التعليم واللغات > اللغويات
اللغة الفرنسية في المغرب العربي
الفرنسية هي إحدى اللغات التي يُتحدث بها على امتداد القارات في كوكبنا، وتحتل الفرنسية المرتبة التاسعة من بين اللغات الأكثر استخدامًا. هناك الآن نحو 175 مليون متحدث بالفرنسية في جميع أنحاء العالم، ويُعدُّ 115 مليون من المتكلمين قادرين على التواصل بها و60 مليون لديهم كفاءه جزئية في اللغة الفرنسية.
تتشارك القارتان العجوز والسمراء أعلى نسبة من السكان الناطقين بالفرنسية:
إفريقيا 46،3٪
وأوروبا 44٪ وفيما بعد تأتي القارات:
أمريكا 7،6%
آسيا 1،8%
أوقيانوسيا 0،3%
تجمع القارة الإفريقية أعلى عدد من السكان الناطقين بالفرنسية ولكن يصل عدد المتكلمين بالفرنسية في جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية إلى 39،500،000 (التقديرات لعام 1997)، وفي شمال إفريقيا، وبالأخص المغرب العربي، يوجد نحو 33،400،000 ناطقًا بالفرنسية (64% من التونسيين و57% جزائريين و41،5% مغاربة)، وأما في البلدان الناطقة بالعربية باتجاه المشرق فنجد لبنان، الذي لا يزال محور الفرانكوفونية (أي الدول الناطقة بالفرنسية)، بوجود نحو 1،500،000 متكلمًا بالفرنسية.
دفع تركُّزُ الفرنسية العالي في إفريقيا (هنري لوبيز) إلى المطالبة بأن يكون لإفريقيا وضع أفضل داخل المجتمع الناطق بالفرنسية، فهناك 35 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ناطقة بالفرنسية، منها 24 دولة إفريقية، ولهذا السبب يقول: "إذا احتفظت الفرنسية بوضعها لغة رئيسة في الاتصالات الدولية، فإنها مدينة بذلك لعدد البلدان التي تستخدمها وليس لعدد متحدثيها". وقد علّق كذلك بطرس بطرس غالي قائلًا: "52% من الفرنسيين سيصبحون قريبًا أفارقة، فاللغة الفرنسية يجب أن تصبح اليوم لغةً للمجتمع، أو صلة وصل بين عدة قارات".
ويركز برنامج الفرانكوفونية الذي قُدِّم في 18 و19 آذار/مارس 2004 في كلية اللغات والآداب الأجنبية في جنوى على عدة مواضيع، وخُصِّص قسم لاستخدام اللغة الفرنسية في المغرب الكبير من وجهة نظر لغوية وأدبية. إن استخدام اللغة الفرنسية في المغرب الكبير يقع في منتصف الطريق بين موقف مريح وغير مريح، وعلى الرغم من أن نسبة انتشار الفرنسية في جنوب الصحراء الإفريقية أعلى منها في المنطقة المغاربية، فإن النسبة المئوية للفرنسية "الحقيقية" الموجودة في المغرب العربي، مقارنة بمجموع سكانه، أعلى بكثير. ويدعونا هذا المؤشر إلى افتراض أن استخدام اللغة الفرنسية هي الأكثر شيوعًا في المغرب الكبير، وأكثر انتشارًا، وأكثر تشتتًا، وهذا في قطاعات مختلفة وبوسائل عديدة. إضافة إلى ذلك، يشير استعراض المنظمة الدولية للدول الفرانكوفونية (لعامي 2002-2003) إلى أن الفرنسيين وطدوا أساس اللغة الفرنسية في تونس والمغرب والجزائر، وأن هذا الارتباط يثير في هذه البلدان ماضيًا مؤلمًا مع فرنسا. وقد اقترن إنهاء الاستعمار بعمليه تحرر، وهي الانتقال من دولة التبعية إلى دوله الاستقلال الذاتي، وفي هذا الصدد أدت اللغة دورًا سياسيًّا، فالعودة إلى العروبة عنونت نهاية هيمنة اللغة الأجنبية.
السياسات اللغوية موضع تساؤل
وضع اللغة الفرنسية في المغرب والجزائر وتونس :
رسميًّا لم يُذكر استخدام اللغة الفرنسية في أي من دساتير هذه البلاد، فاللغة العربية هي اللغة الرسمية، ولم يذكر أي نص قانوني اللغة الفرنسية -عدا في مجال التعليم في تونس التي أدخلت اللغة الفرنسية ضمن مجال التدريس فقط.
انضمت تونس والمغرب تحديدًا إلى المنظمة الدولية للدول الفرانكوفونية على خلاف الجزائر، فقد دعي الرئيس بوتفليقة على شرف القمة التاسعة المنعقدة في بيروت، وعلى الرغم من أن الجزائر كانت واحدة من الدول التي تتكلم اللغة الفرنسية لكن سياستها الداخلية لم تسمح لها بالانضمام إلى المنظمة.
سياق تعدد اللغات
اتَّبع الاستعمار سياسة لغوية لمواجهة تعريب الدول المغاربية الثلاث، وجرى في الجزائر تقسيم استخدام اللغة الفرنسية، ما نجم عنه متطلبات متناقضة في عملية تعدد اللغات، وركزت تونس على السياسة اللغوية المبنية على اتجاهين: التعريب والحفاظ على اللغة الفرنسية، وفي الواقع تواجه البلدان المغاربية مسألة تعدد اللغات. ويظهر الترتيب العام للغات المستخدمة كما يأتي: العربية الفصحى والعربية الحديثة والعربية الوسيطة واللغة العامية واللغة البربرية (الأمازيغية)، واللغة الفرنسية هي خليط يجمع اللغتين الفرنسية والعربية، إذ تقترض واحدة من الأخرى.
وتتنافس اللغتان الفرنسية والعربية الفصحى لتكون اللغة الدارجة، وفيما يتعلق بالنظام التعليمي والإداري للحكومة والإعلام واقتصاد البلاد لم تُهمَل اللغة الفرنسية رغم أن العربية الفصحى هي اللغة الرسمية، لكن ذلك خلق العديد من المشكلات، إحداها مرتبطة باللغة العربية نفسها والأخرى متعلقة بالنزاعات السياسية والعرقية بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية البربرية. فاللغة الفصحى هي لغة القرآن الكريم والكتابة، وهي غالبًا بعيدة عن الشعوب الريفية التي تتكلم لغة أجنبية أخرى، وعلى الرغم من تطبيق السياسة التعليمية في البلدان المغاربية الثلاث لا تزال الأمية متفشية فيها، وحاولت اللغة العربية الفصحى مواكبة اللغة الحديثة لكنها لم تنجح في دمجِ الابتكارات التكنولوجية في العلوم في منظومتها اللغوية ومواكبةِ الحداثة التقنية والعلمية .
وعلى الرغم من عدِّ اللغة العربية لغةً فريدة ومشتركة بين الدول العربية لا تزال بعيدة عن أن تصبح موحدة، وذلك لارتباطها مع المناطق المتنوعة، ما يجعلها قابلة للتجديد عن طريق استيعاب مصطلحات جديدة من العلوم والتكنولوجيا، لكن التنوع الثقافي بين مختلف الدول العربية لا يسمح لها بابتكار منظومة لغوية جديدة. وفي الواقع لا تتفق الاستخدامات اللغوية في البلدان المغاربية مع الاستخدامات في الدول الخليجية والشرق الأوسط، بل هي أقرب إلى المصطلحات الإنكليزية، وفي النهاية حاولت اللغة الدارجة أن تطغى على العربية الفصحى وأدخلتها في خلافات مع اللغة العامية والبربرية.
تبقى اللغات الفصحى ذات مكانة لا يمكن أن تحتلَّها اللهجات، فالمتشددون في اللغة العربية يرون أن أية محاولة للكتابة باللهجة هي تعدٍّ على اللغة العربية الفصحى، واستُبعدت اللهجتان العربية والبربرية من الخطابات الرسمية، ولا تزال اللغة الفرنسية ذات قيمة إلى جانب اللغة العربية في البلدان المغاربية، ويبقى الموضوع مبهمًا فيما يتعلق بالتعددية اللغوية البارزة في هذه البلدان.
لغات التعليم
تشيرُ النصوص الدستورية إلى أن التدريس في المغرب هو باللغة العربية، ومع ذلك تُدرَّسُ اللغة الفرنسية هناك في سنٍّ مبكرة، تبدأ من السنة الثالثة في المدرسة الابتدائية في تونس، من 9 إلى 10 ساعات في الأسبوع، وتستمرُ حتى 12 ساعة في السنة الأخيرة من المدرسة الابتدائية، وفي المغرب من السنة الثالثة نحو 8 ساعات في الأسبوع، في حين تصل ساعات تدريس اللغة الفرنسية في القطاع الخاص إلى 15 ساعة في الأسبوع، ويبدأ تدريس الفرنسية في السنة الثالثة من المرحلة الابتدائية في الجزائر. ويذكر موقع وزارة التربية الوطنية الجزائرية أن معدل تدريس اللغات الأجنبية بالساعة في الكليّات لا يزال 23٪ من وقت التدريس السنوي، في حين أُعطيت اللغة العربية 16،8٪ والرياضيات 17،8٪ إذا ما قارناها بالنسبة المئوية لساعة تدريسِ اللغة الأجنبية في الجزائر، وتحصل الفرنسية من بين اللغات الأجنبية على أكبر حصة، وذلك يزيد على ضعفي ما في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتُدرَّسُ المواد الفنية والعلمية في البلدان المغاربية الثلاثة مع مصطلحاتها الخاصة والتربية البدنية باللغة الفرنسية منذ السنة الأولى من المرحلة الثانوية.
أما في الجامعات فلا يوجد قانون ينظم التعليم الجامعي؛ إذ لا توجد جامعة تُدرَّس فيها اللغة الفرنسية في جميع الكليات لا في المغرب ولا في الجزائر، ولكن يوجد في كل منها فروع تُدرَّس بالفرنسية، خصوصًا في المغرب حيث يوجد أكثر من 600 قناة تعليمية يُدرَّس فيها بالفرنسية، مقسمة بين العلوم والآداب والعلوم الإنسانية، وتضم أكثر من 8000 طالب، ومن ناحية أخرى هناك في تونس جامعات تقدِّم التعليم كاملًا باللغة الفرنسية.
المغرب هو الدولة الوحيدة التي تضع مؤشرًا عن التعليم الخاص على موقع الجامعة، وذلك بتقديم إحصائيات عن عدد الكليات والمدارس الثانوية الخاصة المُلزمة باحترام ساعات التعليم العام (المدارس الحكومية)، أما البرامج التعليمية فهي ليست ملزمة باتباع لوائح التعليم العام، وهذا هو السبب في أن جميع المؤسسات الراقية تقريبًا تُطبِّق برامج البعثة الفرنسية وتستخدم كتيِّبات التدريس باللغة الفرنسية الرسمية؛ لكن الجامعة الخاصة الوحيدة في المغرب (الأخوين) تُدرَّس غالبية موادها باللغة الإنكليزية.
ومع ذلك يلاحظ اللغويون أن اللغة العربية ضرورية دون تهديد استقرار اللغة الفرنسية في المدارس الثانوية والجامعات؛ إذ تحتكرُ الفرنسية العلوم أما العربية فتستحوذ فقط على المواد الأدبية، وهذا يعطي الفرنسية مكانة عالية بصفتها لغة الحداثة، ولغة التعليم والنخبة، ولغة الفرص المهنية، ولغة اكتساب المراكز.
وفقًا للمرصد الإقليمي للفرنسيين في العالم العربي OREMA)) يجب عدُّ اللغة الفرنسية في البلدان المغاربية لغة ثانية وليس لغة أجنبية وفقًا للمؤشرات الثلاثة التي تضفي الطابع الرسمي على اللغة الثانية: ألا وهي التعليم المبكر، وإلزامية هذا التعليم، وعدد ساعات قريب جدًّا من اللغة الرسمية.
أعلن الحبيب بورقيبة، الرئيس التونسي والمدافع القوي عن اللغة الفرنسية لكونه مؤسسًا للفرانكوفونية: "سيجب علينا متابعة اعتماد الفرنسية وسيلة للتقدم، هذه اللغة سوف تساعد تونس على الخروج من التخلف واللحاق بالدول المتطورة".
منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من مختلف إصلاحات التعليم عمومًا والفرنسية خصوصًا، اختارت تونس دائمًا اللغة الفرنسية، وتؤكد البرامج الرسمية للتعليم الثانوي الفرنسي هذه النقطة: ففي التعليم الثانوي الفرنسية هي اللغة المشتركة لعدد كبير من التخصصات، كالرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا والاقتصاد والمحاسبة والرياضيات المالية.
لجميع الأسباب المذكورة، لا تزال الفرنسية اللغة الثانية المميزة وتتمتع بوضع خاص في التعليم وبعض القطاعات الاقتصادية، هي أيضًا لغة متداولة منذ لحظة تقديمها إلى المستخدمين من مختلف المناطق ومن مختلف البلدان، إنها لغة لا مثيل لها متجاوزة في بعض الأحيان اللغة العربية الكلاسيكية.
المصادر: