كتاب > روايات ومقالات
"عشر نساء"؛ تعدَّدت الأسباب والنتيجة مرض نفسي
وُلِدت مارثيلا سيرانو عام 1951 في تشيلي، وقد اهتمَّت بالفنون البصرية ثمَّ نَشَرت أوَّل روايةٍ لها بعنوان "أحببنا كثيرًا" عام 1991، ولاقت رواياتها رواجًا هائلًا وحازت جوائز عدَّة، وتُعدُّ سيرانو من أبرز الكتاب في أمريكا اللاتينية حاليًا، ومن أكثر الذين يُقرَأ لهم في إسبانيا وإيطاليا.
عشر نساء؛ منهنَّ الوحيدة، ومنهنَّ من تبحث عن الوحدة، ومن تبحث عن الأضواء، ومن تتمنَّى أن تجد مكانًا واحدًا لا يعرفها فيه أحد، وتلك المُعيلة لأسرتها، والتي تتمنَّى الاستقلال عنهم.
وتقسم الرواية إلى فصول أوَّلها مقدمةٌ وآخرها خاتمة، وبقية الفصول باسم واحدة من تلك النساء.
تبدأ الرواية بمقدمة تعرض مشهدًا لتسع نساء لا تعرف إحداهنَّ الأخرى؛ تمشينَ في الطريق، وتُثرنَ الرعب في المارَّة، ويُطلِق الناس عليهنَّ لقبَ المجنونات، إلى أن يصلْنَ إلى المعالجة النفسية ناتاشا التي تنتظرهنَّ في شرفتها.
إنَّ فرانثيسكا أوَّلُ من ستحكي قصتها، وهي أقدم مريضة عند ناتاشا، وقد قرَّرت الذهاب إلى المعالجة النفسية؛ بسبب خبر في التلفاز عن طفل تقدَّم بالبلاغ عن أمه وأبيه اللذين وصلا إلى بيتهما متأخرين ثَمِلين دون أخته الصغيرة؛ فقد نسياها في الطريق، وهذا الخبر هو ما جعلها تنتبه إلى أنَّ حياتها روتينية أو كما تُسمِّيها "أيام الشلل"، ثمَّ مانيه؛ العجوز التي لا تملك سوى ماضيها وجمالها الزائل لتتحدث عنه، وهي تعيش وحيدةً، وكلُّ ما تتمنَّاه كما تقول: "يدٌ في شعري قبل أن أغفو نائمةً إلى الأبد".
ومن بعدها خوانا؛ المُعيلة لوالدتها المُقعدَة وابنتها المصابة بالاكتئاب، وتذهب خوانا إلى المعالجة النفسية حتى تحافظ على توازنها وصحتها، وتستكمل مسيرتها في الاهتمام بصحة والدتها وابنتها، فهي تضطرب عند سماع صفَّارة إنذار سيارة إسعاف فتقول: "في كلِّ مرَّةٍ أسمع صفَّارة إنذار أو تمرُّ سيارة إسعاف، أُفكِّر في المأساة التي تُعاش في إطار ذلك الدويِّ الذي ترى فيه إحدانا أمرًا عاديًّا، وتكاد لا تسمعه".
أمَّا سيمونا؛ فهي النسوية المُناصرة لحقوق المرأة، والتي تزوجت أكثر من مرَّة، وقررت الانفصال عن زوجها الأخير بعد زواجٍ دام عشرين سنة؛ بسبب إدمانِه كرةَ القدم والتلفاز إدمانًا غير طبيعيٍّ ، إضافةً إلى تسخيفِه مرضها بالاكتئاب، فعندما تكون المقارنة بين مأزق يخصُّها وموعد مباراة في التليفزيون، فإنَّه يُفضِّل المباراة ويتهمها بالأنانية، وهي ترى أنَّ "الرجال شيء رمزي، ويمكن العيش دون هذا الرمز".
ثمَّ ليلى؛ الصحفية عربية الأصل، والتي تعرَّضت للاغتصاب، ثمَّ لجأت إلى إدمان الكحول لنسيان مأساتها، لكنَّ حَمْلها وطفلها الناتج من ذلك الاغتصاب كان يذكِّرها بالحادث دومًا؛ إذ تقول "لقد اغتُصِبت مرَّةً أخرى حين رأيت نتيجة اختبار الحمل".
ولويسا؛ الريفية المتزوجة من ثائر اعتُقِلَ واختفى، ولم تعرف كيف تبحث عنه، فظلَّت صامتةً تنتظره ولم يأتِ، وبقيت تفقده قائلةً: "ما زلتُ في تفكيري أمشي إلى جانبه، وأشعر بدفئه يمشي إلى جانبي".
أمَّا المرأة السابعة جوادالوبي؛ المراهقة السحاقية التي تحاول التأقلم والتصالح مع وضعها على الرغم من ضغوط أهلها وكلِّ من حولها، فرأيُها بنفسها يتجلَّى في قولها: "وُلِدتُ مختلفةً، وعليَّ أن أعنى كلَّ يوم بهذا الاختلاف".
وآخر امرأتين آندريا وآنا روسا؛ فآندريا الإعلامية المشهورة التي لا تتعرَّف إلى نفسها إلا عن طريق أضواء الكاميرات، فتحاول التعرف إلى نفسها الحقيقية في الصحراء؛ إذ تقول: "صمتُ الصحراء يتيح لي الاقتراب من أناي الحقيقية"، ثمَّ آنا روسا؛ ثلاثينية فقدت والديها في حادث سير منذ طفولتها، واعتنى جدُّها بها وبإخوتها الصغار إلى أن تُوفِّي، وقد تزوجتْ أختها الصغرى وظلَّت هي تعتني بأخيها الصغير وتعوله، فتشعر بالتقصير والذنب دومًا، وتحاول التكفير عنه بعدم تفكيرها في الزواج أو الإنجاب؛ لخوفها من عدم قدرتها على محبة أطفالها وإعطائهم الاهتمام الكافي، فتقول: "أعرف شيئًا واحدًا فحسب؛ إنَّ كلَّ ما حدث وما سيحدث لي هو خطيئتي". وأخيرًا ناتاشا؛ المعالجة النفسية وصاحبة هذا الاجتماع والتي سنتفاجأ بعدم حضورها الاجتماع؛ ولكن، سنجد مساعِدَتها، وهي من ستحكي قصتها لهنَّ.
تساعد ناتاشا مريضاتها في تجاوز أزماتهنَّ بأن تحكي لكلٍّ منهنَّ قصتها، فرأيُها يقول بحسب الاقتباس الذي تركته لهنَّ ووضعت تحته خطًّا: "وهكذا نواصل التجديف ضدَّ التيار مدفوعين دون توقُّف نحو الماضي، إنَّها صورة بديعة، تمثِّل الشرط البشري؛ فالماضي ملاذٌ آمن وإغراء دائم، ومع ذلك، فإنَّ المستقبل هو المكان الوحيد الذي يمكننا الذهاب إليه".
وتختتم الرواية بأنَّ النساء التسع قد صِرْنَ صديقات، وودَّعن بعضهنَّ بمودة.
وقد تَرجم هذه الرواية صالح علماني، وهو من روَّاد ترجمة الأدب اللاتيني، وترجماته ذات طابعٍ مُميَّز.
معلومات الكتاب:
الكتاب: عشر نساء.
الكاتب: مارثيلا سيرانو.
المترجم: صالح علماني.
عدد الصفحات: 382 صفحة.
دار النشر: دار بلومزبري- مؤسسة قطر للنشر.