الطب > مقالات طبية
دور الميكروبيوتا في المناعة المتأصلة Microbiota role in innate immunity
قال رينيه دوبو Rene Dubos: "إن حالة الصحة أو المرض ما هي إلا عبارة عن نجاح المتعضية أو فشلها في استجابتها للتأقلم مع تحديات البيئة المحيطة".
يعيش الإنسان في بيئة واحدة مع متعضيات صغيرة Microorganisms عديدة ويحتاج إلى آليات دفاعية مناعية فعالة.
يقسم الجهاز المناعي عند الإنسان إلى قسمين أساسيين: المناعة الغريزية أو المتأصِّلة Innate، والمناعة المكتسبة Acquired. تُعدُّ المناعة المتأصِّلة خطَّ الدفاع الأول وتستجيب بسرعة لمنع أيِّ غزوٍ ميكروبيٍّ، وتكمن أهمية المناعة الغريزية بعدِّ الوقت اللازم لتضاعف أغلب البكتريا هو 30 دقيقة - ساعة، وفي أثناء ساعة واحدة يمكن أن يصل عددها إلى 20 مليون ميكروب؛ مما قد يعني حدوث خمج خطير مُتكامل، وفي هذا الوقت القصير تتصدَّى عناصر المناعة المتأصِّلة للغزو الميكروبي. في حين تحتاج المناعة المكتسبة أيامًا أو أسابيع لتطوير استجابة مناعية نوعية. ويمكن القول أن المناعة المتأصِّلة تحمي المضيف في الفترة ما بين التعرض للميكروب وبين حدوث الاستجابة المناعية المكتسبة.
تنقسم عناصر المناعة المتأصِّلة إلى:
1- مكونات خاصة بالمضيف Host: كالحواجز الفيزيائية (الجلد والأغشية الظهارية)، والإنزيمات والبروتينات الالتهابية، والخلايا المفرزة للسيتوكينات، والبالعات.
2- الميكروبيوتا Microbiota.
الميكروبيوتا البشرية Human Microbiota:
هي مجموع البكتريا، والفطور، والفيروسات، والمتعضيات المجهرية الأخرى التي تعيش داخل جسم الإنسان أو على سطحه، يمكن عدَّها جزءًا من الجهاز المناعي المتأصِّل Innate.
توجد الميكروبيوتا أساسًا في أمعاء الإنسان وتحوي من 10-100 ترليون خلية، ويعني هذا أن عددها قد يفوق عدد خلايا جسم الإنسان 10 أضعاف؛ وبذلك يحمل تنوعًا جينيًّا يفوق التنوع الجيني للجينوم البشري.
يطلق مصطلح الميكروبيوم البشري Human Microbiome على مجموع المادة الجينية للميكروبيوتا البشرية. والميكروبيوم فريد من نوعه حتى في التوائم المتماثلة؛ فهو يُقدِّم فرصة لزيادة الدقة في تحديد الهوية.
يمكن لنمط حياة الشخص المضيف (النظام الغذائي، والعمل، والسفر، واستخدام الأدوية) أن يُؤثِّر في تكوين الميكروبيوم وبِنيته.
إن الدراسات المجراة على الحيوانات التي أُجريت تنشئتها دون الميكروبيوتا (وسُمِّيت بالـ Free Germ) أظهرت أن الميكروبيوتا تؤدي دورًا حاسمًا في تطور البِنى اللمفاوية؛ وهذا ما ظهر جليًّا في السبيل الهضمي؛ فقد تبيَّن أن:
- هذه الحيوانات أظهرت حجمًا أصغر لبقع أو لطخات باير Peyer’s Patches مقارنة بالحيوانات التي لديها ميكروبيوتا.
- عدد الخلايا التائية إيجابية الـ CD4: أقل عند المجموعة الخالية الميكروبيوتا.
- عدد الخلايا البلازمية المفرزة للـ IgA: أقل عند المجموعة الخالية الميكروبيوتا.
- تؤدي الميكروبيوتا دورًا فعالًا في تنشيط عمل الجهاز المناعي وإنضاجه وتنظيمه، وخاصة المتأصل؛ وذلك عن طريق:
تحريض إنتاج ببتيدات مضادة جرثومية Antimicrobial peptides من قبل الخلايا الظهارية، ثم إن الميكروبيوتا تُنتج مضادات جرثومية موجَّهة ضد الميكروبات الممرضة، من الميكروبيوتا الموجودة طبيعيًّا في الجلد: المكورات العنقودية السلبية الكو أغيولاز Co- Agulase negative Staph. وتُنتج هذه الأخيرة ببتيدًا مضادًّا جرثوميًّا يُثبِّط نموَّ المكورات العنقودية المذهبة Staph. Aureus. إن ذراري المكورات العنقودية السلبية الكو أغيولاز تكون ناقصة العدد على نحو ملحوظ عند مرضى التهاب الجلد التأتبي Atopic dermatitis؛ مما يُوحي بدور الميكروبيوتا في الحماية من اضطرابات مناعية معينة في الجسم.
تزيد الميكروبيوتا من ترابط الاتصالات بين الخلايا وخاصة في الجلد لمنع الاختراق من قبل العوامل الممرضة المختلفة.
تتنافس الميكروبيوتا مع العوامل الممرضة على الغذاء، ثم إنها تُحرِّض على زيادة استقلاب المغذيات في الأمعاء ليسهل امتصاصها Nutrient Acquisition؛ وهكذا فإنها تُساعد على منح المضيف مغذياته الأساسية إضافة إلى دورها المناعي. إن ضعف الميكروبيوتا في الأمعاء لسبب ما يجعل المضيف معرضًا بشدة للخمج بميكروبات معوية مثل VRE/ Salmonella typhimurium. ومن المعرف أن VRE (مثلها مثل C. Difficile ) هي سبب شائع للإسهال المرافق الصادات الحيوية، وهو بدوره إسهال صعب العلاج بالصادات الحيوية. وأظهرت بعض التجارب أنه يُمكن التخلص من بكتريا VRE عن طريق إدخال الميكروبيوتا أو منتجاتها مثل LPS في فئران التجارب.
تُعدِّل الميكروبيوتا عمل الخلايا التغصنية Dendritic Cells على نحو أفضل؛ مما يُحسِّن من عمل الخلايا B،T وارتكاسها تجاه العوامل الممرضة؛ وهكذا فإنها تُعزِّز دور المناعة المكتسبة.
تنافس الميكروبيوتا على أماكن الاستعمار مع الميكروبات الممرضة؛ وهذا ما يدعى منع الاستعمار أو مقاومته Colonization Resistance.
إذا استطاع العامل الممرض اختراق الحاجز الدفاعي الأول (الجلد أو الأغشية المخاطية)؛ فإن الميكروبيوتا تُعزِّز إفراز IL-1B الذي يجذب الخلايا الالتهابية إلى الموقع، ثم إنها تُعزِّز إفراز IL-22من قبل الباعات والوحيدات؛ وهذا ما يُعزِّز مقاومة الأغشية المخاطية للخمج.
الخلاصة: إنَّ تغيير التركيبة الجرثومية للمايكروبيوم البشري أو تغيير تنوعه أو مستقلباته قد يُسبِّب ضعفًا في مناعة المضيف، وتعرُّضه لأمراض مناعية أو خمجية متنوعة.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا