الطب > مقالات طبية
متلازمة ليميير؛ عندما يتحول التهاب البلعوم إلى مرض قاتل
متلازمة ليميير (Lemierre syndrome)، أو التهاب الوريد الخثاري القيحي الثانوي لالتهاب البلعوم الفموي الخمجي؛ متلازمة نادرة مُهدِّدةٌ للحياة تحدث عادة كاختلاط لالتهاب البلعوم الجرثومي الذي يصيب الأطفال واليافعين الأصحاء غالبًا، ويبدأ الخمج في الرأس والعنق، ففي ٨٠- ٩٠% من الحالات ينشأ في البلعوم الفموي والمسافة حول البلعوم أولًا، وقد تبدأ نتيجة التهاب الأذن أو الخُشَّاء أو الجيوب أو الغدد اللعابية.
ما هي العوامل المُمرِضة المسببة لمتلازمة ليميير؟
يعود سببُ نشوء هذه المتلازمة الرئيسُ إلى الجرثومة المغزلية المنخِّرة (Fusobacterium necrophorum)، وهي جراثيمُ سلبية الغرام لاهوائية مجبرة موجودة على نحو طبيعي عند الأشخاص الأصحاء في عدة أجزاء من الجسم كالحنجرة والأنبوب الهضمي والأعضاء التناسلية الأنثوية، وتصبح هذه الجراثيم مُمرِضةً عندما تبدأ بإفراز ذيفان في الأنسجة المجاورة، محدثةً خمجًا غازيًا.
و قد تبين أنه يمكن لبعض الأحياء الدقيقة الجرثومية أو الفيروسية أن تكون سبب الخمج الأولي المُهيّئ للوسط المناسب الذي يسمح بتكاثر المغزلية المنخِّرة وغزوها الأنسجة المجاورة، ومن هذه الأحياء؛ فيروس الإبشتاين بار (Epstein-Barr virus)، وجراثيم العنقوديات المذهبة (Staphylococcus aureus)، والعقديات (streptococcus)، والكليبسيلا الرئوية (Klebsiella pneumoniae).
ما الآلية المرضية لمتلازمة ليميير؟
تهاجر المغزليات المنخِّرة من البلعوم إلى المسافة حول البلعوم قرب الوريد الوداجي الباطن -وهو الوريد الذي ينقل الدم من الدماغ والوجه والعنق- محدثةً فيه التهابًا، مما يؤدي إلى تشكيل خثرة خمجية مسببة حدوث التهابِ وريدٍ خثري قيحي، وتجول الخثرة بعدها في الدم، وتدخل الجهاز الوريدي محدثةً صمة إنتانية، وإضافة إلى ذلك يمكن أن ينتشر الخمج إلى الرئتين -وهي المكان الأكثر شيوعًا- والهيكل العظمي، إضافة إلى مناطق أخرى كالطحال والكبد والدماغ والقلب والكلية، ليؤدي ذلك إلى مشكلات مهددة للحياة كالصمة الرئوية المسببة للعسرة التنفسية، إضافةً إلى أذية مختلف الأعضاء المصابة؛ منتهيًا بصدمة إنتانية في ٧% من الحالات.
ما هي أعراض هذه المتلازمة ؟
يمكن تقسيم تطور متلازمة ليميير سريريًّا إلى ثلاثة أطوار:
أمّا الطور الأول فهو خمج البلعوم الفموي المُصطحَب بنُوَبٍ من البرديات المتكررة بعد بدء المرض بأربعة إلى سبعة أيام، ويكون التشخيص صعبًا هنا نظرًا لعمومية الأعراض، ولكنْ يُعَدُّ وجود ارتفاع في الحرارة مدةَ أسبوع مؤشّرًا قويًّا على الإصابة بالمتلازمة.
ويبدأ الطور الثاني عند امتداد الخمج إلى الفراغ حول البلعوم في العنق مع حدوث التهاب وريد خُثاري في الوريد الوداجي الباطن، وهذا يشمل ألمًا في العنق وانتفاخًا، وفي 35% إلى 45% من الحالات تظهر علامة الحبل المتمثّلة بمضض وحيد الجانب عند زاوية الفك.
أما الطور الثالث فهو حدوث صمة إنتانية.
كيف تُشخَّصُ متلازمة ليميير؟
يكون تشخيص متلازمة ليميير سريريًّا بناءً على الأعراض والعلامات بالدرجة الأولى، وإضافة إلى بعض الاستقصاءات لدعم التشخيص؛ إذ تُجرى الفحوص الموجهة عند الشك بإصابة المريض بإنتان دم أو عند تحقُّق معايير متلازمة الاستجابة الالتهابية الجهازية.
وتشملُ أشيعُ الاضطراباتِ التي تظهر في التحاليل: ارتفاع تعداد الكريات البيضاء، وانخفاض عدد الصفيحات، وسوء وظيفة الكُلى، وسوء وظيفة الكبد متضمّنًا ارتفاع البيليروبين، وقد تعطي أحيانًا نتائجَ موجهة للتخثر المنتشر داخل الأوعية.
ويُستخدم كلٌّ من التصوير بالأمواج فوق الصوتية والتصوير المقطعي المحوسب (CT) أيضًا، إضافة إلى الرنين المغناطيسي( MRI)؛ لتقييم الخثار الإنتاني في الوريد الوداجي الباطن، فتصوير الأوردة بالرنين المغناطيسي (MRV) لديه حساسية لتحديد الخثار تصل إلى ٩٧%، ويعد التصوير المقطعي المحوسب أكثر إتاحة للاستخدام، وأما التصوير بالأمواج فوق الصوتية فهو وسيلة آمنة ومنخفضة التكلفة، لكنَّ كلًّا من قدرتِه المنخفضة على تحديد الخثرات المتشكلة حديثًا والشكلِ التشريحي الصعب للجزء السفلي من العنق تجعلان حساسيته منخفضةً لتحديد التخثر الحاد، وإضافة إلى ذلك يجب إجراء زرع الدم، فغالبًا ما يظهر خمج بالجراثيم المغزلية المنخِّرة الموجه لمتلازمة ليميير، ولكنَّ الزرع قد يكون سلبيًا أحيانًا بسبب صعوبة زرع الجراثيم اللاهوائية.
وإضافةً إلى ذلك؛ من الضروري إجراء صورة شعاعية للصدر، فالرئتين هما أكثر الأماكن شيوعًا لانتقال الإنتان إليهما، ولذلك يجب التحقق من عدم وجود أيّ صمة إنتانية أو انصباب أو خراج أو تقيح في الجنب، وإضافة إلى ذلك يمكن للإنتانِ أن ينتقل إلى أماكن أخرى ليسبب ذات العظم والنقي أو التهاب مفصل قيحي أو التهاب سحايا أو شغافٍ أو خراجات كبدية.
ما هو علاج متلازمة ليميير؟
تعتمد التوصيات لعلاج متلازمة ليميير أساسًا على الخبرة السريرية والدراسات المخبرية التي تُجرى خارج جسم الإنسان، التي تكون مدعّمة على نحو محدود بمعلوماتٍ مبنية على تقارير حالات ودراسات معتمدة على المشاهدة.
وتؤدّي المعالجة بالصادات الحيوية دورًا أساسيًا في العلاج، فهي تقوم على التسريب الوريدي للصادات، ولكنْ يُنصح بالعلاج التجريبي المؤلف من الصاد بيتا لاكتام والصادات المقاومة للبيتا لاكتاماز لتغطية جميع أنواع الجراثيم المحتملة؛ بسبب فشل العلاجات المعتمدة على صاد واحد فقط، ويمكننا الاعتماد -بعدَها- على الصادات المستعملة وفقًا لنتائج الزرع والتحسس، ويستمر العلاج مدة ستة أسابيع لضمان وصول المادة الفعالة إلى فيبرين الخثرة، إضافة إلى تفجير الخراجات للسيطرة على الإنتان. وفي حال فشل جميع الإجراءات السابقة واستمرار تشكل الخراجات والصمات الرئوية، أو عند امتداد الصمات إلى المنصف وإلى الدماغ؛ نلجأ إلى الجراحة التي تفيد في التخلص من الأنسجة المتموتة والمتخثرة أيضًا.
وأمّا مضادات التخثر فلا تزال الدراساتُ متضاربةً في ذلك، فغالبًا ما تكون الصادات كافيةً في المتلازمة غير المختلطة بخثار ممتد وغير المحتاجةِ إلى إدخال مضادات التخثر، ويوصى باستخدام مضادات التخثر عندما يمتد الخثار إلى الجيوب الدماغية أو يكونُ ثنائيَّ الجانب أو عندما لا يُبدي المريض تحسّنًا في اثنتين وسبعين ساعةً تالية لبدء العلاج الدوائي أو الجراحي.
وأما الحالات المتقدمة من متلازمة ليميير فتكون مهددة للحياة. وعلى الرغم من الخضوع للعلاج المناسب بالصادات فإنَّ نسبة الوفيات تصل إلى ٥-١٨%، فعادة ما يُقبل المرضى في وحدة العناية المشددة عند الاستشفاء وقد تصل مدة المكوث في المستشفى إلى ثلاثة أسابيع وسطيًّا.
وفي الختام نورد إليكم حالةً غير نموذجية لمتلازمة ليميير عند طفل عمره سبع سنوات عانى مشكلاتٍ تنفسية إثر خثار إنتاني، ودخل المشفى بعد قصة ارتفاع حرارة وسُعال دامت أسبوعًا، وأظهرت الصور الشعاعية الأولية تقييح جنب أيسر ممتد مع إصابات رئوية عديدة متكهفة، إضافة إلى ريح صدرية مُعنِّدة ثانوية لناسور رئوي جنبي متشكِّل، وعلى الرغم من المعالجة بالصادات لم يكن هناك أي تحسن سريري، وقد أظهر التصوير المقطعي المحوسب للرأس والعنق التهابًا في الخُشَّاء الأيسر وعدّة خراجات دماغية وخثارًا في الوريد الوداجي الباطن الأيسر، عُدِّلت بعدها المعالجةُ بالصادات، وأُجري تفجير جراحي للجنب المتقيح وأُصلِحَ الناسور.
المصادر:
هنا;