علم النفس > الأطفال والمراهقين
الكذب عند الأطفال
انطلاقًا مما بيّنته أدلّةُ تجريبيةُ عديدةُ أُجريت على الأطفال في مجال التلقائية في تحريف الحقائق والأحداث التي يعرفونها، وصولاً إلى المصادر التي وضّحت خطر التحريف في الكتب المقدسة والمصادر القديمة؛ تبلورت فكرة المقال عن عادةٍ متبعةٍ سُمّيت الكذب. فالكذب سلوكٌ بشريٌّ واسعُ الانتشار.
تُصنَّف العبارات المحكيّة إمّا بوصفها حقائق وإما بوصفها أكاذيب، وتتّخذ الأكاذيب أشكالًا عديدة: إمّا أن تٌقال مباشرةً والقصد منها إيصال خبرٍ عن عملٍ غير مُفتعل أو ليس له أيّ مصدرٍ صحيح، وإمّا أن تكون خداعًا متعمّدًا لإنشاء اعتقادٍ آخرَ يثير مبادئ المُستمع وفكره من طريق اعتماده إستراتيجيّةً محدّدةً من الكذبات المتسلسلة، وإمّا أن يكون تخيُّلات؛ أي كذبًا من صنع الخيال، وقد يكون الكذب مجرّد كذبةٍ شفّافةٍ لإخفاء حقيقةٍ جارحةٍ أو لتأجيلها إلى وقتٍ مناسبٍ. ونحن لا نبرّر أسباب الكذب، بل نعرض أنواعه لنتمكّن من فهمه والتعامل معه.
أكّدت نظرياتٌ ودراساتٌ عديدة أنّ مَن اتّخذ الكذبَ أسلوبًا للحياة وملجأً لتبرير أعماله لا بدّ من أن تكشفه أعراضٌ يسببها تنشيطُ الجملة العصبيّة الوديّة (sympathetic nervous system(SNS. فدائمًا ما ارتبطت الأقوال المُفتَعلة والأخبار الكاذبة بضرائب عاطفيةٍ وإدراكيةٍ عن طريق تظاهرها بالتوتّر والعصبية والإجهاد النفسي. ويُفسَّر ذلك بأنه عندما يكذب الشخص تتراءى الحقيقةُ لعقله لكنه يتكلّم بعكسها تماًما، فيجب عليه استثارة ذاكرته حيث تُخزّن الحقيقة ونقيضها المُختَلَق في الوقت نفسه.
وعلى هذا النحو أُجريت دراساتٌ لقياس نشاط الجملة العصبية الودية عند التفوّه بالأكاذيب ومقارنتها بنشاطها عند قول الحقيقة بواسطة جهاز Electrodermal active، فوجدوا زيادة نشاطها عند اختلاق الأكاذيب. وكان هدف هذه الدراسة وغيرها الكشف عن بداية الخداع لتساعدهم على ضبط السلوك. ولكن ماذا لو توجّهنا إلى طفولتنا؟ الأجدر بنا مراقبة الكذب عند الأطفال للحدّ منه لأن العادة وليدة الأفعال المتكررة.
ولو بحثنا لوجدنا دراساتٍ وأدلّةً تشير إلى أن الطفل يغدو قادرًا على الكذب منذ عمر ٤٢ شهرًا، وتختلف قدرته على الكذب تبعًا لمرحلته العمرية ووعيه وتَفَتُّح فكره، فغالبًا ما تكون كذبات الأطفال دون سن الثالثة مكشوفة؛ إذ يشيرون إلى الحقيقة عبر كلامهم. وقد تكون أقوالهم مجرد اختبارٍ للّغة والمفردات الجديدة. أما بين السنة الثالثة والسنة السابعة للعمر يصبح الكذب صعبًا، لأن الطفل سيفكر بقدرته على إقناع المُستمع. وتحمل هذه السنوات عالمًا وهميًّا منفصلًا عن الواقع، لذلك من الممكن جدًّا أن يكون الطفل صادقًا بعواطفه وكلماته، فعالَمه الخاص لا يقتنع بالقانون الأخلاقي والاجتماعي المحدَّد (كثيرًا ما نرى أطفالًا يقضون ساعاتهم بمخاطبة دمىً أو بسباق سياراتٍ صغيرةٍ بحجم الكفّ). وبين السنة السابعة والسنة الثانية عشرة من العمر تبدأ المرحلة الثالثة للكذب، وقد تترافق مع الاعتراف به بعرض الأسباب التي تكون مقنعةً للكبار في كثير من الأحيان. لذا اعترفت نظرية العقل (Theory of mind) بأن للأطفال دورًا مهمًّا ومميزًا في الحياة الاجتماعية، فقد تناولت هذه النظرية دور المجتمع المحيط في توجيه الطفل نحو الكذب بواسطة ما يغرسه من أفكارٍ ستؤثّر حتمًا في سلوكهم. وإضافة إلى ذلك فقد أكّدت أبحاثٌ أُجريت في عام ٢٠١٣ هدفَين: يتمثّل الأوّل بمعالجة الفجوة بين سلوك الطفل المُتّسم بالكذب وسلوك المجتمع الأخلاقي الذي يوجد فيه، والثاني بارتباط كذب الأطفال بقدارتهم العقلية والإدراكية، مؤكدًا أهمية مراقبة الأطفال فكريًّا والعمل على حصر أفكارهم بالإيجاب لإبعادهم قدر الإمكان عن الهروب إلى حضن الكذب والوهم.
- وهنا يجب أن نلقي ضوء فكرنا على دور الوالدين في التعامل مع أطفالهم الذين يحملون نيّة الكذب بواسطة الآتي:
- يجب على الوالدين عدم إبداء ردة فعلٍ سريعةٍ وقويةٍ عند كشف كذبة الطفل؛ فغالبًا ما تكون الأسباب بريئة.
- لمّا كان الطفل يعتمد أسلوب المحاكاة فمن الجدير بالوالدين ممارسة الصدق بالقول والفعل في حياتهم اليومية، فهم القدوة الأولى لطفلهم.
- التشجيع -حتى المبالغ فيه أحيانًا- عند اكتشاف صدق كلام طفلهم ولو بأيِّ خبرٍ بسيط.
- الصراحة بين الوالدين والطفل، كجعل يومٍ في الأسبوع "يومًا صريحًا" ينبغي فيه لكلّ فردٍ من الأسرة مصارحة الأفراد بما يخفي عليهم والإجابة عن كل أسئلتهم.
- تطوير العلاقة بين الوالدين والطفل وعدم الانشغال الدائم عنه، فالعمر لا يصنع فارقًا بوجود الوعي وحكمة التصرف.
وفي النهاية فإنَّ الثقة والصدق أيقونتان متلازمتان، فلمَ لا نعزّز الثقة مع أنفسنا أوَّلًا ومع محيطنا ثانياً؟ فلا يغدو هناك داعٍ لمراقبة الكلام ولا لتحريف الأخبار، فالثقة وحدها كفيلةٌ بقيادتنا وأطفالنا نحو عالمٍ أكثر إيجابية تعمُّه المحبة والصدق.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا
6- هنا
7- هنا