البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي
إنها حيوانات لكنها كالنباتات تقوم بالتركيب الضوئي!
Photosynthetic Animals
Breatharianism هل سمعت بهذا المصطلح من قبل؟ على الأغلب لا، وإذا كنت قد فعلت فلا بدَّ وأنَّك قد استسخفته، إنَّه باختصارٍ ادعاءٌ بأنَّ البشر يمكن أن يكونوا كائناتٍ مكتفيةً بذاتها، أي أنَّهم قادرون على العيش بالاعتماد على الضوء والهواء فقط! بعضُ الأشخاص حاولوا تطبيق ذلك عملياً، ورَغم أنَّهم لم يحظوا بمراقبةٍ علميةٍ دقيقةٍ، إلا أنَّ النتائجَ لم تشر إلّا إلى موت هؤلاء!
على كلٍّ، دعك منهم، ولنتحدث عن كائناتٍ مكتفيةٍ ذاتياً فعلاً، إنَّها النباتات، كائناتٌ تستطيع الحصول على المواد المغذية دون الاعتماد على أيّ كائنٍ آخر وتستطيع الحصول على المواد العضوية من مواد غير عضوية، أي باختصار من الماء وثنائي أكسيد الكربون والضوء وبعض الأملاح المعدنية. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ الحيواناتِ لا تستطيع فعل ذلك بتاتاً. لكن مهلاً، هل قلت "بتاتاً "؟ حسناً، لكل قاعدةٍ استثناء، والعلم كما يُخبرنا عودنا دائماً بأشياءَ أغربَ من الخيال، ولذلك فإنَّه يقولُ لنا "هناك بعضُ الحيواناتِ التي تستطيع القيام بالتركيب الضوئي!"
بطلُنا الأول في قائمة الحيوانات التي تقوم بالتصنيع الضوئي هو:
حلزون البحر Elysia Chlorotica
سنذهب الآن إلى شواطئ الولايات المتحدة وكندا، ليس لنستجمَّ هناك، بل لنشاهدَ حلزونَ البحر، هذا الكائنُ الجميلُ الذي يملك شكلاً يشبه ورقَ النبات بلونٍ أخضرَ غامق، ويتغذى على بعض أنواع الطحالب، لكن مهلاً، ليست الطحالبُ الخضراءُ مصدرَ غذائه الوحيد، بل إنَّه أيضاً -بالاستفادة من هذه الطحالب- يأخذ مورثاتِها وعُضيَّاتِها الخَلوية المسؤولة عن التركيب الضوئي وهي الـكلوروبلاست، وكما أنَّ شكلَه كالنبات فإنَّه أيضاً كالنبات، فبالاعتماد على ما أخذه منها-مورثات وعُضيات- يقوم بعملية التركيب الضوئي، نعم هكذا: يستلقي تحت الشمس ليحصل على الغذاء! وعلى كلٍّ، فإنَّ العلاقة بينه وبين هذا النوع من الطحالب ليست مفهومةً جيداً بعد، وتُسمَّى kleptoplasty
:Pea Aphid حشرة المنة البازلائية
أقدم لكن آنساتي هذه الحشرة! قد تبدو بالنسبة لكنَّ وربما حتى للشبان، حيواناً مقززاً ومقرفاً علينا الهروبُ منه، فما الذي يُميزها عن غيرها؟ هل لأنَّها تتغذى على النباتات البقولية؟
الأمر أكثر إثارةً من هذا... إنَّها تمتلك الكاروتينويد Carotenoid وهو صباغٌ موجودٌ في البلاستيد الأخضر (كيس محاطٌ بغشاءٍ يشبه الغشاء الخَلوي، في الخلية النباتية يحوي الأصبغةَ المسؤولةَ عن التركيب الضوئي). يُعطي هذا الصباغ إن وُجد في هذه الحشرة، اللونَ البرتقالي المحمر، وإن غابَ يغيبُ معه اللون، لا يؤدي هذا الصباغُ دوراً جمالياً أو "قبحياً" بالنسبة للبعض، بل له دورٌ في القيام بعملية التركيب الضوئي بغية صنع الغذاء لهذا الكائن، لذلك إذا أردت رؤية الجمال، فلا تنظر إلى هذه الحشرةِ نظرةً مجردة، بل انظر لها من منظار العلم، عندها ستعرف كم هي رائعة هذه الحشرة التي تقوم بالتصنيع الضوئي!
حشرة المنة البازلائية Acyrthospihon pisum
السلمندر المرقط Ambystoma maculatum
لربما قرأ أحدكم عن الحيوان الأسطوري الذي يعيش في النار أو رآه في إحدى الأفلام التي تتحدث عن الأساطير -أساطير خيالية- لكن اليوم، يُقدم العلم لنا أساطيرَ حقيقيةً! هل يروقكم هذا التناقض؟! إنَّه السلمندر المُرقَّط الذي تضع إناثه بيوضاً خضراءَ اللون تحت الماء قريباً من السطح، لكن أين الغريب في هذا؟! تكمن الغرابة والروعة في أجنة هذا الحيوان القابعة في هذه البيوض، هذه الأجنة التي تحوي الطحالبَ الخضراء التي تقوم بالتصنيع الضوئي عندما تتعرض للشمس فتركب الغذاء الذي يوفر فرصةً أكبر لهذه الأجنة للبقاء والاستمرار، فهو بذلك مشابهٌ لصديقنا حلزون البحر. مدهش، أليس كذلك؟!
إنَّني، ومن وجهة نظرٍ شخصية -وليست علمية- أرى أنَّ هذه العلاقاتِ الرائعةَ بين قوى الطبيعة المختلفة وتكيّفات كائناتها المذهلة، تضمن استمرارَ الحياة، لكنَّه ليس الاستمرارَ الذي يسعى إلى تطور الكائنات وحمايتها من الانقراض فحسب، بل أيضاً يقدم للكائنات جمالها وروعتها وبالعلم نفهم هذا الجمال وندرك هذه الروعة، فحلزون البحر سيتحول من كائنٍ يشبه الورقة إلى كائنٍ يحافظ على وجوده بطريقةٍ ما كان خيالنا ليطرحها علينا: يقوم بالتركيب الضوئي، وحشرةٌ كمنة البازلاء التي تثير تقزز من يراها، ستبدو أروع عندما نعرف أنَّها تمتلك مزيجاً متناغماً بين مملكتين مختلفتين، مملكة الحيوان ومملكة النبات، وقصة حيوان السلمندر الذي يقوم بالتركيب الضوئي أجملُ من قصة السلمندر الذي يعيش في النار، فالعلم دائماً أجمل من الخيال.
إنَّ ما تحويه الطبيعةُ رائعٌ بكل أشكاله، حتى الصغير منها الذي قد لا نلاحظه. سيكشفُ لنا العلمُ روعةَ الطبيعة، والعلاقةَ بينها وبين كائناتها التي تضمن ظهور روعة هذه الكائنات.
المصدر: هنا