علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
جنود مجهولون بحاجة إلى رعاية
إنّ الإعاقة التطورية (النمائية) مصطلحٌ يشير إلى ضعف أو اعتلال دائم في النمو الإدراكي أو الجسدي؛ مثل الإعاقة الذهنية والشلل الدماغي واضطراب طيف التوحد وإعاقات التعلم والصرع وغيرها من الاضطرابات التي تؤدي إلى توقف هذه القدرات عن النمو والتطور؛ مما يؤدي بدوره إلى مشكلات عديدة لدى المريض ولدى مقدم الرعاية على حدٍّ سواء.
يتأخر تشخيص معظم الإعاقات اللاحركية فلا يمكن تشخيصها بسهولة عند الولادة؛ مثل اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه الذي لا يُشخَّص لدى الطفل حتى يدخل المدرسة.
وقد يصعب على الأهل ملاحظة هذه الإعاقات التطورية، فهم ليسوا على دراية كافية بمراحل التطور والنمو التي يمر بها الطفل ولا سيما إذا كان طفلهم الأول.
وقد يصعب أيضًا على المختصين تشخيص بعض الإعاقات في مراحل عمرية مبكرة، ولذلك يُستخدَم مصطلح ( تأخر النمو) لإحالته إلى مراكز الخدمة التي تعتمد برامج إعادة تأهيل الأطفال الرضّع والأطفال الذين لم يدخلوا المدرسة بعد.
وتحاول أسرة الطفل المعاق أن تتكيّف مع الوضع الجديد بعد التشخيص وتسعى بشتى الوسائل إلى تأمين احتياجات طفلها، ويترتب على هذا السعي عواقب نفسية وجسدية يدفع ضريبتها مقدِّم الرعاية؛ سواء كان أبًا أم أمًّا أم حبيبًا وزوجًا.
وتختلف هذه العواقب في درجتها وفقًا لاختلاف درجة الإعاقة ونوعها، ويبدأ مشوار المساومة لدى مقدم الرعاية؛ فقد يضطر للتخلي عن كثيرٍ من طموحاته، وقد تعتريه مخاوف كثيرة، وقد يضطر مجبرًا لتغيير اهتماماته وأحلامه.
وتكمن المشكلة الأكبر في أنه عندما يشخّص الطبيب وجود إعاقة ما لدى الطفل ويضع خطة لتأهيله فقد ينسى -للأسف- أو تغيب عن ذهنه الآثار التي قد تؤثر سلبًا في مقدّم الرعاية، فهو من سيراقب سير العملية ويقدّم التغذية الراجعة إلى الطبيب، ويحتاج هذا تأهيلًا مسبقًا ومعلوماتٍ كافيةً لتكون سلاحه في معركته القادمة؛ مما قد يخفف كثيرًا من هذه الآثار السلبية.
وفي مراجعة نقدية نجد أن دور الآباء وخبرتهم في التعامل مع أطفالهم ذوي الأمراض الطويلة الأمد لم يُؤخَذ يومًا بعين النظر، ولكن؛ تشجع سياسة الصحة الدولية حاليًّا أن يكون الآباء شركاء فعالين في اتخاذ قرار الرعاية والعلاج وتدعم ذلك.
وقد تؤثر ولادة طفل معاق في علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض، وهو أمرٌ يقتضي إعادة ترتيب أولويات الأسرة جميعها. وعلى الرغم من أن معظم الأسر تستطيع التكيفَ مع الوضع الجديد وتتابع حياتها بصورة شبه طبيعية؛ لكن يُعدّ هذا التكيف أمرًا فرديًّا يختلف من فرد إلى فرد ومن أسرة إلى أخرى.
وتؤثر في هذا التكيف عوامل كثيرة مثل نوعية الحياة التي عرَّفتها منظمة الصحة العالمية بأنها تصوّر الفرد لموقعه في الحياة في ظل النظم والقيم الثقافية والعادات المرتبطة بأهدافه وتوقعاته ومعاييره واهتماماته، إضافةً إلى عوامل أخرى كالظروف الاقتصادية والبيئة وعلاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض ونظرة المجتمع إلى إعاقة ولدهم وغيرها.
كذلك يؤدي نوع الإعاقة دورًا كبيرًا في عملية التكيّف هذه؛ إذ وجدت دراسة هندية أنّه يوجد اختلافٌ في نوعية حياة أسر الأطفال ذوي الإعاقة، وذلك تبعًا لنوع الإعاقة. علمًا أن أسر أطفال اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه تحتلُّ أعلى درجات مقياسها، في حين يحتل آباء الذين يعانون الصرع أدنى درجاته.
ويجب عليك -بوصفك مقدم الرعاية- أن تكون على دراية بعدة أمور؛ أولها أن تعرف حقوقك وتطالب بها منذ اليوم الأول الذي يشخّص فيه الطبيب وجود إعاقة لدى طفلك.
1- اطلب من طبيب طفلك أن يُسهِّل دورك بوصفك مقدم الرعاية؛ فيشاركك المعلومات في كل مرحلة من مراحل العلاج والتأهيل وبلا تحيّز، واطلب منه أن يُعرِّفك إلى آباء آخرين يمرون بما تمرّ به. وأخبره عن وضعك الاقتصادي فقد يصل معك إلى حل أو يرشّح لك أسماءَ بعض الجهات التي قد تساعدك.
كذلك اطلب منه ألا يتجاهل طفلك وألا يعامله كمريض وأن يُوجّه إليه الحديث وأن يستمع إليه، واطلب منه أيضًا أن يدعك تتكلم وأن يطلعك على خطة العلاج أو التأهيل التي سيتبعها مع طفلك.
إضافةً إلى ما سبق؛ اكتب كل ما تريد سؤال الطبيب عنه وإخباره إيّاه في قائمة كي تستفيدَ من زيارتك، وأخبر طبيبك بالمصطلحات التي تحبُّ سماعها منه عندما يتحدث إليك عن مرض طفلك، وأخبره أنك تبذل قصارى جهدك وألا يحكم عليك بالتقصير.
فضلًا عن ذلك، ذكّره بأنكما شركاء في تحقيق هدف واحد (صحة طفلك وسعادته) وبأّنك صلةُ الربط بين طفلك وبينه والشخصُ الذي سيجيب عن أسئلته ويقدم إليه التغذية الراجعة.
2- اعلم أنّه من الطبيعي أن تمر بثلاث مراحل قبل أن تتكيف مع حقيقة مرض طفلك؛ وهي:
- مرحلة الصدمة والتوتر والإنكار.
- مرحلة الاكتئاب والغضب الداخلي والعدوانية الخارجية.
- مرحلة الإقرار والتكيف.
3- تتمثل عوامل الخطورة التي تجعلك -بوصفك مقدم الرعاية- عرضةً للإصابة بالتوتر أكثر من غيرك فيما يأتي:
- أن تكوني أنثى.
- انخفاض مستواك التعليمي.
- أن يكون المريض عزيزًا عليك.
- العزلة الاجتماعية.
- الإصابة بالاكتئاب في وقت سابق.
- الصعوبات الاقتصادية.
- ساعات الرعاية الطويلة.
- ألاّ تتمتع بمهارات التكيف وحل المشكلات.
- ألاّ تملك خيارًا في تقديم الرعاية.
- الشعور بأنّك مغمورٌ وقلقٌ على الدوام.
- الشعور بالتعب الدائم.
- اضطراب النوم.
- اضطراب الوزن.
- سرعة الانزعاج والغضب.
- فقدان رغبتك في الأنشطة التي كنت تستمتع بأدائها سابقًا.
- الآلام المتكررة في الرأس والظهر أو أية آلام جسدية أخرى.
- تعاطي الكحول والعقاقير متضمنة الأدوية التي يصفها الطبيب.
5- كن حذرًا، فتوترك الدائم سيؤذي صحتك حتمًا.
كذلك سيسبب عدم اتباعك حمية غذائية أمراضًا خطيرة كالجلطات والسكري وغيرها.
أما إستراتيجيات التعامل مع التوتر فهي:
- اقبل العون: ضع قائمة بالمَهمات التي تريد أن يساعدك أصدقاؤك على أدائها، واطلب منهم اختيار ما يناسبهم؛ فقد يتسوق أحدُهم عوضًا عنك مثلًا أو حتى يعدُّ الغداء.
- ركّز على ما تستطيع إنجازه فقط ولا تحمّل نفسك ما لا طاقة لك به، وتذكر أنّه لا يوجد أحد كامل.
- ابقَ على اطلاع بكل ما هو جديد فيما يخصّ مرض طفلك؛ فهناك دوراتٌ لتأهيلك -لكونك مقدم الرعاية- تبعًا لنوع المرض، وهناك أيضًا مراكز خدمة تقدم إليك العون في النقل وتوصيل الطعام وتنظيف المنزل وغيرها.
- انضم إلى مجموعات الدعم فهي ستمنحك التشجيع وتزوّدك بإستراتيجيات لحل المشكلات. وأعضاؤها أناسٌ يعلمون جيدًا ما تمر به وقد تجد فيها مكانًا ملائمًا لتكوين الصداقات.
- اطلب الدعم الاجتماعي من أسرتك وأهلك وأصدقائك وممن سيقدمون إليك الدعم العاطفي غير المشروط دون أن يحكموا عليك.
- اهتم بصحتك الشخصية: نظّم نومك ومارس الرياضة وتناول غذاءً متوازنًا. وإذا عانيت الأرق فاستشر طبيبك وأجرِ الفحوص الطبية الدورية، ولا تتردد في إخبار طبيبك أنك مقدم رعاية أو في ذكر أية عوارض قد تشعر بها.
- خذ قسطًا من الراحة وابتعد قليلًا دون أن تؤنّب نفسك، ومن ثم عُد نشيطًا لتكمل الرحلة؛ فيمكنك مثلًا أن تترك طفلك يومًا برفقة ممرضة أو في مركز رعاية. وفي حال كنت تعمل؛ فخذ إجازة من العمل من وقت إلى آخر.
وفي الختام؛ تذكّر أنّك لست وحيدًا في هذا العالم، وأنك لستَ الأب الوحيد الذي يعاني ولدُه عجزًا.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا