريقة غير مثالية- مكان ذرة الكربون في البِنية البلورية، ويبقى أحد إلكترونات البورون حراً يمتصُّ الضوء الأحمر مُعطياً الماس صبغةً زرقاء.
لكن يولِّد هذا الاكتشاف المزيدَ من الأسئلة؛ إذ إن البورون ينتشر في الطبقة السطحية من الأرض ولا ينبغي أن نجده في أعماق الأرض حيث يتشكَّل الماس، فكيف وصل البورون إلى مكان نشوء الماس الأزرق؟
وللإجابة عن هذا السؤال؛ فحص الباحثون 46 حجراً من الماس الأزرق (من ضمنها حجر وصلت قيمته إلى 25 مليون دولار أمريكي عام 2016) موجودة في معهد الأحجار الكريمة الأمريكي.
ولفهم طريقة دراسة هذه الأحجار؛ لا بُدَّ من معرفة الآتي:
عند نشوء الماس داخل الصخور التي تُعدُّ بمثابة حاضنة له؛ يمكن أن يُغلّف بعض المواد المحيطة به ويحتجزها في بعض الأحيان، ثم إنه يحتجز الكهرمان كائنات من عصور سابقة؛ أي تُحيط بلورات الكربون بمعادن أخرى لتُشكِّل ما يُعرف باسم الضمينات. وبهذا فإن دراسة الباحثين هذه الضمينات ومعرفة العناصر المكونة لها تُساهم في تحديد مصدرها وبناء صورة مكان نشوء الماس. فهي تُعدُّ لدى الجيولوجيين رسائل من الأعماق. أما لدى حرفيّي قطع الجواهر وصقلها فهي تُعدُّ عيوباً يجب اقتطاعها!
وعند تحليل هذه الضمينات في أحجار الماس الأزرق؛ وجد الباحثون داخلها بقايا سيليكات الكالسيوم ومعادن أخرى تتشكَّل تحت ظروف الضغط العالي جداً فقط، والتي تُوجد في أعماق سحيقة داخل الأرض عادة، وعندما شقَّ الماس طريقه نحو السطح؛ أصبحت هذه المعادن غير مُستقرة وتكسَّرت فجأة -كما لو أنها انفجرت- تاركةً أجزاء تُشبه الشظايا عالقة في الماس. وقد أشار تحليل علامات التحطُّم هذه إضافة إلى قائمة المعادن الموجودة داخل الضمينات؛ إلى أصل غير مُتوقَّع!
يتطلب نشوء الماس الأزرق التقاءَ طبقتين من طبقات الأرض: طبقة قشرة المحيطات من السطح، وطبقة الوشاح الواقعة تحتها. وقد يَحدث مثل هذا الأمر في العمق؛ إذ تعمل حركة الصفائح التكتونية حزاماً ناقلاً للأمتعة مُجبِرة صفيحة من قشرة المحيط على التحرك نحو الأسفل مئات الأميال.
ويمكن أن يُفسِّر مثل هذا الهبوط وجودَ البورون في تلك الأعماق أيضاً، إذ إن البورون موجود في مياه البحر. ويفترض الباحثون أنَّ الصخور الموجودة في القشرة الهابطة حملت البورونَ معها نحو الأسفل، كما لو أن هذا العنصر في جولة في القارب إلى طبقة الوشاح السفلي.
ويقول أحد الباحثين إنه لا يمكن أن تُثبت هذه الدراسة مصدرَ البورون، ولكن؛ تُعدُّ هذه الفرضية الأفضلَ حالياً لتفسير وصوله. ويُشير إلى ضرورة إجراء تحليل البورون الموجود في الماس الأزرق مباشرة؛ ولكن ينتج عن مثل هذا الإجراء تخريب الأحجار المدروسة والتي هي بطبيعة الحال باهظة جداً. ومن المنتظر تقديم الباحثين تصميماً تجريبياً يمكن أن يُبرِّر تدمير بعض من أغلى المعادن على وجه الأرض.
المصادر: