علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
هل حقاً الحب أعمى؟
هل تخدع العشاق عيونهم؟
"الحب لا يرى بالعين، بل بالعقل." ويليام شكسبير
"إن فقدان أوهامنا هي الخسارة الوحيدة التي لا يمكننا التعافي منها أبداً." كويدا
"الحب لا يتمثل بالعثور على الشخص المثالي، ولكن عن طريق رؤية الشخص الناقص كاملاً." سام كين
غالباً ما نكون عمياناً عندما يتعلق الأمر بالصفات السلبية للحبيب، كما أننا قد نمجّد شركاءنا ونخلق صورة مثالية لهم. وأحياناً أخرى نحب الصورة المثالية بدلاً من الحقيقية. هل نكون عمياناً عندما نقع في الحب ونحافظ عليه؟!
في عدد كبير من الحالات يقع الناس في الحب مع التصور المثالي والأوهام الإيجابية الخاصة بهم تجاه شركائهم، أو مع فكرة الوقوع في الحب، وليس استناداً على أسس الواقع الفعلي الذي يعيشونه. والجدير بالذكر أن هذه الأوهام والتصورات الإيجابية تلعب دوراً جوهرياً في الحب الرومانسي.
يمكن تعريف التمجيد بأنه زيادة في التصورات الإيجابية وانخفاض في التصورات السلبية تجاه الشريك والعلاقة، وعادةً ما لا يكون هذا التمجيد توصيفاً دقيقاً للواقع. ويتميز بنشاط تقييمي يعطي للجوانب الإيجابية وزناً أكبر، في حين بالكاد يتم إعطاء أي وزن للجوانب السلبية. بالإضافة إلى ذلك، يتميز أيضاً بنسب الأحداث الإيجابية لحسن تصرف شركائنا. والأحداث السلبية للظروف الخارجية التي يمكن أن يكونوا قد خضعوا لها. بمعنى آخر، قد نعطي تبريرات لأخطاء شركائنا دون موضوعية في بعض الأحيان.
أما انكسار الوهم وخيبة الأمل، فهي تتمثل بالانخفاض في التصورات الإيجابية والزيادة في التصورات السلبية تجاه الشريك والعلاقة. ولكن في هذه الحالة قد يكون هناك إسناد أكثر للموضوعية في تقييم الأسباب وراء كل من الأحداث الإيجابية والسلبية.
إن مجدنا شركاءنا نصبح معرضين لخيبة الأمل أيضاً حالما نكتشف أن بعض تصوراتنا المثالية حيال شريك حياتنا قد تكون غير دقيقة.
التمجيد مهم لاستمرارية العلاقات العاطفية، لأنه يعطي العشاق دافعاً أكبر ليكونوا مع بعضهم، وقد اكتشفت الأبحاث وجود صلة بين التمجيد وانخفاض احتمالات الانفصال. وارتباطه مع وجود الثقة ومميزات أخرى مشابهة قد يكون هاماً لاستقرار العلاقات العاطفية وطول مدتها.
هذا التمجيد بحد ذاته ليس نوعاً من العمى، و لكنه عملية معرفية وتقييمية أكثر تعقيداً. من وجهة نظر المعرفية. إنه يركز انتباهنا على الجوانب الإيجابية للشريك و يتجاهل أو يأخذ اعتباراً أقل للجوانب السلبية، إذن العشاق ليسوا عمياناً ولكن رؤيتهم في كثير من الأحيان قد تكون غير واضحة.
يلعب التمجيد دوراً هاماً في المراحل الأولى للعلاقة، عندما لا نكون على معرفة وثيقة بكل جوانب الشخص الآخر، و حتى نتمكن من سد الثغرات نخلق تصورات مثالية وافتراضات إيجابية بفعل محبتنا للشريك ووحي مخيلتنا.
في الواقع إن غياب الأوهام العشقية يبدو واضحاً بشكل خاص في الزواج عن حب، و الذي يعبر عنه بالاستياء و غياب الرضى، بسبب الانخفاض التدريجي للارتباط العاطفي بالشريك، حيث تبدأ عملية النفور تتجسد عند انكسار الوهم و الشعور بخيبة الأمل الذي يتبع انخفاض تمجيد العشاق لشركائهم.
عبّر بعض الأزواج عن خيبة أملهم بشركائهم وبحقيقة زواجهم وعن شعورهم بالإحباط تجاه شركائهم الذين لم يرقوا لمستوى الأحلام والتخيلات والتوقعات التي كانت لديهم سابقاً قبل الزواج، وشعروا أيضاً بأنه قد تم خداعهم. كما أشاروا إلى وجود تغييرات جذرية في سلوك شركائهم بعد الزفاف. بينما في الواقع فإن الذي تغير فعلاً لم يكن بالضرورة سلوك الشريك و لكن تصوراتهم لشركائهم هي التي تغيرت.
الخلاصة:
هل الحب يعتمد إلى حد ما على درجة من العمى؟! أم أنه بإمكانه أن يزدهر بمعرفة دقيقة لشريك حياتنا؟
يبدو أن التمجيد هو السلم الأولي اللازم لخلق علاقة حب جديدة. فإذا كان منخفضاً جداً قد لا نكون قادرين على تجربة الحب العميق، و إذا كان غير واقعي ومشروطاً بامتلاك شركائنا لصفات محددة عشقناها فيهم. قد ينتهي فينا المطاف بخيبة أمل كبيرة.
لذلك ينبغي أن يكون معتدلاً في طبيعته ويشير أكثر إلى الإطار العام لتقييم الشخص، بدلاً من سمات محددة. قد تتمكن المعتقدات الإيجابية العامة من تحقيق ذاتها، فالعلاقات المستقرة المُرضية تعكس قدرة الشركاء على رؤية شركائهم الناقصين في إطار مثالي. مهما طالت فترة علاقتهم.
لا يمكننا النظر إلى العشاق على أنهم عميان أو مضللين، بالرغم من رؤيتهم الغير موضوعية، لأن نظرة العشاق لشركائهم تجري ضمن إطار وردي يمكّنهم من التعامل بشكل أفضل مع عيوب الحبيب الواضحة على الرغم من وجود العدسات الوردية. فقد نستبدل جهلنا في البداية لصفات من نحب، بصورة أكثر واقعية تستند إلى معلومات جديدة وأكثر تفصيلاً.
المزيج الأمثل هنا يقع بين إدراكنا للجوانب الفعلية والملموسة التي قد تكون سلبية في شركائنا، و بين تمجيدنا للشريك بصورة عامة. يعتبر الجانب التقييمي العام حيال تصورنا العام للشريك ذو أهمية كبيرة. وهذا الجانب بالطبع، لايخضع لمعايير الخطأ والصواب كونه بالتأكيد، معيار شخصي.
يعتبر الإطار التقييمي الوردي الآلية الأمثل للتعامل مع المعرفة المؤكدة لجوانب سلبية محددة، و اتخاذ الجوانب الأفضل من شخص ناقص. كما لخّصت الدكتورة لاكينباور وزملاؤها النتائج التي توصلوا إليها بقولها: "السمة المميزة للعلاقة الحقيقية المقدر لها أن تستمر، هي عندما يرى الشركاء بعضهم البعض على حقيقتهم، ولكن من خلال عدسات الحب الوردية".
المصادر:
مصدر الصورة: