علم النفس > القاعدة المعرفية
مراحل إريك إريكسون في التطور النفسي والاجتماعي، (المرحلة الرابعة: الكفاءة مقابل الشعور بالنقص)
مراحلُ تطوّر الإنسان الاجتماعية والنفسية عند إريك إريكسون نموذجٌ مطوّرٌ من مراحل التطوّر الأربعة لفرويد، ولكن إريكسون وصفها بشموليةٍ أوسع من خلال ثماني مراحل تشمل كلٌّ منها فئةً عمريةً محدّدة. ومقالنا هذا يتناول المرحلة الرابعة من مراحل التطور الاجتماعي والنفسي عند إريك إريكسون؛ وهي الكفاءة مقابل الشعور بالنقص.
أولاً: ما الفرق بين المرحلتَين الثالثة والرابعة؟
يكمن الفرق في طريقة لعب الطفل في كلتا المرحلتين، إذ يميل الطفل في المرحلة الثالثة إلى تبديل الألعاب عدة مراتٍ ورمي القطع على الأقران، ونادراً ما ينهي ما بدأه، ويعود ذلك إلى فهمه الغامض لقواعد اللعب. أما في المرحلة الرابعة فإن الطفل يكتسب معرفة قواعد اللعب ويعُدّها مقدّسة، فيميل إلى إكمال اللعبة ويرغب دوماً بالوصول إلى نهايتها، ويسيطر عليه الانزعاج إذ لم يُسمَح له بذلك.
ما هي الكفاءة وما هو الشعور بالنقص؟
يمكن القول أن الكفاءة هي الثقة الداخلية؛ أي ثقةُ الشخص بنفسه، وهي حجر الأساس في مساعدة الشخص على النجاح عند مواجهة التحديات، وبها يطوّر الفرد إيمانَه بقدراته، وإدراكَه أن بإمكانه إنجاز ما يبغيه، بدلاً من قوله: "لا أعرف، أو لا أستطيع". أما الشعور بالنقص فهو تشكيك الشخص بقدراته وامتناعه عن إنجاز المهام وعدم تطوير إمكانياته، فيلازمه شعورٌ بعدم الجدوى والقدرة على أداء أي شيءٍ ذي أهمية.
وفقاً لإريكسون فإن المرحلة الرابعة تشمل الأطفال ما بين عمر الخامسة والثانية عشرة، وفي هذه المرحلة يتمتع الطفلُ بخيالٍ واسعٍ وقدرةٍ كبيرةٍ على تعلّم المهارات الاجتماعية التي ينادي بها المجتمع، بالإضافة إلى بدء مسيرته في تعلّم القراءة والكتابة، ما يتيح له اكتشاف ما حوله، وتجربة متعة النجاح في إنجاز الأعمال عند توفّر الدعم المناسب. وهذه المرحلة بالغة الحساسية، وتتطلّب من الأهل والمدرّسِين الوعي الكامل لكيفية التعامل مع الطفل لتنمية شعوره بالكفاءة وعدم قلبها إلى شعورٍ بالنقص.
يتنامى في هذا العمر شعور الطفل بالرغبة بأداء أمورٍ وأعمال تمكّنه من الحصول على تقدير المجتمع، ونجاحُه في إنجاز هذه الأعمال يؤدّي إلى الشعور بالفخر. ويسهم حصول الطفل على التشجيع والثناء على إنجازاته من الأهل أو المدرّسِين أو الأقران في تعميق شعوره بكفاءته وثقته بنفسه، في حين أن تجاهل قدراته وتقييده سيورِثانه شعوراً بالنقص، ما يجعله دائم التشكيك بقدراته ويمنعه عن تطوير نفسه. ومثالًا على ذلك: عندما يشعر الطفل بأنه يملك مهاراتٍ مهمّةً للمجتمع المحيط به؛ كامتلاكه مواهب رياضية بارزة، دون أن يستطيع تنميتها ودون تلقى الثناء عليها، فإنه يتقاعس عن تطويرها ويبدأ شعوره بالنقص.
ويكون التأثير الأهمُّ على الطفل في المدرسة من خلال المواقف المتعدّدة التي تعترضه ويُفرَض عليه التعامل معها، وذلك عن طريق الدراسة والأنشطة الجماعية والأصدقاء، إذ يتنامى الشعور بالنقص لدى الطفل إن فشل أو شعر بصعوبة التعامل مع أيٍّ من تلك المواقف، وهنا يبرز دور المدرّسين في تعليم الطفل مهاراتٍ تساعده على إنجاز ما بدأ به ورفض الاستسلام، ومن هذه المهارات: إيكال بعضِ المهام للطفل؛ مثل ريِّ النباتات وجمع المواد للمعلّمين وتوزيعها عليهم، أو الاحتفاظ بالسجلّات المدرسية، ومن الضروري التركيز على استخدام مفرداتٍ ومصطلحاتٍ معيّنة مثل: "الآن"، مع تقديم وجهات نظرٍ مختلفةٍ ودعم أفكار الطفل بالأدلّة المناسبة، ومن الضروري الابتعاد تماماً عن العنصرية والتمييز الجنسي، وتجنّب قمع الطفل وكبت قدراته؛ لأن ذلك يولّد لديه اعتقاداً بأنه لن ينجح مهما حاول، لأن النجاح مرتبطٌ بما أنت عليه، لا بعدد مرّات المحاولة للوصول، ما يؤدي إلى تقاعس الطفل عن تكرار المحاولة، وللأقران دورٌ مهمٌّ أيضاً في هذه المرحلة؛ فهم المصدر الأساسي لتعزيز احترام الطفل لنفسه وزيادة ثقته.
إن متعة الطفل في هذه المرحلة لا تكمن فقط في التخطيط لعملٍ ما؛ بل في تنفيذه وإنجازه على أكمل وجه، لكنّ الفشل ضروريٌّ أيضاً ليتعلّم الطفل التواضع، ومن الضروري وجود توازنٍ بين الكفاءة والتواضع. وفي بعض الأحيان، تؤدي الكفاءة الزائدة إلى البراعة الضيقة بسبب تحديد الأهل لمجال إبداع الطفل ومنعه من اكتشاف أشياء أخرى وتوسيع مجال اهتماماته، كفرض تعلّم الموسيقى على الطفل أو لعب رياضة محدّدة، لذا من اللازم تحقيق التوازن بين الكفاءة وشعور النقص لخلق روح التواضع عند الطفل.
إجمالاً، يجب على الأهل والمدرّسين تقديم التشجيع والدعم المستمر للطفل، وتوفير بيئةٍ مناسبةٍ تمكّنه من اكتشاف الطرائق المناسبة لإنجاز مهامٍ محددة بغية ضمان اجتياز طفلهم المرحلةَ الرابعة بنجاح، ولا يكون ذلك إلا باكتسابه شعور الكفاءة، أما الفشل في هذه المرحلة فسيتحوّل إلى شعور بالنقص يرافقه بقية حياته.
المصادر:
1- هنا
2- هنا
3- هنا
4- هنا
5- هنا