الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع
العنصريَّة
التمييز العنصري (Racism) وأيضًا يُدعى (Racialism) وهو أي فعل أو ممارسة أو اعتقاد يعكس نظرةً عنصرية؛ وبمعنىً آخر هو المُعتقَد القائل بأنَّ الشعوب يمكن أن تُصنَّف حسب مجموعات بيولوجية خاصة ومنفصلة عن بعضها وتُسمَّى "الأجناس" وأَنَّه ثمَّةَ علاقة بين الصفات الجسدية الموروثة ونظيرتها المرتبطة بالشخصية والفكر والأخلاق وغيرها من الخصائص السلوكية والثقافية لجماعةٍ ما؛ وبذلك فإنَّ بعض الأعراق تتفوق بطبيعتها على غيرها من الجماعات الأخرى؛ وعُرف هذا المفهوم -العرق البيولوجي- منذُ أواخر القرن العشرين أنه ابتكار ثقافيّ يفتقر لأيّ أساسٍ علميٍّ.
وليس هذا فحسب بل للعنصريةِ أوجهٌ عدَّة يُمكن أن تشغل حيّزًا في الكثير من الأماكن؛ وعند ذكر هذه الكلمة يتبادر إلى الذهن معناها المتجلي في المواقف المنحازة لجماعة ما أو مشاعر البُغض والكراهية تجاه أخرى بالإضافة إلى التفرقة والتمييز القائم على أساس لون البشرة أو العِرق أو الجنس أو المنطقة.
غالباً ما يربط الناس مفهوم العنصريَّة بالممارسات المُسيئة أو المضايقات، ولكن ليس من الضروري أن يشتمل على أي من هذه الأفعال وغيرها من تصرفات عنيفة ومروِّعة فقط، فمظاهر التّنمُر العنصريِّ كثيرة وواسعة؛ خذ على سبيل المثال إطلاق الألقاب والنكات التي تُشيرُ إلى العنصريةِ أو دفع البعض للشعور بضرورة تغيير مظهرهم لاختلافهم، ناهيك عن وجودِ حالاتٍ يُستبعد فيها بعض الأفراد من جماعةٍ أو نشاطٍ معين بسبب أصلهم.
تَظهر العنصرية للعيان عن طريق تصرفات الناس ومواقفهم، إضافةً إلى تجلٍّيها في الأنظمة والمؤسسات، ولكن في بعض الأحيان لا تكون العنصرية مُعلَنة بل ضمنية كأنْ يرفض شخصٌ ما طلب توظيف شخص آخر بسبب اسم عائلته.
كيف ظهرت العنصرية عبر التاريخ؟
نجح الحزب النازي – بعد هزيمة ألمانيا إبان الحرب العالمية الأولى - باستغلال معاداة البلاد المتأصلة للسامية؛ الأمر الذي أوصله لسدة الحكم عام 1933 فقام بتطبيق سياسات التفرقة المُمنهجة والمُنظمة وممارسات الاضطهاد إلى أن انتهى بارتكابِ إبادةٍ جماعيةٍ – فيما يُعرف بالهولوكوست أي المحرقة - بحق اليهود في ألمانيا والأراضي التي احتلتها في أثناء الحرب العالمية الثانية، إذ صوّر هتلر اليهود أنّهم عرق لا جماعة دينية وكان يعدّهم عرقًا شريرًا يسعى للهيمنة على العالم.
وفَرضت العنصرية في أميركا الشمالية خلال فترة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا –الأبارتيد- وُجوبَ الفصل بين الأعراق المختلفة وخاصة بين البيض والسود من الناس؛ أي يجب أن يكون لكل جماعة مجتمعها الخاص والمنفصل عن الآخر وأن ينشئوا مؤسسات خاصة بهم كالكنائس والمدارس والمشافي، وفرضت أيضًا أنّ من غير الطبيعي أن يتزوج أشخاصٌ من أعراقٍ مختلفةٍ.
وأولئك الذين مارسوا العنصرية على نحوٍ علني عبر التاريخ كانوا يعتقدون أنَّ الأفراد الذين ينتمون لأجناس بشرية دونية يجب أن تنحصر أعمالهم ضمن المهام المتدنية المستوى على عكس أصحاب العرق المهيمن والمتفوق إذ يجب أن يتمتَّعوا على نحوٍ خاص بحقوقٍ مدنيّة لا حدَّ لها وبإمكانية الوصول إلى السلطة السياسية وحصولهم على الثروات الاقتصادية فضلًا عن أدائهم لمهام رفيعة المستوى.
بلغت العنصرية الأوج واجتاحت العالم بحلول القرن التاسع عشر؛ إذ أخذ القادة بالتفكير بالعناصر الإثنية لمجتمعاتهم الخاصة ليُحددوا الأجناس البشرية الراقية والمتدنية، فالأعراقُ الأقل رقيًّا كانوا يُستَغلُّون من أجل العمل وخاصة في المستعمرات، وأصبح تطبيق سياسية التفرقة ضدهم أنموذجًا شائعًا في العديد من البلدان والمناطق في العالم.
وقد ولَّد التفوق العرقي الذي رافق الاستعمار مشاعرَ الكره والعداوة من قبل أولئك الذين استُعْمِروا واستغلوا بشتى الوسائل؛ مشاعرَ ما زالت راسخة في النفوس وامتدت إلى ما بعد الاستقلال.
أثارت العنصرية مشاعر الحقد وعدم الثقة وأطاحت بكل محاولة تسعى لفهم ضحاياها. ولهذا السبب خلصت العديد من المجتمعات الإنسانية إلى أنَّها مفهوم خاطئ؛ وبدأت هذه المجتمعات أيضا بمناهضة العنصرية الراسخة عن طريق التخلّي عن المعتقدات والممارسات العنصرية وبالتشجيع إلى فهم الإنسان، وهذا ما أشار إليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تبّنته الأمم المتحدة عام 1948.
تُظهِر العنصريّة قبولًا لأبلغِ أشكالِ ودرجاتِ الفصل وأنَّ هذه الفروقات بين الجماعات كبيرة لدرجةٍ لا يمكن تجاوزها؛ وتخطَّت أيضاً كونَها مجرَّدَ كلمات ومعتقدات وأفعال؛ فهي تشمل كل ما يُعوّق الأفراد من التمتُّع بحياةٍ كريمة وتضمن لهم المساواة فيما بينهم بسبب عرقهم؛ بكونها تؤثر سلباً على الجميع فتدفعهم للشعور بالدونيِّة وأن لا قيمة تُذكر لهم.
ولعلّ أكثر الشخصيات تأثيرًا في الدفاع ضد التمييز العنصري هو مارتن لوثر كينغ ونقتبس شيئاً من خطابه الشهير "لدي حلم" I have a dream الذي ألقاه أمام جمع من المتظاهرين في أثناء قيادته مسيرة ضد العنصريّة في واشنطن March on Wasington - هذا الناشط الاجتماعي والوزير المعمداني الذي كرَّس حياته سعيًا لتحقيق المساواة ومنح الحقوق الإنسانية للأميركيين المنحدرين من أصولٍ أفريقية وضحايا الظلم جميعاً لاجئًا في ذلك للاحتجاج السلميّ، إذا كانت غايته أن ينعم شعبه بحياة كريمة خالية من أي مظهرٍ عنصريّ وأن تصدحَ الحريّة بأعلى صوتها في كلّ ركنٍ من بلاده..
"لديَّ حلم بأنّ أطفالي الأربعة سيحييون في أمّة لن يُحكم عليهم فيها تبعاً للون بشرتهم، وإنّما بما تنطوي عليه شخصيتهم.."
المصادر:
1. هنا
2. هنا
3. هنا
4. هنا
5. هنا