الهندسة والآليات > التكنولوجيا
الماغنترون؛ من رادار الحرب العالمية الثانية إلى الفشار بالميكروويف
من رادار الحرب العالمية الثانية إلى الفشار المعد الميكروويف، كان جهاز التجويف الماغنتروني هناك، ومن ثَمَّ أعطى هذا التجويف الماغنتروني المضغوط الحلفاءَ طريقةً من أجل إنتاج أجهزةِ الميكروويف العاليةِ الطَّاقة للرادار.
[بقلم أليسون مارش]
بحلول صيف عام 1940؛ كانت الحربُ العالميَّة الثانية مستعمرة في أوروبا الغربية منذ قرابة عام.
وفي أثناء معركة بريطانيا؛ قصفت الطائراتُ الألمانية لندن والمراكزَ الصناعيَّة والموانئ المحاصرة، وفي غضون ذلك؛ كانت الولايات المتحدة لا تزال تحاول جاهدةً البقاء خارج الحرب.
على هذه الخلفية؛ سافر الفيزيائيُّ إدوارد "تافي" بوين مع مجموعة من العلماء البريطانيين والضُّباط العسكريين الآخرين إلى واشنطن العاصمة، إذ كُلِّف بوين بصندوق معدنيٍّ أسود يحتوي على أسرار فنيَّة تتعلق بالبحث في زمن الحرب في إنجلترا وتطويره.
كان الهدف من الرحلة -التي أُطلِق عليها رسميًّا البعثة التقنية والفنية البريطانية- مشاركةَ هذه الأسرار مع الولايات المتحدة وكندا على أمل أن يُنتجوا أسلحةً قابلةً للتطبيق ومعداتٍ أخرى للحرب.
وكان من بين محتويات الصندوق جهازٌ مثيرٌ للفضول وقرصٌ فيه أخاديد حول حافته وأنابيبُ رقيقة وأسلاك تمدد من نهاياته، وقد أنتجت هذه الأداة ذات حجم كف اليد -المعروفة باسم جهاز التجويف الماغنتروني- الأمواجَ الميكرووية العالية الطاقة، وستثبت أنها أهم عنصر في الصندوق.
ومع ذلك؛ فإنَّ الصندوق كان لديه بدايةٌ سيِّئةٌ لرحلته في طريقها إلى محطة القطار في لندن، إذ كان مربوطًا بسقف سيارة أجرة في لندن.
وفي محطة يوستون؛ نقل أحدُ الحمَّالين الصُّندوقَ قبل أن يتمكن بوين من الاعتراض عند صعود السفينة في ليفربول، إذ كان بوين محاطًا في كلِّ مكان من رجلٍ محترمٍ صامت يلبس البدلة العسكرية.
وفي هذه الأثناء؛ أُمِّنَ الصندوق بحيث تغرق أسراره مع السفينة إذا تعرَّضت السفينة للهجوم.
إنَّ الطريقةَ التي ظهر بها الماغنترون في الصندوق في البداية هي قصةٌ بدأت قبل ذلك بكثير.
كلمة "الماغنترون" أتت من (مغناطيسي) و (إلكترون) ثُمَّ أُدخِلت إلى اللغة الإنجليزية عام 1921 عندما نشر ألبرت دبليو هول بحثه عن "تأثير حقل مغناطيسيٍّ مُوحَّد على حركة الإلكترونات بين الأسطوانات المحورية".
كان ألبرت دبليو هول مهندسًا فيزيائيًّا وكهربائيًّا في مختبر جنرال إلكتريك للأبحاث في شينيكتادي بولاية نيويورك، يُحاول الالتفاف على براءة اختراع على الصِّمام الثلاثي الذي صمَّمه لي دي فورست.
استُخدِم ماغنترون القطب الموجبِ المُنفصِل في النهاية مكبِّرًا للصوت في أجهزة الاستقبال الراديوية وفي المذبذبات، وقد بدأ العديدُ من الباحثين في التحقيق والتجريب مع الجهاز.
وفقًا لتاريخ جون براينت لتكنولوجيا الموجات الميكروية؛ نشرت أكثر من 200 صحيفةٍ على ماغنترون القطب الموجب المنفصل في أنحاء العالم قبل عام 1940، إذ وصف بعضٌ منها كيفيةَ استخدام اختراعِ هال، واقترح آخرون طرائقَ من أجل تحسين ما هو في الأساس تصميم أدنى.
في أيلول (سبتمبر) 1939؛ بدأ جون راندال وهنري بوت الفيزيائيان في جامعة برمنجهام في إنجلترا استكشاف اتجاهٍ جديد في تصميم ماغنترون تحت إشراف مارك أوليفانت.
هذا وقد اعتمدوا على عمل المهندس الهولنديِّ كلاس بوستهوموس الذي أوضح العمليَّة النظرية للماغنترون، وكان لديهم مشكلةٌ محدَّدةٌ لحلها وهي الطائرات الألمانية التي تهدد إنكلترا؛ فأيُّ تحسن في قدرات الرادار في البلاد يمكن أن يساعد.
إضافةً إلى كونه أستاذًا للفيزياء في برمنجهام؛ كان أوليفانت عضوًا في برنامج الرادار البريطانيِّ المصنَّف، وفي بداية الحرب؛ كان لدى البلد سلسلةٌ من محطات الرادار تعمل على طول موجة يتراوح طولها بين 10 و 13 متراً، وتختبر رادارًا محمولًا بالهواء بطول موجة يبلغ 1.5 متر.
جادل أوليفانت كثيرًا من أجل الرادار العامل في نطاق الموجات الميكروية مع موجة من طول 10 سم أو أقل ومع ذروة قوَّةٍ تصل إلى 1 كيلو واط، ومن شأن هذا النظام أن يحسِّنَ دقَّة الصورِ الرادارية، ويُوضع في معدات أصغر وأخف وزنًا يمكن تركيبها في الطائرات، وتكون أقلَّ عرضةٍ للتداخل مع الصدى الأرضي، ومن ثَمَّ كان الماغنترون هو المفتاح.
في غضون شهرين؛ كان لدى راندال وبوت تصميمٌ أساسيٌّ للتجويف الماغنتروني، يتألف من قطعةٍ أسطوانيّة من المعدن، ويمر القطبُ السالب عبر ثقبٍ مركزي، وتحيط بالقطبُ الموجب سلسلةٌ من الثقوبِ المتناسقة أو التجاويف مرتبةً في دائرة حول الثُّقب المركزي. وقد بدا المقطع العرضيِّ مثل حجرةِ مسدس كولت الذي حُدّث لأجل أن يكون بمثابة أنموذجٍ لبعض النماذج الأوليَّة من راندال وبوت.
عندما زُوِّدت الطاقة إلى القطب السالب؛ أحاط مجالٌ مغناطيسيٌّ الجهاز، ومن ثَمَّ أدى تذبذب الشحنة الكهربائية حول التجاويف إلى إشعاع الموجات الكهرومغناطيسية، ممَّا أدى إلى خلق كلِّ تجويفٍ ترددَّ الرنين الخاص به.
بحلول شباط (فبراير) 1940؛ كان لديهم أنموذجٌ أوليٌّ بعرض طوله 9.8 سم بطاقة 400 واط.
في شهر نيسان (أبريل)؛ تعاقدوا مع شركة جنرال إلكتريك في ويمبلي بالقرب من لندن من أجل إنتاج عيِّنات أكثر صلابة يمكنها تحمُّل اختبارات أكثر دقة، وكانت معظم النماذج الأولية 6 تجاويف، ولكنَّ الأنموذجَ الأوليَّ الثاني عشر كان 8 تجاويف وكان هذا آخر أنموذج، E1189 الرقم التسلسلي 12؛ أُنشِئ بواسطة E.C.S. ميغا في جنرال إلكتريك، ثمَّ أخذه بوين معه إلى أمريكا الشمالية.
ترأس البعثةَ التقنية والفنيةَ البريطانية السير هنري تيزيز الذي كان رئيسَ لجنة أبحاثِ الطيران في بريطانيا، وشهد المزايا الواضحة التي ستأتي من نظام الرادار المتفوِّق.
على الرغم من معرفته بأن الباحثين في برمنجهام قد حقَّقوا تقدُّمًا كبيرًا؛ فقد أدرك أن بريطانيا ستواجه تحدِّياتٍ في الإنتاج الصناعي في أثناء خوض الحرب أيضًا.
المصادر :
1- هنا
2- هنا