الغذاء والتغذية > الرياضة وتغذية الرياضيين
لماذا أبدو أنحف أحيانًا على الرغم من زيادة وزني؟
يبدأ الشخص بممارسة الرياضة المنتظمة واتباع الحمية الصحية المناسبة، ويقرر بعد فترة أن يصعد على الميزان.. وفجأة تعلو وجهه نظرة استغراب عارمة، ويتفاجأ بأن وزنه ما زال ثابتًا، بل أسوأ من ذلك، يحتمل أن يكتسب عدة كيلوغراماتٍ إضافيةً أيضًا!
لمَ يحدث ذلك؟ وما تفسير هذه الظاهرة المفاجئة؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، لا بدَّ لنا من تفسير بعض المفاهيم البسيطة والمتقاربة في الوقت نفسه..
- كتلة جسم ما: هي كمية المادة التي يحتويها هذا الجسم، وتقاس باستخدام ميزان يقارن مقدارًا مجهولًا من المادة مع مقدارٍ معلومٍ منها، ولا تتغير بتغير موقعه الجسم. وتشمل في حالة جسم الإنسان جميع مكوناته من عضلات ودهون وعظام وغضاريف ودم وسوائل داخلية وغيرها.
- وزن جسم ما: هو قياس القوة التي تمارسها الجاذبية على هذا الجسم، وتساوي الكتلة مضروبةً بتسارع الجاذبية (ويساوي 9.8 م2/الثانية على سطح الأرض)؛ أي إن جسمًا كتلته 1 كغ على الأرض يمتلك وزنًا قدره هو 9.8 نيوتن. ويختلف الوزن باختلاف الموقع في حال وجود فرق في الجاذبية، وعلى سبيل المثال نجد أن أي جسم يزن على سطح القمر 0.165 من وزنه على الأرض.
- حجم الجسم: هو الفراغ الثلاثي الأبعاد الذي يشغله الجسم، ويرتبط مع الكتلة عن طريق الكثافة؛ أي إن حجم الجسم يساوي كتلته مقسومة على كثافته.
- شكل الجسم: هو الناتج التراكمي للهيكل العظمي وكمية العضلات والدهون وتوزُّعهما مع المكونات الأخرى حول هذا الهيكل، ويختلف من شخص لآخر حسب الوزن والطول والعمر والجنس والحالة الصحية والنشاط البدني، ويتحدد عن طريق مقاييس عدة أجزاء الجسم؛ مثل الرقبة والصدر والخصر والورك والرجلين.
نعود مرةً أخرى إلى سؤالنا الأساسي؛ لماذا نبدوا أنحف وأكثر رشاقةً أحيانًا على الرغم من زيادة أوزاننا؟
يكمن جواب هذا السؤال في الخلط الشائع بين ثلاثة من المفاهيم المذكورة أعلاه؛ وهي وزن الجسم وحجمه وشكله، ومن المعروف أن ممارسة الرياضة واتباع الحمية الصحية يسببان تغيراتٍ في مكونات الجسم، تتجلى عادةً في خسارة الدهون واكتساب الكتلة العضلية، مما يؤثر في وزن الجسم وحجمه وشكله بطرائق مختلفة.
وكي نتمكن من شرح هذه التأثيرات على شكلنا الخارجي، لا بدَّ لنا من توضيح مجموعة ثانيةٍ من المفاهيم الأساسية..
- خسارة الدهون: وتشير إلى جانبين؛ أولهما انخفاض كتلة الدهون نتيجة خسارة جزء من دهون الجسم (وتقاس يالكيلوغرام)، وثانيهما انخفاض نسبة وزن الدهون إلى وزن الجسم الكلي (وتقاس بالنسبة المئوية Body Fat Percentage %). ويذكر أن خسارة الدهون لا تعني بالضرورة انخفاض الوزن الكلي، وكذلك الأمر ليس من الضروري أن يقابل هذه الخسارة كسبٌ في كتلة العضلات.
- اكتساب العضلات: هو زيادة الكتلة العضلية بصرف النظر عن تغير الدهون أو وزن الجسم؛ وبمعنى آخر ليس من الضروري أن تترافق الزيادة العضلية بتغير وزن الجسم صعودًا أو هبوطًا، أو بخسارة كتلة الدهون. ونؤكد هنا أنَّ الدهون لا يمكن أن تتحول إلى عضلات بأي شكلٍ من الأشكال، والعكس صحيح، فهما نسيجان مختلفان وظيفيًا وتشريحيًّا ولا يمكن أن ينتج أحدهما عن الآخر، وعندما يحرق الجسم الدهون فإنَّه يحرقها للحصول على الطاقة فقط.
- خسارة الوزن: تشير إلى انخفاض كتلة الجسم الإجمالية، وتنتج عن فقد في وزن واحدٍ أو أكثر من مكونات الجسم سواء كان ذلك المكون هو سوائل الجسم أو الدهون أو العضلات أو غيرها..
- تغير شكل الجسم: وهو ما نلاحظه عند تغير توزع الدهون والعضلات المحيطة بالهيكل العظمي، ويحدث ذلك نتيجة أي تغير في وزن العضلات أو الدهون أو الاثنين معًا في أماكن مختلفة من الجسم، ويقابله تغيُّر في قياسات الجسم.
ولا بدَّ لنا هنا من التعريج على إحدى العبارات الشائعة التي تقال كثيرًا عند الرغبة بمقارنة شخصين لهما نفس الوزن لكنَّ أحدهما بدين والآخر متوسط، وهي "العضلات أثقل من الدهون"، فهل تعدُّ هذه العبارة صحيحة؟
يشابه هذا السؤال إلى حدٍّ كبير سؤالًا آخر نألفه جميعًا، وهو "أيهما أثقل، كيلوغرام من الحديد أم كيلوغرام من القطن؟"
والجواب طبعًا أن كليهما يزن كيلوغرامًا واحدًا، وينطبق هذا الأمر على العضلات والدهون أيضًا، فكيلوغرام من العضلات يساوي كيلوغرامًا من الدهون. إذًا أين يكمن الاختلاف؟
يؤثر كلٌّ من اكتساب العضلات وخسارة الدهون في وزن الجسم وحجمه وشكله، ومن الواضح أن حجمَ كيلوغرامٍ العضلات أصغرُ من حجم كيلوغرامٍ من الدهون، ويعود ذلك إلى الاختلاف بين كثافتي كلٍ منهما، وكلما كانت الكثافة أكبر كان الحجم الذي تشغله المادة من الفراغ أقل.
تتكون العضلات من ألياف طويلة مرتبطة ومرصوصة بعضها على بعض بإحكام شديد، في حين تتكون الدهون من قطراتٍ مختلفةِ الأحجام بعضها أكثرُ امتلاءً من غيرها، وتحتوي فيما بينها على مساحاتٍ فارغة تجعل كثافتها أقل من كثافة العضلات، وتبلغ 0.9 غ/مل للدهون، و1.1 غ/مل للعضلات.
ومما سبق نجد أن العضلات أكثر كثافة من الدهون وتشغل حجمًا أقل منها، وهذا يعني أن حلول العضلات محل كتلةٍ مساويةٍ لها من الدهون سيقلل حجم الجسم ويغير الشكل الخارجي دون انخفاض الرقم الظاهر على الميزان.
ومن هنا تأتي إجابة السؤال "لماذا نبدوا أنحف أحيانًا على الرغم من زيادة أوزاننا؟"
ونجد أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام واتباع الحمية الصحية يؤديان معًا إلى زيادة الكتلة العضلية وخفض نسبة الدهون في الجسم، ونجد هنا ثلاث حالات هي:
- كتلة الدهون المفقودة أكبر من كتلة العضلات المكتسبة: يتغير حجم الجسم وشكله مع انخفاضٍ في الوزن.
- كتلة الدهون المفقودة تساوي كتلة العضلات المكتسبة: يتغير حجم الجسم وشكله دون تغير الوزن.
- كتلة الدهون المفقودة أقل من كتلة العضلات المكتسبة: يتغير حجم الجسم وشكله مع زيادةٍ الوزن.
قد يتبادر إلى أذهاننا الآن سؤال آخر؛ ما الوسيلة الصحيحة لمراقبة تغيرات الجسم في أثناء ممارسة الرياضة واتباع الحمية الصحية؟
توجد عدة قياسات يمكن أخذها والاعتماد عليها للحصول على فكرة صحيحة وأكثر دقة عن تغيرات الجسم، وهي:
- نسبة دهون الجسم (Body Fat Percentage): تُقاس إما باستخدام أجهزة ميكانيكية أو إلكترونية في الصالات الرياضية، أو تحسب على الإنترنت عن طريق البحث عن Body Fat Calculator وإدخال الجنس والعمر والطول والوزن ومحيط الرقبة والخصر والورك.
- أخذ قياسات الجسم: باستخدام شريط قياس (ميزورة) وتسجيل تغير قياسات الرقبة والصدر والخصر والورك واستدارة الزند والرجلين بمرور الزمن.
ويُنصح بأخذ هذه القياسات كل أسبوع أو أسبوعين، وليس يوميًا، لأن خسارة الوزن الأسبوعية الطبيعية تتراوح بحدود 0.5 كيلوغرام فقط.
يُذكر أن معدل الوفيات الإجمالية يكون أعلى لدى الأشخاص الذين يملكون نسبة أعلى من دهون الجسم وذلك بصرف النظر عن أوزانهم أو مؤشر كتلة الجسم (BMI) لديهم. كذلك فإن الدهون تزيد خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب، وبمعنى آخر فإنَّ أي شخص لديه انخفاضٌ في نسبة العضلات إلى الدهون يمكن أن يكون عرضةً للخطر ذاته حتى إن لم يكن بدينًا.
وعلى الرَّغم من أن اكتساب العضلات أمرٌ جيدٌ لا خلاف حوله، لكنَّك لست مجبرًا على اكتساب كمياتٍ كبيرة من العضلات كي تقي نفسك من الأمراض المزمنة، بل يكفي أن يحاول المرء التمتع بنسبة دهون صحية في الجسم، وتتراوح هذه النسب بين الحدود الموضحة في الجدول الآتي، وذلك حسب إرشادات الكلية الأمريكية للطب الرياضي:
ويمكن تصنيف الأجسام وفق مجموعات مختلفة حسب نسبة الدهون، علمًا أن نسبة الدهون الأساسية لدى الذكور تتراوح بين 2-5% ولدى الإناث بين 10-13%، ونبين في الجدول الآتي هذه المجموعات:
ختامًا، تبقى ممارسة الرياضة المنتظمة واتباع الحمية الصحية السليمة والمصممة على نحو يضمن التحكم الدقيق بالميزان الحراري الطريقةَ الأفضل لخسارة الدهون واكتساب الكتلة العضلية.
المصادر:
Padwal R، Leslie WD، Lix LM، Majumdar SR. Relationship Among Body Fat Percentage، Body Mass Index، and All-Cause Mortality: A Cohort Study. Ann Intern Med. ;164:532–541. doi: 10.7326/M15-1181 هنا
Park، J.، & Kim، S. (2016). Validity of muscle-to-fat ratio as a predictor of adult metabolic syndrome. Journal of physical therapy science، 28(3)، 1036–1045. doi:10.1589/jpts.28.1036 هنا