العمارة والتشييد > التشييد
مقر التلفزيون الصيني المركزي
العمارةُ الصينية إحدى أنماط العمارة التي اتَّخذت شكلًا مميَّزًا في شرق آسيا مدَّة قرونٍ عديدة، إذ ظلَّت المبادئ الهيكلية للعمارة الصينية دون تغيير واقتصرت التغييرات الرئيسية فقط على تفاصيل الزخرفة.
وحاول المهندسون والمعماريون الصينيون المدرَّبون في الغرب بدءاً من القرن العشرين الجمع بين التصاميم الصينيَّة التقليديَّة والهندسة المعماريَّة الحديثة، وخرجوا بنتائج هندسيَّةٍ معماريَّةٍ رائعة.
وسنسلِّطُ الضوء على أحد هذه التصاميم وهو برج الإذاعة والتلفزيون المركزي في الصين CCTV tower.
صُمِّمَ مبنى التلفزيون المركزي الصيني ليجمع بين الوظائف الإدارية والأخبار والإذاعة والاستديوهات وإنتاج البرامج، ويمكِّنَ وصولَ محطَّةِ البثِّ التلفزيوني التي تديرها الحكومةُ الصينيَّة إلى مستوىً متطوِّرٍ من البثِّ العالمي الذي سيوسِّع عمليَّاتها من 13 قناة إلى أكثر من 200 قناة عند الانتهاء.
يبلغُ ارتفاع هذا المبنى قرابة 234 مترًا وبمساحة 473 ألف مترٍ مربَّع، ويتميَّزُ بتصميمٍ غير مألوفٍ كعقدةٍ ملتوية؛ إذ يتكوَّن هذا المبنى من برجين مائلين باتجاه بعضهما وينحني كلٌّ منهما بزاويةِ 90 درجة من الأعلى و90 درجة من الأسفل ويشكلان معًا أنبوبًا واحدًا مستمرًّا.
دُعِّم المبنى إنشائيًّا عن طريق شبكةٍ من التقاطعات غير المنتظمة والمتوضِّعة على واجهةِ المبنى، إذ تصبح الشبكةُ كثيفةً في المناطق ذات الإجهاد الأكبر، وأقلَّ كثافةً وأكثرَ انفتاحًا في الأماكن التي تتطلَّب دعمًا أقل، من أجلِ تشكيلِ نظامٍ أنبوبيٍّ قادرٍ على مقاومةِ الجاذبيَّةِ والقوى الأُخرى التي قد تؤثِّرُ على البناء، لتتحوَّل الواجهةُ نفسها إلى مشهدٍ معماريٍّ جميلٍ للمارَّة.
ويمنح الهيكلُ الأنبوبي البناء المتانةَ المطلوبة لتحمُّل النَّشاط الزلزالي المحتمَل في المنطقة، موفِّرًا مستوىً إضافيًّا من السَّلامة، ولكن قبل وصلِ البرجين مع بعضهما كانا عرضةً للحركةِ والانتقالات بسببِ قوى الرِّياح وتغيُّر درجات الحرارة، وبالتالي كان الحل الإنشائي من أهمِّ القضايا في عمليَّةِ التصميم بعد تحليلِ سلوكِ حركةِ المبنى.
وقد شكَّل هيكلُ المبنى تحدياتٍ لا نظيرَ لها لمهندسي التصميم، وخاصَّةً فيما يخصُّ ربطَ البرجين المائلين.
ومع التشوُّه المُحتمل الحدوث في المبنى بسبب تغيُّر درجات الحرارة الكبير في بكِّين، كان من المهمِّ جدًّا أن يأخذ المهندسون بالحسبان الطريقة التي سيتصرَّف بها المبنى قبل الوصل، إذ حدَّدت شركةُ Arup -إحدى الشركات العالمية الرَّائدة في التصميم الهندسي للمنشآت العامة والبنية التحتية- أنَّ وصل كلا البرجين يجب أن يُنفَّذَ في وقتٍ مبكِّرٍ جدًّا من الصباح عندما يكونان في درجةِ حرارةٍ موحَّدة قبلَ شروقِ الشمس عندما تكون الحركات والتشوهات في المبنى النَّاتجة عن العوامل المناخية بحدِّها الأدنى.
وقد خصَّصت Arup خمسةَ أيَّامٍ لمراقبةِ الحركاتِ المطلقة والنسبية للبرجين قبل وصلهِما من أجلِ التنبؤ بالأبعادِ الصَّحيحة لعناصرِ الربط على نحوٍ صحيح.
ونُفِّذت تعديلاتٌ نهائيَّةٌ على أطوالِ عناصر الرَّبط قبل التثبيت، مع مراعاة تثبيت البرجين معًا في دقائقَ قليلة، لتنتهي عمليَّةُ الربط في الساعة 8 صباحًا في يومِ شتاءٍ بارد، لتكون درجة حرارة الفولاذ موحَّدة.
وقد حازَ المكتبُ المعمارى الأمريكي (OMA) امتيازَ تصميمِ هذا المشروع بتصميمِ المهندسِ المعماري Rem Koolhaas.
يُعَدُّ هذا المبنى تأكيدًا لأهميَّةِ التواصلِ التام بين كافَّةِ الأفراد المعنيِّين بالتصميم وخصوصًا في المباني المعقَّدة معماريًّا وإنشائيًّا وميكانيكيًّا وكهربائيًّا، إذ يؤدِّي فشلُ طرفٍ واحدٍ في أداءِ عملهِ إلى الفشل في بناء المبنى.
فما هو رأيك بالتعاون التام بينَ الأطرافِ المعنيَّةِ بتصميمِ وبناء المباني؟ وهل يمكن تطبيقُ هذا التعاون على نطاقٍ أوسع؟
المصدر: