الوراثة الفوقية، وآلية جديدة للكشف عن السرطان

هل أنت مصاب بالسرطان أم لا؟

على ما يبدو أصبح من الممكن الإجابة على هذا السؤال بإجراء اختبار بسيط لا يبحث إلا عن علامةٍ أو توقيعٍ واحد للحمض النووي منقوص الأكسجين (DNA) التي هي نمط من الوراثة الفوقية "epigenetic pattern" التي تظهر في كل أنواع السرطانات.

والأهم من ذلك؛ أنَّ الاختبار يمكن أن يُجرى على (DNA) منتشر وهو قطع جزيئية من DNA تتدفق بسهولة إلى سوائل الجسم وتُستخلص منه.

وربما الأهم من هذا كله؛ أن الاختبار لا يرتكز إلى معدات كشف متطورة؛ كأداة عمل التسلسل الجيني؛ بل يكشف عن تغيرات فيزيائية بسيطة؛ كتغير في اللون أو إشارة كهروكيميائية التي تحدث عندما يتراكم DNA السرطاني الذي أُعيد برمجته حول جزيئات الذهب النانوية، وهذا الاختبار بسيط وسهل لدرجة أنه يمكن أن يكون طبيعيًّا وسهلًا فيما يخصُّ وَحدات التشخيص والرعاية الصحية.

تطوَّرَ هذا الاختبار من قبل باحثين من المعهد الأسترالي للهندسة الحيوية وتكنولوجيا النانو (AIBN) في جامعة "كوينزلند"؛ إذ فحص الباحثون - بقيادة ’’مات ترو’’ (Matt Trau)، دكتور في الكيمياء ومساعد مدير ومؤسس لهذا المعهد AIBN- أنماطًا وراثية فوقية لجينوم الخلايا السرطانية والخلايا السليمة الطبيعية، وبالتحديد؛ فحص الباحثون أنماط جزيئات تُدعَى بمجموعات الميثيل (CH3-) التي تزين الحمض النووي، أو بدقة ترتبط في مواقع محددة من DNA بوصفها نوعًا من الحماية والتنظيم الجيني.

وتُعدُّ مجموعات الميثيل هذه ذات أهمية كبيرة للعمل السليم للخلاي؛ وذلك لأنها تؤدي دور إشارات تحكم وتنظيم للجينات المفعلة وغير المفعلة في وقت معين؛ أي أنها تنظم التعبير الجيني.

ففي الخلايا السليمة تكون مجموعات الميثيل موزعة على الجينوم فيما يُسمَّى بعملية الميثلة (methylation)؛ لكن فريق AIBN وجد أن جينوم الخلية السرطانية قاحل؛ أي لا توجد به أي عملية ميثلة باستثناء تجمعاتٍ كثيفة لمجموعات الميثيل في مواقع محددة للغاية.

ظهر هذا  التوقيع الوحيد والمميز الذي أطلق عليه العلماء اسم (methylscape) في جميع أنواع سرطانات الثدي التي فُحِصَت، وكذا تظهر في أشكال سرطانات أخرى بما في ذلك سرطان البروستات وسرطان القولون والمستقيم وكذلك أورام الغدد اللمفاوية.

يقول الدكتور ترو: عمليًّا؛ كل قطع الدنا السرطانية (الجينومات المسرطنة) التي فُحصِت كانت تحمل احتمالًا كبيرًا لوجود هذا النمط فوق الجيني؛ الورقة البحثية تحت عنوان:

“Epigenetically reprogrammed methylation landscape drives the DNA self-assembly and serves as a universal cancer biomarker،”

وتفيد بأن المظهر الميثيلي المبرمج بالوراثة الفوقية، يقود إلى التجمع الذاتي DNA، ويُعدُّ مؤشرًا حيويًّا عامًا على وجود السرطان ونُشرت الورقة في الرابع من ديسمبر في مجلة  Nature Communications.

وهنا كان لا بدَّ من فحص تأثير المستويات والتوزيع الجيني ’’للميثيل سيتوزين’’ على الخصائص الفيزيائية والكيميائية DNA وهذا من أجل الكشف عن غياب مجموعات الميثيل فيما سُمِّي methylscape، بوصفه مؤشرًا حيويًّا دال على وجود السرطان ووجد الباحثون أن السلوك البوليميري DNA قد تأثر بشدة بالفوارق النمطية الحاصلة في حالة غياب الميثيل؛ ما أدى إلى وجود فوارق جوهرية في ذوبانية DNA و انجذابه لجزيئات الذهب النانوية في كلٍ من  الجينومات الُمسرطنة والطبيعية.

وتصف الورقة البحثية كيف تُستغل ’’فوارق الميثلة’’ (methylscape differences) لتطوير طريقة أو اختبار بسيط ومن خطوة واحدة للكشف عن الإصابة بالسرطان، بحساسية عالية وانتقائية كهروكيميائية أو لونية، ووَفقا للورقة البحثية، ،يمكن الانتهاء من الفحوصات في غضون الـ 10 دقائق، وزيادة على ذلك ما تتطلبة هذه الفحوصات هو الحد الأدنى من إعداداتٍ للعينة ومدخلات صغيرة من DNA.

وقد اختبر ’’فريق جامعة كويينزلند الأسترالية’’ حتى الآن هذه التكنولوجيا الجديدة على 200 عينة من شملت عدة أنواع من السرطانات التي تصيب الإنسان، وشملت كذلك الخلايا السليمة في بعض الحالات، ووصلت دقة  الكشف عن السرطان إلى قرابة 90%.

ويشير (Abu Sina) وهو باحث في مختبر الدكتور ترو ومؤلف مشارك في الورقة الحالية: "إنه يعمل على الحمض النووي المشتق من الأنسجة، والحمض النووي الحر المشتق من الدم".

فالخلايا السليمة تمامًا، تموت الخلايا السرطانية وتتجدد، وعند موت الخلايا السرطانية؛ فإنها تنفجر لتحرر ما تحتويه بما في ذلك الحمض النووي، والذي سيوجد بعد ذلك في الدورة الدموية.

ويضيف: "هذا الاكتشاف الجديد يمكن أن يغير قواعد اللعبة في مجال تشخيص السرطان".

الاختبار ما يزال في طور التطوير على حسب ما صرح به فريق البحث، ومع ذلك؛ فإن الفريق يتوقع أنه سيتحسن مع مرور الوقت.

وختم دكتور ترو حديثه قائلاً: "من المؤكد أننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كان هذا هو الكأس المقدسة أم لا بالنسبة لجميع تشخيصات السرطان، ولكن يبدو أنه مثيرٌ على نحوٍ لا يُصدق بوصفها علامة بسيطة وشاملة للسرطان، وقاعدة تكنولوجية سهلة المنال وغير مكلفة، لا تتطلب معدات مخبرية معقدة مثل معدات عمل تسلسل الحمض النووي".

المصدر:

هنا