علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث
ذكاء عاطفي لحياة أكثر سعادة
منذ زمن أفلاطون وأرسطو، اهتم الفلاسفة بالمكونات الثلاثة للعقل والروح: الفكر والعاطفة والإرادة.
وقال أرسطو مرة: "يمكن لأي شخص أن يكون غاضبًا، هذا أمر سهل! ولكن أن تكون غاضبًا من الشخص المناسب إلى الدرجة المناسبة وفي الوقت المناسب وللهدف الصحيح، فليس أمرًا سهلًا". وهكذا كانت بدايات اكتشاف ما يدعى بالذكاء العاطفي Emotional Intelligence أو IE.
يتضمن الذكاء العاطفي ثلاث مهارات: الوعي العاطفي، والقدرة على تسمية العواطف والمشاعر وتحديدها، والقدرة على تسخير هذه المشاعر في التفكير وحل المشكلات وإدارة العواطف.
وتكمن أهمية الذكاء العاطفي في قدرته على توجيه الأفكار والأفعال، وبذلك؛ يكون الفرد قادرًا على تنظيم حياته على نحو أفضل وزيادة معرفته، إضافةً إلى أنه مهم في مساعدة الفرد على امتلاك صفات القائد الجيد.
ولكن؛ هل الذكاء العاطفي ذكاء أم مهارة؟
اختلفت الآراء في ذلك؛ إذ إنه يمكن للفرد أن يطوّر ذكاءه العاطفي عن طريق بعض الأمور، كذلك يختلف هذا الذكاء بين الذكور والإناث.
وقد أشارت الدراسات التي أجراها الباحثون في جامعة جنيف UNIGE وجامعة برن UNIBE في سويسرا إلى أنه تمتلك النساء ذكاءً عاطفيًّا أكثر من الرجال، ولا سيما في الأمور التي ترتبط بتفسير التعبيرات العاطفية غير اللفظية.
ومن ناحية أخرى، أشار الباحث مورتيلارو Marcello Mortillaro إلى أن بعض الأبحاث أكّدت على ازدياد الذكاء العاطفي مع التقدم بالعمر والخبرة، وبذلك؛ هناك فرصة دائمًا لتطوير ذكائنا العاطفي وتحسينه.
أما الباحث شليغل Katja Schlegel، فوجد أن الذكاء العاطفي يرتبط برفاهية الشخص ومدى رضاه عن حياته.
ونصّت دراسة أخرى على تأثير التدخين والكحول سلبًا في الذكاء العاطفي؛ إذ يكون المدخنون ومدمنو الكحول أقل قدرة على التحكم بمشاعرهم.
ما مراحل الذكاء العاطفي؟
تشكّل مراحل الذكاء العاطفي هرمًا مكونًا من تسع طبقات؛ أول طبقة هي المحفزات والمنبهات العاطفية، وهي عبارة عن كل ما يثير مشاعرنا من حولنا.
أما الطبقة الثانية فهي تمييز المشاعر بفهم مشاعر الآخرين عن طريق تعبيرهم غير اللفظي.
وتأتي بعدها مرحلة الوعي الذاتي، وهي الحالة عندما يكون الشخص قادرًا على تغيير مشاعره؛ مما يؤدي إلى تغيير تصرفاته.
ويصبح الشخص بعدها في مرحلة الإدارة الذاتية التي يزيد فيها قدرته على توضيح مشاعره بطريقة مؤثرة في الآخرين، ويصبح أكثر تحكمًا بردود أفعاله في الوقت نفسه.
وبعدها تأتي مرحلة الوعي الاجتماعي والتعاطف؛ إذ يزداد فيها الاهتمام بمشاعر الآخرين واحتياجاتهم.
وعندما يصبح الشخص قادرًا على إدارة النزاعات والسعي إلى تطوير الآخرين والتواصل الفعال معهم، إضافةً إلى اهتمامه بالعمل الجماعي؛ عندها يكون قد وصل إلى مرحلة الخبرة والمهارات الاجتماعية.
ومع تطور المرحلة السابقة، يمتلك الشخص إحساسًا بالالتزام الشخصي تجاه المجتمع ويسيطر عليه تفكير أنه مسؤول عن تغيير هذا العالم إلى الأفضل، وهذا ما يسمى بمرحلة تحقيق الذات.
أما الطبقة الثامنة التي يصل فيها الشخص إلى أعلى مستويات الوعي فهي التجاوز؛ أي رؤية النفس والعالم بطريقة مختلفة.
وأخيرًا؛ تأتي مرحلة وحدة العواطف التي تكون أقرب إلى التصوف وتسيطر عليها مشاعر الحب والفرح والوعي.
وتكمن أهمية الذكاء العاطفي في عدة أمور:
- الأداء في المدرسة أو العمل: يساعد الذكاء العاطفي على التغلب على التعقيدات الاجتماعية وزيادة المهارات القيادية، ويمكّن الفرد من تحفيز الآخرين ويوصله إلى التميُّز في عمله.
- الصحة البدنية: يخفف الذكاء العاطفي من الإجهاد عن طريق التحكم بالتوتر الذي يسبب أمراضًا كثيرة كالنوبات القلبية والسكتات الدماغية والعقم.
- الصحة العقلية: يكون الشخص ذو الذكاء العاطفي أقلَّ عرضة للاكتئاب والقلق.
ومن ناحية أخرى، يفيد الذكاء العاطفي في العلاقات؛ إذ يجعل الشخص قادرًا على التعبير عن مشاعره على نحو أفضل وقادرًا على التحكم بها وفهم الأطراف الأخرى.
كذلك يزيد الذكاء العاطفي من الذكاء الاجتماعي للفرد، فيجعله قادرًا على معرفة حقيقة الأشخاص في محيطه ويميّز الأفرادَ المهتمين به من غيرهم، إضافةً إلى الشعور الدائم بالسعادة والحب.
ونظرًا إلى أهمية الذكاء العاطفي فقد أصبح معيارًا جديدًا مهمًّا في عمليات التوظيف؛ إذ تعتمد كثيرٌ من الشركات والمؤسسات على اختبار الذكاء العاطفي (IEQ) للمتقدمين -ولا سيما في المجالات التي تحتاج إلى تفاعلات اجتماعية- ويُدعى هذا الاختبار بـ "اختبار الكفاءة العاطفية".
وقد أكّد على ذلك مورتيلارو Marcello Mortillaro بقوله: "كلما ازدادت مهارتك في الذكاء العاطفي، كانت نتائج عملك أفضل".
وعلى الرغم من الجدل في أساس الذكاء العاطفي؛ أنت تستطيع بالتدريب والتعلّم أن تزيد من ذكائك العاطفي وتستخدمه في عملك وحياتك اليومية لتحقق مزيدًا من السعادة والتفاهم في حياتك.
المصادر: