علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
انقطاع التنفس، وعلاقته بعلم النفس الشبيهة بعلاقة البيضة والدجاجة.
يُعدُّ انقطاعُ التنفسِ في أثناء النوم من اضطرابات النوم الشائعة، ويوصفُ بتوقّفِ التنفسِ تماماً أو جزئياً، وتتراوح شدّته من معتدلٍ إلى خطيرٍ حسب عدد مراتِ حدوثه في أثناء النوم؛ والتي تتراوح بين خمس مراتٍ و ثلاثين مرةً في الساعة؛ ما يؤدي إلى النوم المتقطّع والشخير، ويتجلّى المرضُ في ثلاثة أنواع:
١- انقطاعُ التنفس الانسدادي: ينتج عن انسداد مجرى التنفس تماماً أو جزئياً في أثناء النوم، ويعود السببُ إلى استرخاءِ عضلاتِ الحنجرةِ واللسان المفرطِ في أثناء النوم؛ ما يعيقُ مجرى التنفس. ونذكر من الأسباب الأخرى: ضخامةُ اللوزات أو الناميات، والحساسية، وتشوّهاتُ عظمِ الفك، والبدانة، وتناولُ بعض الأدوية، وشرب الكحول قبل النوم، والنوم على الظهر.
٢- انقطاع التنفس المركزي: والذي تسببه الأذياتُ الدماغيةُ التي تصيبُ مراكزَ التحكّمِ بالجهاز التنفسي.
٣- انقطاع التنفس المختلط: ويجمعُ بين النوعين السابقين.
تتجلّى الأعراضُ الرئيسةُ لتوقف التنفس بما يأتي: الشعورُ بعدم الراحة عند الاستيقاظ صباحاً، والنعاس في أثناء النهار، والصداع الصباحي. وقد يلاحظ شريكُ السرير توقّفاً بالتنفس في أثناء النوم وشخيراً واختناقاً، بالإضافة إلى كثرة التقلّب بفعلِ التنبيه الدماغي الحاثّ على طلب الأوكسجين. ويعاني الأطفالُ الأعراض نفسَها في أثناء النوم، مُضافاً إليها التبوّل غير الإراديّ لدى بعضهم، ولكن يتحول الإجهاد لديهم إلى فرطِ نشاطٍ ونقصِ انتباهٍ في أثناء النهار، وقد يعاني هؤلاء الأطفالُ من تأخّرِ النمو مقارنةً بأقرانهم. وقد تسبب هذه الحالة المرضية أعراضاً أشدّ خطورةً؛ نذكر منها ارتفاعِ التوتر الشرياني، وارتفاع الضغط الرئوي، واضطرابات النَّظمِ القلبية، وإقفار القلب وقصوره، علاوةً على السكتاتِ الدماغية والسكري والاكتئاب.
ولكن ما علاقةُ هذا كلّه بعلمِ النفس؟!
فُحِصت -في إحدى الدراسات- العلاقاتُ بين المتغيّرات النفسية والنوم لدى الأفراد المصابين بتوقف التنفس في أثناء النوم مقارنةً مع أشخاصٍ لا يعانون هذه الحالة، وذلك بعد نفي وجود أمراضٍ أو اضطراباتٍ خطيرةٍ تؤثر في نتيجة المقاربة بين المجموعتين، وتراوحت أعمارُ الخاضعين للدراسة بين 32 عاماً و 64 عاماً مع وزنٍ مثالي بنسبة 100-150%، أظهرت النتائج ارتباط كلٌّ من الاكتئاب والغضب واضطراب المزاج العام إيجاباً بالنوم العميق ونوم الريم (REM)؛ وهو مرحلة حركات العين السريعة من النوم، سواءٌ ترافق ذلك مع نقصٍ في الأكسجة الدموية أم لم يترافق، وأما لدى الأفراد الذين لا يعانون من انقطاع التنفس؛ فقد ارتبط النشاط والحيوية إيجاباً بكمية النوم وسلباً بنقص الأكسجة، وعند ضبط كلٍّ من العمر وكتلةِ الجسم وضغطِ الدم؛ تغيّرت النتائج قليلاً لدى الأفراد الذين لا يعانون من انقطاع النفس في أثناء النوم، وأما أولئك الذين يعانون منه؛ فلم يعُدْ الاكتئابُ واضطرابُ المزاج مرتبطَين بمتغيرات النوم ومقاييسه؛ بمعنى أنه فُسّرتْ العديدُ من المقاييس النفسية عن طريق التحكم بالعمر وكتلة الجسم وارتفاع ضغط الدم، ولكن بقيت أعراضٌ مثل الغضب والاستثارة تُظهرُ ارتباطاً بمتغيّراتِ النوم في حالةِ انقطاعِ التنفسِ في أثنائه "apnea".
وقد أظهرت دراسةٌ أجراها مركزُ ضبط العدوى (the Centers for Disease Control and (Prevention أن احتمالية الإصابةِ بالاكتئاب تزدادُ لدى المرضى الذين يعانون انقطاعَ التنفس في أثناء النوم أكثر من سواهم؛ بسبب نقص الأكسجة الدماغية في أثناء نوبات انقطاع التنفس الليلية، وأن انقطاع التنفس في أثناء الليل يسبب التوتر؛ لأنه يؤثّر في الوقت المخصص لراحة الفرد، بالإضافة لما يثيره من قلقٍ على الصحة والحياة. هذه العوامل كلّها تؤدي حتماً إلى الأرق؛ والذي يؤدي بدوره إلى الاكتئاب، وهكذا يجد المرء نفسه أسيرَ حلقةٍ مفرغة، ويُعدُّ اضطرابُ العلاقات العاطفية من كبرى المشكلات التي يسببها؛ بسبب انزعاج الشريك وتذمره من الشخير والأصوات الصاخبة الصادرةِ في أثناء النوم، وهو ما قد ينتهي بالشركاء منفصلين في أسرّتهم؛ ما يضرُّ بالحميمية، ويزيدُ شعور عدم الرضا والاكتفاء، ويزيدُ العبء النفسي على كاهل الطرفين. ولانقطاعِ التنفس في أثناء النوم أثرٌ في الأحلام، وهي التي يراها المختصون فرصةً لمعالجةِ الأحداثِ التي تمرّ بنا في أثناء النهار لتكوين ذكرياتٍ طويلةِ الأمد؛ فالنومُ المتقطّعُ لا يمنح المصابين فرصةَ الوصولِ لنوم الريم، وهي المرحلة الضرورية لحدوثِ الأحلام، فتزدادُ احتماليةُ الإصابة بالتوتر واضطراباتِ الذاكرة، ويسبب ضعفاً في الإدراك؛ فإذا كان المرء عاجزاً عن النوم أو الحلم، وقلقاً على حالته الصحية؛ فهذا سيلقي بظلاله على القدرة على التركيز؛ مسبباً الإجهادَ وتغيّرَ المزاج وسرعةَ الانفعال؛ ما يجعل مواجهة تحديات الحياة اليومية أمراً شاقاً وصعباً، فتتفاقم بالنتيجة نوباتُ انقطاع النفس الليلية.
من المرجّح أن تكون الحالة النفسية عاملاً مسبباً لانقطاع التنفس في أثناء النوم؛ إذ سبق ولاحظنا الدائرة المفرغة التي يُبتلى بها الفردُ المصاب، ويُعدُّ الأرق واحداً من أعراضِ العديدِ من الاضطرابات النفسية، ولطالما ارتبطت مشكلات النوم بالصحة النفسية، ويعتقد الباحثون أن انقطاع التنفس الانسدادي مرتبطٌ بعيوبٍ إدراكيّةٍ تنجمُ عن الأذى الدماغي الذي يسببه نقصُ الأكسجة عند انقطاع التنفس في أثناء النوم. طرحت دراسةٌ جديدةٌ نُشرِت في مجلة (the American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine) الدليلَ الذي يقترح أن مرضى انقطاع التنفس الانسدادي يعانون من تلفٍ دماغيٍّ خفيفٍ، وأن بعضاً من هذا التلف قد يسبقُ الإصابة به ويساهم أيضاً في تطوره، ولقد أُجريتْ الدراسةُ في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس على مسوحٍ دماغيّةٍ لـ (21) مشاركٍ مصابٍ بانقطاعِ التنفّس الانسداديّ، مع مجموعةِ مقارنةٍ تضمُّ مشاركين أصحّاء؛ فوجد الباحثون نقصاً في المادة الرمادية للدماغ لدى مرضى انقطاع التنفس في الناحية المسؤولة عن الانتباه والذاكرة والحركة والتنفس، وعلى نحوٍ متناظرٍ في نصفي الدماغ، وهو ما يُعدُّ نمطاً نموذجياً للأذية الناتجة عن نقص الأكسجة الدماغية. ولكن أبدى العديد من المصابين نقصاً موضّعاً في جهةٍ واحدةٍ تضمُّ المراكز المرتبطة بمراكز التحكم بالكلام والسبيل التنفسي العلوي. وقد عانى (38%) من المشاركين المصابين بانقطاع التنفس من التأتأة في مرحلة الطفولة، وتقترح النتائجُ أن جذورَ هذا المرض الذي يُصيب قرابة (15%) من السكان بعد عمر 65 عاماً قد تعود لمرحلة الطفولة.
من الممكن أن نشبّه العلاقةَ بين انقطاع التنفس في أثناء النوم والصحة النفسية بعلاقة البيضة والدجاجة، إن جاز لنا التعبير.
وثمة سؤالٌ يطرح نفسه: هل من الممكن حدوث انقطاع التنفس في أثناء الاستيقاظ؟ وهل له صلةٌ بعلم النفس والاضطرابات النفسية؟
أجل! قد يحدث انقطاع التنفس في أثناء الاستيقاظ، وقد يشعر المصاب كما لو نسي التنفس.
ولكن هذا الاضطراب نادرُ الوقوع ولا تصحُّ تسميته بانقطاع التنفس المُشار إليه بـ (apnea)، ويُدعى بدلاً من ذلك بحبسِ التنفس اللاإرادي، وحدوثه أكثرُ شيوعاً لدى الرضّع مقارنةً بالكبار.
ونادراً ما تكون الأسباب القلبية أو العصبية مسؤولة عن هذا الاضطراب لدى الرضع والأطفال؛ إذ يحدث بسبب البكاءِ الشديد والانفعالات الزائدة، ويتظاهرُ بالغشي (انقطاع التنفس المؤقت)، وقد أشارت بعضُ المعتقداتِ القديمةِ إلى أن الطفل يلفت انتباه الأهل إليه، وأن الحلّ هو تجاهلُ الطفل لعدم قدرةِ أي شخصٍ (ولا سيما الأطفال الصغار) على التوقف عن التنفس حتى الموت.
وقد ثبت أن بعض حالات التوتر عند البالغين -ومنها الانتظار والخوف والشعور بالتهديد- قد تسبب توقف التنفس؛ لأنها تُحدِثُ تشنجاً في العضلات التي تتحكّم بأجهزةِ التنفس؛ وهو ما يظهر الربط بين الحالة النفسية والجسدية تجسيداً لمقولة "حبس أنفاسه في انتظار الخبر".
وأخيراً؛ لا بدّ من الإسراع في مراجعة الطبيب المختصّ لتقصّي الأسبابِ الكامنةِ وراء المعاناةِ من هذه الأعراض قبل أن تُبتلَع في دائرتها المفرغة، وكي لا تغدو ضحية السؤال: هل أعاني مرضاً نفسياً أم جسدياً؟ وما العلاج المناسب لحالتي؟
قد يؤدي إهمالُ هذه الحالة الصحية إلى العديد من المضاعفات السيئة على المدى الطويل، فقد تتحوّل في نظر شريكك إلى مستذئبٍ يصدرُ تلك الأصوات المرعبة في منتصف الليل لتستيقظ على هيئة الموتى الأحياء غير قادرٍ على الحركة في الصباح، أو مصاباً بجنون العلماء: صداعٌ صباحي، وفقدانُ الذاكرة، ومشكلات في التركيز، أو قد تغدو عرضةً لكوابيسَ ترى فيها أحدهم جاثماً على صدرك يريد قتلك؛ فلا تهمل هذه الإشارات.
المصادر: