الفنون البصرية > أيقونات فنية خالدة
اللوحة التي أعادت حياكة الماضي (الرقص في اللوفر)
لوحة الرقص في اللوفر (صورة1)
"فيث رينغولد Faith Ringgold" رسَّامة ونحَّاتة mixed media* وفنانة أداء وكاتبة ومُدرِّسة ومُحاضرة، ولدت عام 1930م في هارلم Harlem بمدينة نيويورك، ونالت البكالوريوس والدراسات العليا في الفنون البصرية من جامعة المدينة في نيويورك، وتلقت لاحقًا 23 شهادة دكتوراه فخرية.
فيث رينغولد 1993 (صورة 2)
تنقلت Ringgold في الستينيات في القارة الأوربية، وهناك أنتجت لوحتها السياسية الأولى "سلسلة الشعب الأمريكي" بين عامي 1963م و1967م.
وعلى الرغم من أن الفنون الإفريقية ألهمَتها في بدايتها الفنية في الستينيات، لكنها لم تَزُر أفريقيا حتى أواخر السبعينيات حين سافرت إلى نيجيريا وغينيا، حيث تعرفت على ثقافتها الغنية. وقد كان لهذه الرحلة تأثيرٌ واضحٌ في اُسلوبها الذي جمعت فيه بين معرفتها بتاريخِ الفن الأوروبي على صعيدَي الأسلوب والتقنية، وبين ثقافة أجدادها. ويتمثَّل أسلوبها في لوحتها المرسومة بمادة الأكريليك في المنتصف، ويُحيطُ بها قطع الأقمشة المحاكة مع بعضها متضمنة نصًّا مكتوبًا يدويًّا، يليها قطع من الأقمشة المطرزة مُحاكة بالقماشة الخلفية الأساسية، وبينهما طبقة من القطن المعد للحشو، وتسمى هذه التقنية بالـ "quilting".
وتجسَّد أسلوبها بوضوح في لوحة Dancing In The Louvre (الرقص في اللوفر)؛ وهي اللوحة الأولى من سلسلة "المجموعة الفرنسية" المكونة من 12 قصة؛ إذ دمجت بين اللوحات التمثيلية وتقنية الـquilting الأفريقية_الأمريكية مع الكلمة المكتوبة.
وفي هذه اللوحة -وهو حال معظم لوحاتها- تجاوزت Ringgold القواعد، ووجهة النظر الأوروبية والذكورية التي تسيطر على تاريخ الفن، وقدمت رؤية جديدة، ولكنها لا تتمحور فقط حول كسر القواعد بل والاستمتاع بذلك.
تروي Ringgold في هذه المجموعة مغامرة ويلا ماري سايمون Willa Marie Simone الخياليَّة، وكيف انتقلت إلى باريس في عشرينيات القرن الماضي، ومغامرتها التي قادتها إلى رؤية المشاهير مثل: بابلو بيكاسو، وهنري ماتيس، وغيرهم في رحلتها لدخول عالم الفن.
وفي هذه اللوحة تقول Simone:
"اصطحبتني مارشا وفتياتها الثلاث الصغيرات للرقص في اللوفر، ظننت أنني كنت اصطحبهم لرؤية الموناليزا؛ إذ لن ترى شيئًا مشابهًا لهذا من قبل. دعك من ليوناردو دافنشي، فمارشا وفتياتها الثلاث كُنَّ العرض."
تكمن أهمية اُسلوب رينغولد المميز الذي اتبعته في هذه اللوحة بكونه طريقتها لشكر والدتها على توريثها مهاراتها الإبداعية؛ إذ كانت مصممة أزياء في هارلم، ولاستخدامها تقنية الـ quilting. فعلى الرغم من أنها تقنية موجودة في ثقافات عديدة، لكنها أدَّت أداءً مهمًّا في التاريخ الأفريقي_الأمريكي؛ إذ ساعدت على التواصل بين النساء اللاتي كن يجتمعن بمختلف الأعمار ليحكن القماش، ويروين قصص أسلافهن بعيدًا عن الرجال أو الغرباء من خارج مجتمعهن، فضلًا عن أن الأفريقيين_الأميركيين قد استخدموها في نقل الرموز والرسائل المشفرة في سكك القطار المكونة لأرضية اللوحة لمساعدتهم في الهرب من الجنوب الأمريكي نحو الحرية، فكانت السكك الحديدية تحت الأرض تكوِّن شبكة من الطرق السرية في القرن التاسع عشر التي سمحت للعبيد المنحدرين من أصل أفريقي بالهروب شمالًا نحو الحرية.
إنَّ اتباعها هذه التقنية في عملها جعل معظم أعمالها أقرب إلى الفن الشعبي منه إلى الفنون الأوروبية التقليدية، وقد ناسبت رينغولد في أعمالها بين الصور المجازية، والممارسات الفنية البديلة، مثل الفن الشائع ما بعد الحداثة، كتعليقِ ناقد على الثقافة؛ إذ حاولت إعادة كتابة الماضي فاسحة المجال للنساء ليكنَّ جزءًا من تطور الفن التاريخي بواسطة النص والصورة.
وهكذا فإن أهمية هذه اللوحة تجاوزت ضربات الريشة والألوان، فكانت في الماضي الذي حاك أقمشتها والمستقبل الذي أعادت Ringgold رسمَه برقصة "ويلي ومارشا والفتيات الثلاث".
* Mixed media (الوسائل المتنوعة): مصطلح يُستخدم لوصف الأعمال الفنية المكونة من مجموعة مختلفة من المواد.
المصادر :
1- هنا
2- هنا