الغذاء والتغذية > التغذية والأمراض
متلازمة انسحاب الكافيين
يعد الكافيين بمثابة "دواءٍ" لمعظم الناس، فهو من أكثر المواد ذات التأثيرات النفسية استخدامًا حول العالم، وأول الحلول عند الرغبة بالتخلص من الصداع، وتحسين الأداء الذهني، وتقليل الشعور بالنعاس. والكافيين مادةٌ كيميائية من مشتقات methylxanthine، يعملُ منبهًا للجهاز العصبي المركزي فيزيد التركيز واليقظة ويقلل التعب والإنهاك، وعلى عكس المواد الأخرى ذات التأثيرات النفسية، يتصِّف الكافيين بكونه رخيصًا واستعمالُه قانوني تمامًا ولا يخضع استهلاكه للرقابة في معظم أنحاء العالم (1).
ويسبب الاستهلاك المنتظم للكافيين اعتمادًا جسديًا ونفسيًا وعاطفيًا، ويؤدي استبعاده من النظام الغذائي لشخص معتاد عليه إلى حدوث متلازمة انسحاب الكافيين caffeine withdrawal syndrome التي تبدأ عادةً خلال 12-24 ساعةً من التوقف عن تناوله، وتزداد شدة الأعراض على مدى 7-14 يومًا قبل أن تتوقف كليًا، وتصيب هذه الحالة الشهيرة قرابة 80-90% ممن يستهلكون الكافيين بانتظام، وقد صنّفتها جمعية الطب النفسي الأمريكية American Psychiatric Association اضطرابًا عقليًا منذ عام 2013 (1).
ويعد كل من القهوة والشاي والمتة والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة أهم مصادر الكافيين، وتبلغ الكمية الآمنة منه 400 ملغ يوميًّا؛ أي ما يعادل أربعة فناجين من القهوة، أو قرابة عشرة عبوات من المياه الغازية، أو عبوتين من مشروبات طاقة، علمًا أنَّ محتوى المشروبات من الكافيين يختلف من صنفٍ لآخر وحسب طريقه التحضير أو التصنيع (1, 2).
يُمتص الكافيين سريعًا إلى مجرى الدم، وتبلغ الكمية الممتصة ذروتها في خلال 30 - 45 دقيقة، ويصل تركيزه في بلازما الدم إلى الذروة بعد مدة أقصاها 120 دقيقةً من تناوله. من جهةٍ أخرى، يتراوح عمر النصف للكافيين بين 1.5-9 ساعات، بمتوسطٍ قدره 4-6 ساعات تختلف تبعًا لعدة عوامل؛ كالحمل والبدانة واستخدام مانعات الحمل الفموية والتدخين، ويستقلب الكافيين في الكبد ويطرح مع البول عن طريق الكلى (1, 2).
ما هي أعراض متلازمة انسحاب الكافيين، وكيف نتعرف إليها؟
توجد عدة أعراض مميزة لمتلازمة انسحاب الكافيين، نستعرض أهمها فيما يأتي:
1- الصداع: يسبب الكافيين عادةً تضيقًا في الأوعية الدموية للدماغ الأمر الذي يبطئ جريان الدم إليه، إذ يمكن أن ينخفض تدفق الدم بمعدل 27% نتيجة الاستهلاك المنتظم لكمية لا تتجاوز 250 ملغ فقط من الكافيين. ونتيجةً لذلك التأثير، فإن أي انخفاضٍ في مدخول الكافيين سيسبب توسعًا في الأوعية الدموية وزيادةً مفاجئةً في تدفق الدم إلى الدماغ ينتج عنها صداع مؤلم، تختلف مدته وشدته حسب تكيُّف الدماغ مع تغيرات الجريان الدموي الطارئة (2-4).
2- التعب (الإرهاق): يعتمد العديد من الناس على شرب القهوة للحصول على الطاقة، ويعود ذلك إلى دور الكافيين الموجود فيها في حجب مستقبلات الناقل العصبي المسؤول عن الإحساس بالنعاس؛ ويسمى الأدينوزين adenosine، وبذلك يسهم الكافيين في تحسين الأداء الرياضي والتقليل من التعب المزمن. ونظرًا لأن متوسط مدة فعالية الكافيين يتراوح بين 4-6 ساعات، فإننا نلجأ إلى استهلاك عدة فناجين من القهوة -أو مصادر الكافيين الأخرى- على مدار اليوم سعيًا وراء مزيدٍ من اليقظة والنشاط، وكلما زادت الكمية المستهلكة كانت أعراض الانسحاب أسوأ وأكثر شدةً (2).
3- القلق: يزيد الكافيين معدل دقات القلب وضغط الدم، ويرفع مستويات هرمونات التوتر؛ مثل الكورتيزول cortisol والإيبينيفرين (أو ما يعرف بالأدرينالين) epinephrine، ويكفي فنجان واحد من القهوة لإحداث القلق لدى الأشخاص ذوي الحساسية العالية للكافيين. وعلى الرغم من أن الكافيين قد يسبب القلق لدى البعض، لكنَّه قد يكون ذا فعاليةٍ عكسية لدى آخرين؛ إذ نجد أن التوقف المفاجئ عن تناوله قد يسبب القلق أيضًا، ويعود ذلك إلى التعود الجسدي والنفسي عليه خصوصًا إذا كان من مصادر غنية بالسكر، إذ يترافق حينها بأعراض انخفاض السكر المفاجئ مما يمكن أن يجعل الأعراض أكثر سوءًا (2, 5).
4- صعوبة التركيز والنعاس وانخفاض الطاقة: يميل الكثير من الأشخاص إلى استهلاك الكافيين قبل الامتحانات أو عرض المشاريع والعروض التقديمية أو ممارسة التمارين الرياضية بهدف زيادة التركيز، إذ يحرض إفراز الأدرينالين الذي يعدُّ جزءًا من منظومة استجابة الدماغ للتوتر، ويرفع مستويات الدوبامين والنورأدرينالين (نورإيبينيفرين) مسببًا زيادة ضربات القلب وضغط الدم ومحفزًا اليقظة والتركيز في الدماغ. ويعدُّ استهلاك الكافيين لرفع الطاقة شائعًا في صفوف العاملين في بعض الوظائف المتطلبة التي تحتاج قدرًا كبيرًا من التركيز والطاقة. ويؤثر إيقاف الكافيين سلبًا في التركيز، إذ يفقد الجسم مصدر الطاقة الإضافية التي يمده بها الكافيين ويكافح لأداء وظائفه المعتادة، مما يؤدي إلى ظهور أعراض انخفاض الطاقة والنعاس (2, 6).
5- المزاج الاكتئابي: يُعرف الكافيين بقدرته على تحسين المزاج، إذ يمكن لكمية تعادل 1.5 ملغ/كغ من وزن الجسم أن تحسن المزاج وتخفض خطر الاكتئاب (2).
6-الغضب السريع: يعلم جميعنا أن من يستهلكون القهوة بانتظام يكونون بحالةٍ من الغضب والعصبية قبل تناول فنجان القهوة الصباحي، ويعود ذلك إلى بدء أعراض انسحاب الكافيين في فترة النوم وظهورها صباحًا بمجرد الاستيقاظ. ويعد هذا الأثر الجانبي لانسحاب الكافيين واحدًا من أهم الأسباب التي تمنع خفض الاستهلاك اليومي من الكافيين (6).
7- الرجفان: ويصيب اليدين غالبًا، ولا يستمر أكثر من 9 أيام من بدء أعراض متلازمة انسحاب الكافيين (7).
كذلك توجد بعض الأعراض الأخرى، منها هبوط ضغط الدم أو ارتفاعه، والإمساك، واحمرار الجلد، وتصلب العضلات، وبعض الأعراض الشبيهة بالزكام، والتقيؤ والغثيان، وآلام المفاصل والبطن (2).
يمكن اللجوء إلى الأدوية التي تؤخذ دون وصفة طبية لعلاج الصداع والغثيان والإقياء، في حين يعالج الإمساك - في حال حدوثه - بزيادة الوارد من الألياف الغذائية إضافةً إلى بعض الأدوية؛ إذ تزيد كلتاهما الحركات المعوية. وعمومًا، يًنصح بالإكثار من السوائل والإماهة الفموية أو الوريدية والنوم والراحة والحصول على الطاقة بطرائق طبيعية مثل ممارسة الرياضة وتخفيف التوتر وتناول الأطعمة الغنية بالمغذيات، إذ تمتلك تلك الوسائل فعاليةً كبيرةً في تخفيف أعراض متلازمة انسحاب الكافيين، علمًا أَّن إعطاء الكافيين يزيل أعراض المتلازمة مباشرة! (8).
وتبقى الوقاية خيرًا من قنطار علاج، لذا يُنصح بالحذر من الإسراف في استهلاك الكافيين -بمصادره المختلفة- في حياتنا اليومية ويُفضَّل أن تراقب الكمية المستهلكة منه يوميًا، وخصوصًا في حال الأشخاص المصابين بالشقيقة أو الصداع المتكرر. ويجري عادةً خفض وارد الكافيين تدريجيًا حتى التمكن من وقفه أو خفض استهلاكه نهائيًا، كذلك يمكن الاستعاضة عن المشروبات ذات المحتوى المركز من الكافيين بأصنافٍ أخرى أقل احتواء على هذا المنشط العصبي، فمن شأن ذلك أن يسهم في تقليل التعود تدريجيًا (2).
وأخيرًا، لا بدَّ من الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم يوميًا لتأمين الطاقة اللازمة لأداء الوظائف اليومية إلى جانب المواظبة على ممارسة النشاط البدني المنتظم وتناول الأطعمة الغنية بالمغذيات.
المصادر:
2. Is Caffeine Withdrawal a Mental Disorder? [Internet]. WebMD. 2004 [cited 21 April 2021]. Available from: هنا
3. How Caffeine May Help (and Cause) Headaches [Internet]. WebMD. 2019 [cited 21 April 2021]. Available from: هنا
4. Addicott M, Yang L, Peiffer A, Burnett L, Burdette J, Chen M et al. The effect of daily caffeine use on cerebral blood flow: How much caffeine can we tolerate?. Human Brain Mapping [Internet]. 2009 [cited 21 April 2021];30(10):3102-3114. Available from: هنا
5. Lovallo W, Farag N, Vincent A, Thomas T, Wilson M. Cortisol responses to mental stress, exercise, and meals following caffeine intake in men and women. Pharmacology Biochemistry and Behavior [Internet]. 2006 [cited 21 April 2021];83(3):441-447. Available from: هنا
6. Heatherley S. Caffeine withdrawal, sleepiness, and driving performance: What does the research really tell us?. Nutritional Neuroscience [Internet]. 2011 [cited 21 April 2021];14(3):89-95. Available from: هنا
7. ELLINGSEN D, BASTPETTERSEN R, EFSKIND J, GJOLSTAD M, OLSEN R, THOMASSEN Y et al. Hand tremor related to smoking habits and the consumption of caffeine in male industrial workers. NeuroToxicology [Internet]. 2006 [cited 21 April 2021];27(4):525-533. Available from: med.ncbi.nlm.nih.gov/16574229/'>هنا" target="_blank" rel="noopener noreferrer">هنا
8. Caffeine: How Long it Lasts, How Much & Withdrawals [Internet]. Cleveland Clinic. 2020 [cited 21 April 2021]. Available from: هنا