المعلوماتية > عام
الاحتيال في العملات المشفَّرة
كان ظهور العملات المشفَّرة (cryptocurrencies) في الآونة الأخيرة متذبذًا للغاية؛ ففي عام 2017م ارتفعت قيمة الـ(Bitcoin) -إحدى أشهر العملات المشفَّرة- من 900$ لتصل قيمتها إلى 20,000$؛ أي ارتفعت 23 ضعفًا تقريبًا، لكن لم يدم هذا الارتفاع طويلًا؛ إذ سرعان ما انخفضت قيمتها انخفاضًا كبيرًا لتستقر على 4,000$ تقريبًا في نهاية عام 2018م.
ساهم هذا كلُّه في ظهور مزيدٍ من العملات المشفَّرة؛ إذ يُقدَّر عددها اليوم بـ 1000 عملة، ويأمل البعض أن تحقِّق النجاح الذي حقَّقته الـ(Bitcoin)، وقد تضخَّمت أسعار بعض هذه العملات لاحقًا تضخُّمًا كبيرًا، في حين كان بعضها الآخر لا يساوي شيئًا.
ولمَّا كانت العملات المشفَّرة تمكِّن الشخص الذي يتداولها من إخفاء هويته -كونها تعتمد طريقةَ التشفير من نهاية إلى نهاية (end-to-end encryption)؛ أي أنَّ المعلومات تُشفَّر قبل إرسالها ويكون فكُّ تشفيرها من قبل المُستقبِل -حصرًا- فالمُستقبِل والمُرسِل هما الوحيدان اللذان يمتلكان مفتاحَ التشفير- أثارت اهتمام المجرمين لممارسة نشاطاتهم غير القانونية وعمليات الاحتيال.
وأصبحت هجمات "الارتفاع والانحدار" والتي تُعرف بـ(Pump-and-Dump Scheme) شائعة جدًّا في الآونة الأخيرة جنبًا إلى جنب مع مخطَّطات بونزي (Ponzi)؛ والتي اشتُهرت بالشركات ذات الربح الهرمي -لعلَّك قد خُضت تجربةً مع أحد ضحاياها يدعوك إلى الانضمام وتحقيق أرباح طائلة دون بذل أيِّ جهد!- ولم يكن أحد يعلم كيف يُخطَّط لها أو متى تحدث!
لكن مؤخَّرًا؛ استطاع الباحثان جياهوا شو (Jiahua Xu)، وبنيامين ليفشيتس (Benjamin Livshits) في إمبريال كوليدج في لندن (Imperial College London) دراسةَ عمليات الـ(Pump-and-Dump) في أسواق العملات المشفَّرة، ونشرا تقريرًا يشرح آليةَ عملها.
والآن، لنتعرَّف قليلًا هذه العمليات..
تُعَدُّ (Pump-and-Dump) عمليةَ احتيال شائعة في الأسواق التقليدية، لكنَّها برزت مؤخَّرًا في أسواق العملات المشفَّرة، ولكن متى تبدأ؟!
في البداية يعزم المخطِّطون لها على اختيار إحدى العملات المشفَّرة غير المعروفة وبَخِسة القيمة، ثمَّ يعملون على تجميعها وشرائها من أجل زيادة معدَّل تداولها زيادةً ملحوظة، بعد ذلك؛ تُنشر إعلانات وأخبار في القنوات المخصَّصة لذلك في وسائل التواصل الاجتماعي مثل قنوات التلغرام (Telegram) والتي تُعَدُّ مناسبةً جدًّا لهذه الأمور، فكلُّ عمليات الإرسال والاستقبال فيه أي الـ(Traffic) تكون مشفَّرة بطريقة (end-to-end) التي تحدَّثنا عنها منذ قليل؛ وذلك لشدِّ الانتباه نحو هذه العملة والمشاركة في العملية وشرائها؛ رغبةً في تحقيق الفوائد آملين ارتفاعَ أسعارها، ونتيجة لذلك يبدأ سعرها بالارتفاع ارتفاعًا ملحوظًا لتصل قيمتها إلى ذروتها بسرعة فائقة، فيبدأ المخطِّطون ببيع ما جمعوه للمشاركين الجدد مستغلِّين اللحظة المناسبة، وكلُّ ذلك يحدث في دقائق معدودة فقط.
ولمَّا كانت كلُّ هذه العمليات مؤتمتة وعشوائية؛ يؤدِّي الحظ وسرعة اتخاذ القرار دورَ الحكم في تحديد من سيربح ومن سيخسر. ونظرًا لتزايد عدد ضحايا هذه العمليات وحدوث عمليَّتين يوميًّا؛ فإنَّ القائمين عليها يحقِّقون أرباحًا قد تصل إلى 7 ملايين دولار شهريًّا!.
سلَّط الباحثان الضوءَ على عملية وقعت في 2018/11/14 - GMT:17:30، وتمكَّنوا من جمع المعلومات عنها عن طريق مراقبة قنوات التلغرام وخاصةً قناة (Official McAfee Pump Signals)؛ والتي تضمُّ قرابة 12000 عضوًا، ثمَّ عمدوا إلى تسجيل الأسعار المختلفة للعملة المشفَّرة المختارة، وفي الساعة 19:30:04 أعلنت القناة عن عملة BVB بوصفها عملةً مختارة، ولعلَّ اسم هذه العملة مألوفٌ لديك إن كنت من متابعي كرة القدم الأوروبية؛ فقد أطلقها مشجِّعو فريق "بروسيا دورتموند" الألماني في عام 2016م -وكان نشاطها خامدًا في السنة الفائتة- وتبلغ قيمتها قرابة (35 سات sat) -أحد أجزاء البيتكوين Bitcoin- ويعادل كلُّ بيتكوين 100 مليون سات تقريبًا.
ثمَّ تبدأ الأمور تتسارع تسارعًا رهيبًا؛ إذ إنَّ أول عملية شراء أجُريت بعد ثانية واحدة من الإعلان فقط، وبعد 18 ثانية من موجة مجنونة من عمليات الشراء؛ وصلت قيمة عملة BVB إلى ذروتها لتبلغ 115 سات.
لكن ليس كلُّ القنوات المختصَّة بالعملات المشفَّرة تتفاعل بالسرعة ذاتها؛ فأيُّ شخص يتابع قناة (Bomba bitcoin cryptopia) كان غير محظوظ، فقد أُعلن عن الارتفاع في 19:30:23 أي عند وصول العملة إلى ذروتها؛ ممَّا يجعل الأمر أشبه بالمستحيل للمستثمرين الجدد بحسب قول "شو وليفشيتس".
وبعد أن يحقِّق المشاركون أرباحهم؛ يبدأ السعر بالانحدار بعد قرابة 3 دقائق ونصف من بدء عملية (pump-and-dump)، لتصل إلى سعر أقل من سعر الافتتاح، فينخفض حجم التداول بهذه العملة على نحو كبير.
ولاحظ الباحثون أيضًا شراءَ المستثمرين (المشاركين) للعملة بمقدار أكبر مرتين من الكمية التي باعوها، ويعتقدون بذلك أنَّ المستثمرين يأملون عودةَ هذه العملة إلى ذروتها مرة أخرى وتحقيق الأرباح حينها.
ويقول "شو وليفشيتس" -بعد دراسة 220 عملية حدثت بين 21 تموز و18 تشرين العام من عام 2018م-: "يبدأ العديد من هذه العمليات بنشاط غير اعتيادي في تداول العملة المختارة؛ أي أنَّ المخطِّطين يبدأون جمع العملة تحضيرًا لبداية العملية، ويستفيدون أيضًا من معلومات مسبقة جمعوها؛ سواء أكانت عن العملة المختارة أو عن طبيعة الناس الذين قد يُقبِلون على تداولها، وهكذا!".
وطوَّر الباحثون طريقةً للكشف عن هذه العمليات قبيل وقوعها؛ وذلك عن طريق مراقبة نشاطات التداول غير المتوقَّعة في العملات غير المشهورة، فاستعمل "شو وليفشيتس" البيانات المسجَّلة من العمليات السابقة لتدريب إحدى خوارزميات تعلُّم الآلة كي تتنبَّأ بحدوث عمليات الـ(pump-and-dump)، وكانت قد حقَّقت 5 تنبُّؤات صحيحة من أصل 6 كانت قد تنبَّأت بهم في أثناء فترة شهر تقريبًا، بين 6 تشرين الأول و6 تشرين الثاني.
تُقدِّم مثل هذه الأعمال أملًا في الحدِّ أو التحذير من عمليات الاحتيال الإلكترونية والمنتشرة كثيرًا هذه الأيام، لكن هل يا تُرى سيقف المخطِّطون وراء هذه العمليات مكتوفي الأيدي أم سيحاولون إيجاد طرائق جديدة دائمًا لتحقيق غايتهم؟!
المصادر: