منوعات علمية > العلم الزائف
علم فراسة الدماغ (الفرينولوجي): شخصيتك من شكل دماغك !؟
اعرف شخصيتك من لون عيونك
اعرف صفاتك من اول حرف باسمك
اعرف ما هي مشاعرك وقدراتك من خلال جمجمتك!
هيك جمل ساذجة بتمرق علينا كتير، بس بتتخيلوا انو في شي شبيه فيها كان بيوم من الأيام يعتبروه علم حقيقي، وفي ناس مختصين فيه، اعتقدوا انو كل ملكات الإنسان الفكرية ممكن معرفتها من شكل راسه!
خلينا نشوف شو قصة هالحكي
الفرينولوجيا "Phrenology" أو علم فراسة الدماغ، هو من أكثر العلوم الزائفة جدلية وتعرضاً للرفض والنقد العلمي والعام. بالتعريف الفرينولوجيا هي علم زائف يدرس الرابط بين شخصية الإنسان وشكل جمجمته. أي ببساطة يدعي معتنقو هذا العلم أنّ بمقدورهم معرفة كلّ شيء تقريباً عن شخصيتك وطباعك وميولك عن طريق دراسة دقيقة ومفصلة لشكل جمجمتك..
تتألف كلمة الفرينولوجيا "Phrenology" من الكلمة اليونانية "phrēn" وتعني العقل "mind" و "logos" وتعني المعرفة "knowledge" وبهذا تكون الترجمة "المعرفة العقلية".
تعود بداية هذا العلم للفيلسوف أرسطو الذي بدأ بمجرد بعض الملاحظات والتعليقات ذات المصدر الحدسي عن أن لشكل الرأس علاقة بشخصية الإنسان، وبعد أرسطو ينقطع البحث العلمي في هذا العلم ويقتصر الأمر على العرافين والوسطاء الروحيين الذين انتشروا بشكل كبير في أوروبا في العصور الوسطى. أول دراسة علمية يمكننا وضعها تحت اسم الفرينولوجيا هي التي قام بها الكاتب والفيلسوف واللاهوتي السويسري جوهان لافاتر (1741-1801) حيث قام بنشر عدة مقالات في ما سماه وقتها "physiognomy" أو -علم دراسة الوجوه- ولكنه بالطبع لاقى معارضةً شديدة.
ولكنّ المؤسس الحقيقي للفرينولوجيا والذي أطلق عليها هذه التسمية هو الطبيب وعالم التشريح الألماني فرانز غول (1758-1828)، وهو أول من اكتشف المادة البيضاء والمادة الرمادية في الدماغ وعرف كلاً منهما ووضح الفرق بينهما في أماكن التوضع والتركيب. أوضح "غول" بعدة تجارب أن لشكل الجمجمة علاقة بتوزيع ما سماه "الملكات الفكرية" للإنسان من حبٍّ وعطفٍ وما إلى ذلك. وفي عام 1861 أثبت الطب التشريحي على يد الجراح الفرنسي بول بروكا أنّ هناك تخصصاً في وظائف الدماغ بحيث لكلّ منطقةٍ فيه وظيفة محددة، ولكن هذا بالطبع لا يثبت أنّ لشكل الجمجمة علاقة مباشرة بالملكات الفكرية، ورغم ذلك، وضعت على يد "غول" قواعد لعلم الفرينولوجيا والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
- أن الدماغ هو مركز النزعات الطبيعية أو الميول ومركز العاطفة والوجدان ومركز ما سميناه الملكات الفكرية.
-كلّ تلك الميول والعواطف والملكات الفكريّة فطريّةٌ اي أنها تولد مع الإنسان ولا تتأثّر بالبيئة.
-يقسّم الدماغ إلى عددٍ من "الأعضاء" المتخصصة التي تقع على السطح الخارجيّ للدماغ (حوالي 26 عضو).
-لكل عاطفة أو ملكة فكرية عضو معين مسؤول عنها في الدماغ، يعبر كبر حجم هذا العضو أو صغره أو شكله الخارجي على المقدرة العامة للشخصية على التمتع بهذه الصفة الفكريّة.
- على سبيل المثال هناك عضو سماه "غول" بـ عضو الإجرام، إذا امتلكه الإنسان فهو دليل على كونه مرشحاً بشدةٍ لامتلاك رغباتٍ اجرامية والقيام بجريمةٍ ما!
أضاف العالم الفرينولوجي جورج كومب (1788- 1858) أعضاء دماغيةً إضافية فيما اعتبر في حينها تطويراً وزيادةً في دقة هذا العلم، مثل عضو الروحانية، وعضو الذكاء، ورسم مخططاتٍ وتقسيماتٍ دماغية دقيقة لتمييزها.
ولاحقاً قام الطبيب النفسي البريطاني بيرنارد هولاندر (1864-1934) بكتابة العديد من الكتب في هذا المجال الذي اكتسب الكثير من الشعبيّة في وقته، وعدّد حوالي 37 ملكةً فكريةٌ يمكن فحصها ومعاينتها ببساطةٍ عن طريق النظر إلى جمجمة الإنسان وقياس أبعادها!
وفي عصر ازدهار هذه العلوم، أصبح الناس مقتنعين تماماً أنّ "النزعة للخير" قد توجد لديك او لا توجد لديك بحسب امتلاكك للعضو الخاص بها وحجمه!، أو أنّ "الثقة بالنفس" يمكن معرفتها بقياس أبعاد جزء الجمجمة الذي يقع عضو "الثقة بالنفس" تحته!
لاحقاً، قام البروفيسور البلجيكي بول بوتس (1900-1999) بدراسةٍ معمقة حول الفرينولوجيا من خلفية تربوية، حيث أظهر أنّ كون الملكات الفكرية فطريّة وغير قابلةٍ للتغيير هي فكرة خاطئة، وللتربية والمحيط أثرٌ أيضاً في تكوين وتطور الملكات الفكرية للفرد، وساهمت دراساتٌ كهذه في نشر هذا العلم في بلجيكا والبرازيل وكندا وتقديم الاحترام له من قبل الوسط العام.
؟
في عام 1983 أنشأ بيتر كوبر ما يسمى بـ "The London Phrenology Company" التي اعتبرت المصدر والمكان الرئيسي للذين يهتمون بالفرينولوجيا، حيث تقدم لهم هذه الشركة كل ما يحتاجونه من أدوات وتماثيل فرينولوجية ومعلومات وكتب حول هذا العلم.
إنّ هذا العلم الزائف يبدو لنا حالياً –ولأيّ طبيب أو دارسٍ للطب العصبيّ- علماً ساذجاً. وقد نشعر أنّ الجهود التي بذلت فيه جهودٌ غير نافعة ومضللة، فنحن الآن أصبحنا في عصر المرنان المغناطيسي الوظيفي FMRI وغيره من التقنيّات عالية الدّقة التي لا زالت في طور التطوير لإعطائنا فهماً أدق عن وظائف الدماغ، وأصبحنا نفهم تماماً أنّ عمل الدّماغ شديد التعقيد ويتميّز بالتداخل بين عمل عدّة مراكز عصبية معاً لا زلنا نجد –حتى الآن- صعوبةً في فهمها، وهي بالتأكيد غير مرتبطةٍ بالنتوءات والأبعاد الخارجية للجمجمة، كما أنّ تغيّرات الدماغ واكتساب المهارات لا تؤثّر على الشكل الخارجيّ للجمجمة.
كلّ هذا قد يجعلنا نحمل نظرةً سيئةً تجاه هذا العلم الزائف، ولكننا يجب ألا نهمل فضل اولئك الباحثين في تطوّر علوم دراسة الدماغ والعلوم الطبيّة العصبية، فقد قاموا بأدواتهم البدائية ونظرتهم السطحيّة بالتأثير على طريقة تفكيرنا ونظرتنا تجاه الدماغ ووظائفه، فكانوا من الاوائل في محاولة إثبات قدرة الإنسان على فهم ذلك العضو المعقّد بدلاً من الوقوف عاجزين أمام تعقيده.
بإمكاننا القول أنّ هذا العلم الزائف هو مثالٌ واضح على التحوّل التاريخي -الذي كثيراً ما يحدث- للمعرفة المبنية على الحدس والتجارب غير المنهجية، والتي تحوّلت لاحقاً بعد تطوير أدواتها واعتناقها منهجيّة علمية صحيحة إلى علم مثبتٍ حقيقيّ تفرّع إلى فرعين: علم النفس والعلوم العصبيّة.
تقول الحكاية أنّ رجلاً عجوزاً جمع أولاده وهو على سرير الموت وأخبرهم انّه دفن في الحقل كنزاً ثميناً لهم.. قضى الأولاد اياماً طويلة وهم يحفرون في الحقل ويقلّبون التربة بحثاً عن ذلك الكنز، ولكنهم حين انتهائهم من العمل لم يجد الابناء كنزاً، بل حقلاً محروثاً تربته مقلّبة وجاهزة للزراعة..
وهذا ما فعله علماء الفرينولوجي في بحثهم عن المعرفة. صحيحٌ أنّهم لم يتوصلوا بنفسهم إلى الكنز (وهو الحقائق العلميّة في هذه الحالة)، ولكنّ ما توصلوا له برغم ذلك كان عظيم الفائدة حيث مهّد الطريق أمام العلماء الذين أتوا بعدهم.
أخيراً من الجدير بالذكر أن الحكومات الفاشية كحكومة الرايخ في ألمانيا بقيادة الدكتاتور هتلر استخدمت بعض مفاهيم علم تشكيل الوجوه والجماجم للمساعدة في الفصل العرقي للآريين عن غيرهم من الشعوب، وهذا ما أعطى صورة سيئة لهذا العلم على النطاق العام. كما استخدمت المستعمرات البلجيكية في راوندا في ثلاثينيات القرن العشرين علم الفرينولوجيا لإثبات تفوّق بعض المجموعات العرقية على بعضها في جنوب ووسط إفريقيا.
تشبه قصة الفرينولوجيا قصة أي علم زائف سبق ودرسه البشر واهتموا به إلى أن ثبت خطؤه وقام المتهج العلميّ السليم بوضعه في مكانه الصحيح واستبداله بالعلم المثبت، ولكنّه للاسف لا يزال حتى الآن قابلاً للتصديق من قبل الكثيرين، وله مؤيدون في كثيرٍ من البلاد.
فهل تعرفون أحداً لا يزال يؤمن بالفرينولوجي؟
المراجع: