العمارة والتشييد > التشييد
مارينا سيتي
مكان واحد يجمع بين المطاعم والأسواق التجارية وكراجات السيارات والمسابح والنوادي الرياضية والمناظر البانورامية للمدينة؛ إنها مدينةٌ داخل مدينة؛ هذه ما كانت عليه الفكرة الأصلية لهذين البرجين العاليين ليتمكّنا من تلبية احتياجات الناس اليومية وأنشطتهم كافة على بعد مسافة قصيرة من منازلهم.
في عام 1964؛ غدا برجي الذرة أو زهرة دوار الشمس أطول برجين من الخرسانة المسلحة في العالم.
كُلِّف برتراند غولدبرغ (Bertrand Goldberg) بتصميم هذا المشروع على الرغم من قلة خبرته في مجال المشروعات الضخمة؛ إذ أوكَل وليام مكفيتريدج ( William McFetridge ) - رئيس الاتحاد الدولي لموظفي خدمات البناء - إليه مهمّة بنائه للتخفيف من هجرة سكان مدينة شيكاغو من المدينة إلى الضواحي هرباً من الاكتظاظ.
وقد طلب منه تصميم كراج من عشرين طابقاً، ومن هنا خرج بفكرة فريدة من نوعها، وهي أن يدمج الكراج مع الطوابق السكنية، وقد كانت فكرة جعل الشقق السكنية مرتفعة عن ضوضاء المدينة وتلوثها فكرةً مبتكرة واستثنائية في ذلك الوقت!
يتكون الهيكل الإنشائي للبرج من نواة صلبة في المنتصف مع إطارات على كامل محيط المبنى، وصُمم هذا المبنى ليحمل الحمولات الشاقولية وحمولة الرياح الأفقية فقط؛ كون قوى الزلازل منخفضة في هذه المنطقة.
ويبلغ ارتفاع كل نواة 180 متراً، وهي ذات قطر داخلي 9.7 متر؛ تمتاز النواة بجدران متغيرة السماكة؛ إذ تكون السماكة العظمى في الأسفل بمقدار 76.2 سم وتقل إلى أن تصبح بقيمة دنيا في الأعلى، وتبلغ 30.5 سم. تنتقل الحمولات الرئيسة في المبنى عبر النواة إلى الأساسات، وتحتوي كل نواة على خمسةِ مصاعد ودرجين وممر للنفايات، بالإضافة إلى جميع أقنية التخديم الرأسية.
ويبلغ قطر الحلقة الداخلية المؤلفة من أعمدة مستطيلة الشكل قرابة 14 متراً ( 47 قدماً)، أما قطر الحلقة الخارجية المؤلفة من أعمدة معيّنة الشكل يبلغ قرابة 33 متراً ( 109 قدماً )، ويصل بين النواة الداخلية والأعمدة الخارجية 16 جائزاً.
وبالعودة للحديث عن طوابق البرج؛ فهو يتألف كما أسلفنا سابقاً من 19 طابقاً، تؤلف كراجاً مفتوحاً ذا رامب حلزوني حيث يوجد مساحة مخصصة للسيارات لتُركن على الرامب نفسه دون الحاجة إلى بلاطة تتصل مع الرامب لركن السيارات عليها، وأما بالنسبة إلى الطابق العشرين؛ فهو مؤلف من غرفة تخزين وتخديم للوحدات السكنية التي توجد في الأربعين طابقاً المتبقية في أعلى كل برج؛ ويحتوي كل منها على 450 وحدة سكنية و900 وحدة سكنية في البرجين؛ مصنفة بين وحدات تحتوي على غرفة نوم واحدة أو غرفتين، وأمّا بالنسبة إلى مساقط الطوابق السكنية المتكررة؛ فهي على شكل زهرة تتصل بتلاتها مع النواة المركزية؛ إذ تمثل كل بتلة ونصف البتلة شقة سكنية، وتتصل البتلات بعضها مع بعض لتكوّن شقق ذات مساحاتٍ أكبر؛ وكل بتلتين ونصف البتلة تمثل شقة بغرفتي نوم، وتمتلك كل وحدة سكنية شرفةً على شكل الذرة بدون أي حوافٍ حادة؛ ما يجعل تتالي الشرفات أمراً يحدث بأسلوب سهل، وتمتد هذه الشرفات مسافة 3 أمتار كأظفارٍ؛ ليصل قطرُ الحلقة الخارجية بالمجمل إلى 39 متر، هذا الشكل المميز للوحدات السكنية هو ما يعطي البرج صفاته المميزة، وأمّا بالنسبة إلى نظام التأسيس؛ فقد اعتُمدت الأوتاد والتي تصل إلى عمق 33.5 متراً مارةً في الردميات والطبقة الغضارية ونفق القطار المهجور؛ وصولاً -بالنهاية- إلى الصخور.
وعند انتهاء غولدبرغ من التصميم؛ وجد أن قوةَ الرياح التي يتعرض لها هذا المبنى تساوي تقريباً 30% من القوى التي يتعرض لها مبنى مستطيل بالحجم نفسه، ووجد أن لديه برج خرساني شاهق بتشوهات أقل من 50% من تشوهات بناء إمباير ستايت!، وقد أجرى الدراسة الإنشائية كل من بيتولد إي وينبيرغ (Bertold E. Weinberg) وفرانك كروناكر(Frank Kornacker) إضافةً إلى رالف بيك (Ralph Peck) ( مهندسون إنشائيون ضمن مكتب غولدبرغ ) وسيدني برمان (Sidney Berman) ( مقاول )، وأما التدقيق فقد أجراه مجموعة من المهندسين الاستشاريين سيفيرد وإلستاد (Severud and Bandel) ( مديرون رئيسيون ) و الدكتور فيجر (Dr. Andrew Fejer) ( مستشار في ديناميك الهواء ).
ويمكننا القول أنه عند الانتهاء من تشييد مارينا سيتي؛ أصبحت كنزًا تصويرياً يتكون من مسرح وصالة ألعاب رياضية وحمام سباحة وحلبة للتزلج على الجليد وصالة بولينغ ومخازن ومطاعم ووحدات سكنية خاصة للمقيمين. تعدُّ كل المرافق السابقة جزءاً بسيطاً من التدابير المعمول بها للتأكد من أن كل ما نجده في الضواحي أصبح الآن متوافراً في منطقةٍ حضرية صغيرةٍ واحدة.
حتى يومنا هذا؛ لا تزال مدينة مارينا تحافظ على ملامحها الأساسية عند اكتمال التشييد في عام 1964، وقد حُول المجمع بأكمله لاستخدامات أكثر عصرية، وقد اُفتتح أعلى المارينا مطعمٌ فاخرٌ "سميث وويلنسكي restaurant Smith & Wollensky )؛ في حين حُولت الوحدات السابقة إلى وحدات سكنية فاخرة مما يجعلها واحدة من أكثر العمارات سعةً في كل شيكاغو.
تُعد مارينا سيتي رمزًا معماريًا عصريًا على طول نهر شيكاغو؛ إذ تمثل منشأً من القرن العشرين؛ ولكنه يضاهي العمارة المعاصرة في تميزه وروعته، فضلاً عن إضافةِ عنصرٍ جميلٍ وفريد لأفق شيكاغو الرائع والمتنوع.
المصدر: