الطب > مقالات طبية
هل يؤثر هاتفك الذكي في نومك؟
هل دقّت الساعة العاشرة مساءً أو ربَّما الثانية صباحًا ولا تزال غير قادر على النوم؟ وهل يعتريك شعورٌ بالإحباط والقلق بشأن عملك في الصباح الباكر؟ أو هل تمكَّنت من النوم على الفور ولكن تحول استيقاظك إلى مَهمَّة شاقة مرافقة شعورك بالإرهاق؟ ما تفسير ذلك؟
هناك مجموعة كاملة من الأسباب التي تعيق حصولك على نومٍ هانئ وكافٍ (مثل الإجهاد وفترة ما قبل الإياس والقهوة التي شربتها بعد العشاء)، ولكن؛ هناك سببٌ لم يرد إلى ذهنك؛ وهو: ضوء هاتفك المحمول!
لقد أظهرت بعض الأبحاث الجديدة آلية عمل الخلايا الحساسة للضوء في شبكية العين في ضبط الساعة الداخلية؛ وذلك عند التعرض للضوء بموجاته خاصة الزرقاء؛ إذ يملك الضوء الأزرق التأثير الأكبر في هذه الحدثية، فقد ساعد هذا البحث في شرح الآلية التي قد تتأثر فيها كفاءة النوم نتيجة التعرض المستمر للضوء غير المتزامن مع الساعة البيولوجية الداخلية؛ أي التعرض له في الأوقات المتأخرة من الليل والمخصصة للنوم.
لم تعد دورة النوم تتبع نمط الصباح والمساء نتيجة استخدامنا مصادرَ الضوء غير الطبيعية، وبسبب تطور التكنولوجيا وتزايد استخدامنا الهواتف الذكية وغيرها؛ فإن فرص تعرضنا للضوء في المساء تُعدُّ في أعلى مراحلها في وقتنا هذا.
ومن الجدير بالذكر أن مصباح الغرفة العادي لا يملك تأثير الضوء الأزرق نفسه الصادر من شاشات الهواتف الذكية وكثير من الإلكترونيات في منزلك.
يُوضِّح اختصاصي النوم الصحي نورثويل أن الضوء الأزرق هو نوع من الضوء ذو طول موجيٍّ معين من الطيف الضوئي، ولا يبدو لونه أزرق إلى العين المجردة؛ إذ يبدو وكأنه وهج أبيض، وهو ما ينبعث من الهاتف الذكي والآيباد والكمبيوتر المحمول والقارئ الإلكتروني وعمليًّا جميع الأجهزة الإلكترونية الأخرى في منزلك، وستجده أيضًا في مصابيح الفلورسنت ومصابيح LED.
إنَّ التعرض المفرط لأي مصدر ضوئي اصطناعي يمكن أن يؤدي إلى الحرمان من النوم أو سوء نوعية النوم، ولكن؛ يُمثِّل الضوء الأزرق مشكلة خاصة؛ ويعود ذلك إلى أنَّ توقف الميلاتونين يكون أكبر؛ وهو هرمون يُنتجه جسمك عندما يحين وقت الاستعداد للنوم.[١]
ولكن كيف يحدث هذا؟
إنّ الخلايا الحساسة للضوء لا تُشارك في نقل الصور إلى الدماغ، وبدلًا من ذلك فإنها تتحسَّس على مستويات الضوء المحيط ثم تُرسل إشارات إلى الدماغ بحسب مستويات الضوء المحيط.
يوجد داخل هذه الخلايا بروتين يسمى melanopsin يُعالج الضوء المحيط، وقد يؤدي التعرض المطول للضوء إلى إعادة تشكيل هذا البروتين داخل الخلايا.
إنَّ التجدد المستمر للميلانوبسين يؤدي إلى إرسال إشارات إلى الدماغ تبلغه بظروف الإضاءة المحيطة، فيستخدم الدماغ هذه المعلومات لتنظيم النوم واليقظة والوعي، وإذا استمرَّ تجديد الميلانوبسين بوجود الإضاءة؛ يُرسَل حينها إشارة تُساعد على إعادة ضبط الساعة البيولوجية عن طريق حجب هرمون الميلاتونين المنظِّم للنوم.
وبعبارة أُخرى؛ فإنَّ الضوء الأزرق يُبقيك في حالة تأهُّب، ويقول الدكتور راجان: "قد يتداخل الضوء الأزرق مع هندسية عملية النوم أيضًا، ويؤدي إلى خلل في أعمق مرحلة من مراحل النوم".
فإن لم تستطع الوصول إلى أعمق مرحلة من مراحل النوم؛ سيبقى شعورك بالتعب حتى بعد استيقاظك.
ما تأثير الساعة البيولوجية في جسم الإنسان؟
توجد الساعة البيولوجية الرئيسة التي تُنظِّم دورة الأربع والعشرين ساعة في منطقة تُسمَّى (النواة) تقع فوق التصالب في منطقة الوطاء في الدماغ، وتُرسل أليافها العصبية إلى جميع أنحاء الجسم.
تتكون هذه النواة في مجموعتين صغيرتين من آلاف الخلايا العصبيَّة التي "تخبر الزمن" على أساس الإشارات الخارجية (مثل الضوء والظلام)؛ فهي تُنظِّم النوم والأيض وإنتاج الهرمونات.[٣]
تتحكم إيقاعات الساعة الداخلية البيولوجية بدرجة حرارة الجسم ونشاط القلب والإفراز الهرموني وضغط الدم واستهلاك الأكسجين والتمثيل الغذائي لوظائف عديدة أُخرى.
فضلًا عن مشاركتها في تنظيم كلٍّ من مستويات السكر والشوارد والكريات الحمراء، وقد تُؤثِّر ساعتنا الداخلية في مزاجنا مُسبِّبةً الاكتئاب خاصةً في فصل الشتاء الذي يُعرف بالاضطراب العاطفي الموسمي (SAD).
إنّ الحصول على النوم الكافي والذهاب إلى النوم في الوقت المناسب يُساعد على أدائها لعملها على الوجه الأمثل؛ ما دعى الباحثون إلى التطلُّع نحو علاجات حديثة لكل من الأرق والصداع النصفي واضطراب الساعة البيولوجية. ووجدت دراسة إسبانية أن الأشخاص الذين تعرضوا للضوء الأزرق في الليل كانوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي أو سرطان البروستات، وقد ربطت أبحاث أخرى تأثير الضوء الأزرق على الاستقلاب؛ فقد يزيد من خطر الإصابة بالسكري والسمنة.
أمّا عن تأثير الضوء الأزرق على العين فإنّه لم يثبت بعد، ولكن؛ قد اقترحت بعض الأبحاث أنّه -وعلى المدى الطويل- قد يُغيِّر من الخلايا المستقبلة للضوء مُتسبِّبًا في تلف الشبكية.
الآن وبعد أن عرفنا تأثير الضوء -وخاصة الأزرق- في صحتنا، إليكم بعض طرائق الوقاية من آثاره:
1- الحد من الإلكترونيات قبل النوم:
ضع الأجهزة التي تحملها بالقرب من وجهك -كالهواتف الذكية- بعيدًا عنك قبل ساعة واحدة على الأقل من موعد النوم؛ فإنها أسوأ من جهاز التلفاز الذي يصدر عنه ضوء أزرق أقل إضافة إلى كونه بعيدًا، ويمكنك استخدم فلتر الضوء الأزرق على جهازك أو ارتداء نظارات حجب الضوء الأزرق بدلًا من هذا.
2- يمكنك أن تستبدل بالصنف الأبيض النموذجي من الضوء أو اللون الأزرق الساطع ضوءًا ذي اللون المائل للأحمر.
3-يُعدُّ تعليق بعض الستائر طريقةً بسيطةً للحفاظ على غرفتك داكنة ومريحة إذا ما تسلل ضوء الشارع إلى غرفة نومك.
مصادر المقال
1- هنا
2- هنا
3- هنا