الفيزياء والفلك > فيزياء
لا، لم يتمكن العلماء من عكس الزمن عن طريق حاسوبٍ كموميّ!
لقد كانت العناوين مثيرة لدرجة الجنون في اليومين الماضيَين؛ إذ عنونت مجلّة (Newsweek) الخبر الآتي:
"تمكّن العلماء من العودة بالزمن اعتمادًا على حاسوب كمي"، أما مجلة (Discover) فقد عنونت المقال العاجل بـ: "تمكّن العلماء من عكس الزمن باستخدام حاسب يعود إلى شركة IBM"، في حين كان عنوان صحيفة ال independent: "تمكَّن العلماء من عكس الزمن في دراسة تُشكِّل تقدُّمًا مفاجئًا"، وقد ذهبت بعض الصحف والصفحات إلى تشبيه "الاكتشاف العظيم" بأفلام الخيال العلمي، والتعبير عن سعادة البشرية بتحقق حلمها.
والسبب وراء كل هذه الضجة هو ورقة بحثية تحمل العنوان المُستفزّ: "سهم الزمن وعكسه، اعتمادًا على حاسوب كموميّ من طراز IBM"؛ وفي هذه الورقة، ادّعى المؤلفون أنهم أدُّوا تجربة تفتح آفاق البحث -على حد تعبيرهم- نحو "التحقيق في عكس سهم الزمن وجعله يتدفق إلى الوراء."
وإذا كنت تواجه صعوبة في فهم كيفية إنجاز العلماء مثل هذا العمل على نحو مفاجئ، فلا تقلق لأنهم لم يفعلوا ذلك.
تُعَدُّ بعض النماذِج الفيزيائيّة البسيطة متناظرة زمنيًّا، ففكر -مثلًا- في أنموذج حاسوبي يُحاكي دوران الأرض حول الشمس، ليكون شكل كل من الأرض والشمس كرويًّا مثاليًّا، وراقب هذا النظام وهو يتقدم في الزمن، ودوران الأرض باتجاه عقارب الساعة؛ واعكس الزمن الآن، بدلاً من ذلك ستسافر الأرض في مدار عكس عقارب الساعة، ويبدو أنَّ كلا النموذجين واقعيان بالقدر نفسه.
أو تأمّل تسجيل فيديو يُظهِر تصادُم كُرات البلياردو، يمكنك تشغيل التسجيل في أيّ من الاتجاهين، وسيبدو مقبولًا.
ولكنْ تبدو الأمور في العالَم الحقيقي مختلفة بعد مرور الوقت، ومن بين الأمور العديدة التي تختلف بعد مرور الوقت، زيادة الانتروبيّة؛ إذ ينص القانون الثاني في التحريك الحراري (الثيرموديناميك) على أنَّ مستوى الانتروبية (الفوضى) في أي نظامٍ معزول يجب أن يزداد دائمًا، ويُعَدُّ هذا القانون من القوانين الأساسيّة التي ثَبُتت صِحتها لوقت طويل جدًّا، ويرتبط هذا القانون ارتباطًا وثيقًا بمفهوم سهم الزمن الذي يفرض على الزمن اتجاهًا واحدًا من الماضي إلى المستقبل. إنه قانون فيزيائي ومنطقي يفرض نفسه بقوة على كل شخص يتحلى بالمنطق.
إذن لم يتوصَّل الباحثون إلى السفر عبر الزمن، فما الذي فعله هؤلاء العلماء؟
إنّ الأمر مشابه للضغط على زر الإعادة في مُستعرض الفيديو، نعم هذا "يعكس تدفق الزمن" بطريقة ما، وقد يُتيح لك هذا رؤية تدفّق البخار مرّة أخرى في غلايّة شاي، أو إعادة تجميع كأس زجاجي مكسور تلقائيًّا من مجموعة من القطع المكسورة، فيبدو وكأنه "عمليّة عكسٍ لسهم الزمن"، وتصف الورقة المعنيّة نسخةً كموميّة من تجربة مقطع الفيديو هذا الذي يجري في الاتجاه المعاكس.
إنَّ التشبيه الأقرب لهذا هو العدسة، مثل العدسة التي نجدها في التلسكوب أو المجهر أو النظارات الطبية، ويمكن استخدام العدسة لتركيز الضوء القادم كخطوط متوازية من مصدر ضوئي بعيد في بؤرة العدسة، و"عكس" تلك العمليّة هي جعل الضوء ينتشر بالاتجاه المعاكس من بؤرة العدسة وينتشر بعدها كخطوط متوازية.
ويقول مؤلفو البحث -من معهد موسكو للفيزياء والتكنولوجيا، ومختبر أراغون الوطني في إلينوي- أنَّ دراستهم قد تُفيد في اختبار التناظر الزمني في البرامج الكموميّة.
هذا صحيح، لكن لا علاقة له بالسفر عبر الزمن.
يقول (سكوت آرونسون) -مدير مركز المعلومات الكموميّة في جامعة تكساس في أوستن-: "إذا كنت تحاكي عملية يمكن عكسها زمنيًّا على حاسوبك الشخصيّ، فيمكنك عكس اتجاه الزمن بمجرد عكس اتجاه المحاكاة الخاصة بك، وبعد إلقاء نظرة سريعة على الورقة البحثيّة، أعترف أنني لم أفهم كيف يصبح هذا أكثر تعقيدًا وعمقًا إذا ما أُجرِيَ على الحاسوب الكموميّ لشركة IBM."
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نقول؛ أنَّ العناوين الجامحة والمبهرة لا تضرّ بالحوسبة الكموميّة فقط، بل تُلحق الضرر بالعلوم ككلّ، عن طريق إقناع الجمهور أنَّ العلم مذهل لدرجة أنهم لن يفهموه، وكأن شرح تناقضات ميكانيكا الكم دون زخرفة مثيرة، لا يكفيّ!
ويكون هدف المواقع والمجلات من هكذا عنواين -غالبًا- هو جذب المزيد من القراء والربح السريع.
أما الزمن سواء أحببنا ذلك أم لا، فسوف يستمر.
المصدر: