الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة
فلسفة الفن
فلسفة الفن: قد يبدو موضوعاً مثيراً ومُملاً في الوقت نفسه، وخصوصاً لدى من يلجأ إلى الفن عوضاً عن القراءة أو الكتابة أو الفكر أيضاً، وفقاً لتعريف كروتشه للفن أنه حدسي.
عندما يتعلق الأمر بالفن، أو الاستمتاع به، فإن ثلاثة ألفاظ رئيسة تبرز هي: الفن والاستطيقي والجمال، فمن البداية نحن نحاول أن نصل إلى معانٍ واضحةٍ ودقيقة لهذه الألفاظ التي يكثر الناس من استخدامها دون دقة أو تفكير، فعندما يعجبون بعمل ما فإنهم يعبرون عن هذا الإعجاب بالقول: "إنه عمل فني رائع" أو "استطيقي" أو "جميل" وبهذا فإنهم يخلطون بين ثلاثة أنواع من الوقائع يختلف كل منها عن الآخر الاختلاف كلّه، والواقع أن لفظ الفن له دلالة غير لفظ جميل، وغير دلالة استطيقي، فلفظ الجمال يشير إلى جاذبية الأشياء أو قيمتها، أما لفظ استطيقي فهو يشير إلى إدراك الموضوعات أو النشاطات الفنية، أما لفظ الفن الذي سوف ندرس موضوعه، فيشيرُ إلى خلق الموضوعات أو إنتاجها عن طريق نوع من الجهد البشري، وفي هذا الإطار يمكن أن نتكلم عن الفنان الخلّاق وعن نتاج عمله وهو العمل الفني.
يُعرفُ الفن بمعناه العام بكونه جملة من القواعد المُتبعة لتحصيل غاية معينة أجمالاً كانت أو خيراً، أو منفعةً، أمّا الفنُّ بمعناه الخاص فيُطلق على جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة الشعور بالجمال، كالتصوير والنحت والنقش، والعمارة والشعر والموسيقى وغيرها، وتُعرف فلسفة الفن بكونها دراسة الفن بطبيعته متضمنةً ما فيه من مفاهيمَ تفسيريَّةٍ وتمثيلية وتعبيرية وشكلية وهي بذلك أقربُ ما تكون إلى علم الجمال (الدراسة الفلسفية للتذوق والجمال) و كثيراً ما يُخلط بين النقد الفني وفلسفة الفن علماً أنَّه ثمَّةَ تمايزٌ جوهريٌّ بينهما، فبينما يحكم الناقد الفني على عملٍ فني إذا ما كان معبراً أو لا؛ يسألُ فيلسوف الفن: "ما المقصود بالقول: إنَّ العملَ الفنيَّ معبرٌ، وكيف استطعنا تحديد ذلك، ووفقاً لأيَّةِ معايير؟ أو ما الذي نعنيه عندما نقول: إنّ العمل له قيمةٌ من الوجهة الجماليّة؟ وما هي وظيفةُ الناقد الفني؟ وهل من الممكن للنقد أن يزيد من المتعة الجمالية؟
يوفِّرُ فيلسوف الفن المفاهيم والأسس للنقد الفنيِّ عن طريق دراسة المفاهيم الأساس التي تقوم عليها أنشطة الناقد الفني لتمكنه من نقد الفنون بطريقة لا تخلو من الوضوح أولاً، والتوصل إلى استنتاجاتٍ حقيقية فيما يخص الفن والقيمة الجمالية والتعبير ومفاهيم أخرى يستخدمها الناقد ثانياً.
فالفنُّ يُقدُّم لنا-وفقاً لأرسطو- نماذجَ وصوراً مشتقةً من القوانين العامة التي تحكم الطبيعة فالشعر مثلاً نجده يترفع عن المعاني الحسية الملموسة ولا يصف الأمور كما هي في واقعها السهل تداولاً، ولكنَّه يتسامى ويصيغ هذه المعاني -القريبة تداولاً- صياغةً لا تخرج بها عن حقيقتها، بل تسمو بها إلى مستوى عالٍ من الأداء العقلي والفني، وفي كتاب "نقد الحكم" يرى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط عالمَ الفن الجميل وسطاً بين العالمين الحسيِّ والعقليِّ؛ أيْ حلقة اتصال ما بين العقل النظري والعقل العملي أو بين العلم والأخلاق، فمثلما نرى أنَّ موضوع العلم هو الحقيقة الخالصة وموضوع الأخلاق هو الفضيلة يرى كانط أن موضوع الفن هو الجمال والجلال.
تصدى العديدُ من علماء الجمال والفلاسفة للفن، وصاغوا له مبادئَ ونظرياتٍ بدءاً من أفلاطون وأرسطو إلى هيجل وكروتشه وشلنج وهيوم، وتطرَّقَ الفنانون بدورهم إلى الكثير من الأمور الفلسفية ودرسوا المشاكل الفكرية المعقدة حتى كاد التباعد بين الفن والفلسفة يضيق ويتلاشى، فتركوا آثاراً قد تكون أحياناً نظاماً فلسفياً كاملاً؛ ففي أوروبا الحديثة فرض عصر التنوير نفسه على الاتجاهات الأدبية والفنية حيث فاحت منها رائحة الفلسفة، كمسرحية Oedipe لفولتير، ومسرحيات الكاتب الفرنسي ديدورو التي أبدعها بأمهات* المسائل الفلسفية، وعلى صعيد الرسم في العصر الحديث عكس بيكاسو في لوحته "غورنيكا" فلسفة القوة التي كادت تحطم المدينة الحاضرة عقب الحرب الإسبانية عام 1937.
لماذا فلسفة الفن؟
ومع أنَّ الفلسفة غالباً ما تدرس المسائل الفنية دراسةً جافةً، إلا أنها تدرسها دراسةً لا تخلو من المتعة والسمو الفكري، إذ إنَّ للبحث الفلسفي أهميّةً وقيمة كبيرة لا من حيث هو تحليل فكري فحسب، بل لأنه يزيد من استمتاعنا بالموضوعات الفنية، ويوسع فهمنا لها، ويفتح أمام الناقد والمتذوق آفاقاً جديدة يطل منها على ميدان الفن، حتى إنَّ علم الجمال بالذات لم يكن ليبصر النورَ لولا الفلسفة، وأشار بول فاليري إلى هذا بقوله: "وُلِدَ علم الجمال ذات يوم من ملاحظة فيلسوف وشهيته".
*أمهات: لغوياً؛ لفظ خاصٌّ بالعاقل أمّا لفظ "أُمّات" فهو ما يدل على غير العاقل، وقد تركناها على حالها "أمهات" لتفهم في سياقها دون إرباك القارئ.
المصادر:
1. هنا
2. محمد علي أبو ريان، فلسفة الفن ونشأة الفنون الجميلة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1991
3. رياض عوض، مقدمات في فلسفة الفن، جروس برس، طرابلس.لبنان 1994
4. جميل صليبا، المعجم الفلسفي.الجزء الثاني، الشركة العالمية للكتاب، بيروت.لبنان 1994
5. كروتشه، المجمل في فلسفة الفن، ترجمة.سامي الدروبي، المركز الثقافي العربي، بيروت 2009