الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
مقدمة في علم الجمال (الأستطيقا)
علم الجمال:
ويُطلَق عليه الأستطيقا (Aesthetics)؛ بمعنى الإدراك الحسي، ثم قُصر استخدامُها على العلم الذي يعرض المسائل التي يُثيرها تأمل الموضوعات الجمالية، وهو أحد فروع الفلسفة؛ فهو يُعنى بالنظريات الفلسفية التي تفسر تطور النظرة إلى علم الجمال وتبدلها؛ إذ يبحث علم الجمال أو فلسفة الفن في التعبير الجميل عما يدركه الإنسان، ويبحث في الصفات المشتركة بين الأشياء الجميلة التي تولّد الشعور بالجمال ويُحلل هذا الشعورَ تحليلًا فلسفيًّا، يتصل هذا العلم بالعديد من العلوم الإنسانية كالنقد الأدبي والفني، وبتاريخ الفنون وعلم النفس وعلم الاجتماع أيضًا، ويتصل بالفلسفة التي قدمت النظريات والرؤى الأساسية للجمال.
إلّا أنَّ هذا العلم حديث النشأة، فلم تتضح معالمه علْمًا مستقلًّا ولم يصبح فرعًا من فروع الفلسفة إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر عندما عرَّفه الفيلسوف الألماني باومجارتن Baumgarten باسم الأستطيقا وحدد موضوعه، وتركز دراسته على منطق الشعور والخيال الفني وبهذا يختلف الاختلاف كله عن منطق العلم والتفكير العقلي، وممن أكد هذا الاتجاه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (Kant)؛ في كتابه (نقد الحكم) (The Critique of Judgement)؛ عندما خلص إلى القول بأن الخبرة الجمالية لا ترجع إلى النشاط النظري الذي يقوم به الذهن والذي يحدد شروط المعرفة ولا إلى النشاط العلمي الذي يحدد السلوك الأخلاقي المعتمد على الإرادة ولكنه يرجع إلى الشعور باللذة الذي يستند إلى اللعب الحر بين الخيال والذهن.
ولكن هل معنى هذا أنّه لم يُتطرَّق إلى المسائل المتعلقة بالجمال من قبل عبر التاريخ؟
إنَّ التفكير الفلسفي الذي عُني بتعريف الجمال والفنون الجميلة كان موجودًا في اليونان منذ عصر سقراط وقبله أيضاً؛ فمثلًا كان أفلاطون يرى أنَّ الجمال موجود في عالم المثل، وكل ماهو جميل في الواقع إنّما هو آيلٌ للزوال ولا يرتقي إلى مستوى عالم المثل؛ كجمال الزهرة وغروب الشمس وسحر المقطوعات الموسيقية وإن كانت تتحقق فيها صفة الجمال إلا أنّها مجرّدُ محاكاة وتقليد "للجمال ذاته" حسب اعتقاد أفلاطون.
كيف يُحكم على شيء ما أنّه جميل؟
يرى كانط أن الجمال لا يرجع إلى الأشياء وإنّما مصدره الذات ولكنَّه مع ذلك ليس ذاتيًّا صرفًا وليس مجرد شعور سيكولوجي ولكن فيه صفات الكلية والضرورة، وفيه الشروط السابقة على الخبرة الحسية، والحكم على الجميل مختلف عند كانط عن الحكم على موضوعات العالم الخارجي لأنه حكم منعكس لا يقع على الأشياء الخارجية وإنّما يقع على الذات نفسها وما يجري بها إزاء الأشياء الخارحية، ذلك لأن الجميل لا يندرج تحت تصور معين من تصورات الذهن لأنه ليس حكمًا منطقيًّا ناتجًا عن تعميم لكنّه حكم خاص، فقولي هذه الزنبقة جميلة حكم مختلف عن قولي عن الزنبق كله جميل.
حدد كانط شروط الحكم بالجميل من حيث الكيف والكم والجهة والعلاقة، ولعلَّ أهم ما ترتب على نظريته الجمالية هذه هو تحديده ميدانًا خاصًّا مستقلًا عن مجال المعرفة النظرية من جهة ومجال السلوك الأخلاقي من جهة أخرى.
ما علاقة فلسفة الجمال بالفن؟
يستثني علم الجمال المُعاصر المجالَ الطبيعي من مجال النقد الفني لأنه ليس ثمرة الابتكار والإبداع الفني، فموضوعات الطبيعة كالزهور والبحار والطيور، وإن كانت تُثير بهجة الانسان وإعجابه، لا تكتسب قيمة جمالية إلا عبر الذوق الفني والرؤية المدربة التي تستخدمها مادةً للتعبير الجميل.
يُعنى علم الجمال بالقيم الجمالية كما تبدو عبر الأعمال الفنية، ويقول شارل لالو أحد كبار المفكرين في علم الجمال الفرنسي: (ليس للطبيعة قيمة جمالية إلا عندما تنظر إليها عبر فن من الفنون، أو عندما تكون قد تُرجمت إلى لغة أو إلى أعمال أبدعتها عقلية أو شكلها فن وتقنية Technique)؛ وبعبارة أخرى يتحوّل الجمال الطبيعي إلى موضوع للتذوّق الفني والحكم الجمالي عبر الرؤية الإنسانية المدربة التي تتذوقه وتبدعه، ولا تتخذ الأستطيقا الجمال الطبيعي موضوعًا لها إلا بقدر ما يكون هذا الجمال الطبيعي مشكّلًا عبر فن من الفنون ومجسدًا في تعبير فني، ونضيف على هذا رأي الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل بأن الجمال الفني هو أرقى من الجمال الطبيعي، إنّ جمال الفن هو "جمال متولد من الروح تُعاد ولادته من جديد وكلما ارتقت الروح ومنتجاتها فوق الطبيعة وظواهرها ارتقى أيضاً أكثر جمال الفن على جمال الطبيعة".
إذًا ما هو الفن؟
تقول الفيلسوفة الأمريكية سوزان لانجر-إحدى الشخصيات البارزة في القرن العشرين في مجال علم الجمال- في محاولة جريئة لتعريف الفن:
"الفن هو إبداع أشكال ترمز إلى المشاعر الإنسانية"، وقد قدّم الفيلسوف الإيطالي كروتشه تعريف الفن بما فيه من بساطة وغموض على أنَّه "التعبير عن الحدس"
ووفقًا لهيغل فإنَّ العمل الفني ليس نتاجًا طبيعيًّا، بل يؤدى عبر النشاط الإنساني.
الفن والمتعة:
يقودنا هذا الشرح إلى طرح السؤال الآتي: ما الذي نتوقع أن نحصل عليه من الفن؟ ليكون الجواب الأكثر شيوعًا هو المتعة واللذة، فكثير من الناس حين يرغبون في التعبيرعن أنَّ كتابًا أو فيلمًا سينمائيًّا أعجبهم يقولون إنهم قد استمتعوا به، ومن أشهر من تبنّى هذا الرأي الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم إذ يقول إنَّ المتعة التي نستقيها من الفن قضية متعلقة بإحساسنا، وليست صفة جوهرية فيه؛ فالأحكام عما هو "جيد" وماهو "رديء" في الفنَّ ليست أحكامًا بالمعنى الحقيقي على الإطلاق في رأي هيوم "لأنَّ الإحساس لا مرجع له خارج الإحساس، وهو دائمًا واقعي، سواء شعر الإنسان بذلك أم لا."
المصادر:
1. حلمي مطر، أميرة. مدخل إلى علم الجمال وفلسفة الفن، دار التنوير، القاهرة، ط1، 2014.
2. جراهام، غوردون. مدخل الى علم الجمال وفلسفة الفن، ترجمة محمد يونس، سلسلة آفاق عالمية، القاهرة، ط1، 2013.
3. هيغل، فريدريك. علم الجمال وفلسفة الفن، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، مكتبة دار الكلمة، القاهرة، 2009.
4. سعد، جلال الدين. معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، دار الجنوب للنشر.
5. الحنفي، عبد المنعم. المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط3.
6. هنا