الرياضيات > الرياضيات
أينشتاين يمدُّ يدَ العون لطالبات المرحلة الثانوية؛ ولكن؟!
تلقى ألبرت أينشتاين- البالغ من العمر 73 عامًا- في أيار (مايو) من عام 1952 رسالةً من الفتاة (جوانا مانكيويكز Johanna Mankiewicz) ذات الأربعة عشر عامًا، تطلب فيها مساعدته على حل مسألة مدرسية في الرياضيات الهندسية. وقد جاءت خطوة جوانا الجريئة في طلب المساعدة من عالم الفيزياء الأشهر في الوسط العلمي الأمريكي نتيجة نشأتها ضمن محيط مليء بالمشاهير؛ فهي ابنة الكاتب (هيرمان مانكيويكز Herman Mankiewicz) الذي تعاون مع (أورسن ويلز Orson Welles) في فيلم Citizen Kane، كما أنها ابنة أخ المخرج والمنتج الشهير (جوزيف مانكيويكز Joseph Mankiewicz).
كتبت جوانا في رسالتها إلى أينشتاين: "إنني لمدركة أنك رجل مشغول جدًّا، لكنك الوحيد الذي يستطيع تزويدنا بالإجابة". أما المسألة التي عدتها جوانا وزميلاتها صعبة جدًّا وتستدعي مساعدة أينشتاين شخصيًّا، فقد كانت في الحقيقة مسألة معيارية في الهندسة الإقليدية، تتضمن تطبيقًا لنظرية فيثاغورث. المطلوب من المسألة إيجاد طول المماس الخارجي المشترك لدائرتين متماستين، نصف قطر إحداهما 8 إنش (بوصة) ونصف قطر الأخرى 2 إنش (بوصة). أرسل أينشتاين إجابته بالبريد مكتوبة بخط يده على الوجه الخلفي للورقة التي أرسلتها جوانا، وكانت الإجابة كالآتي:
وكتابة أينشتاين تحت الرسم التوضيحي تنص على الآتي:
"نصف القطر r3 للدائرة K3 هو الفرق r3 = r1 - r2.
المماس K3 ← O2 هو ||(موازٍ) لمماس الدائرتين K1 و K2، ويمكن إنشاؤه بسهولة. هذا يعطي الحل.
(التوقيع) A.E.
الشكل الآتي يعطي نسخة أكثر وضوحًا وتناسبًا في الأطوال لرسم أينشتاين أعلاه:
أما منطق أينشتاين في هذا الحل، فقد كان كالآتي:
- ارسم الدائرة المتقطعة بنصف قطر مساوٍ للفرق بين طولي نصفي القطرين المعطيين في المسألة. في هذه المسألة r1 = 8 inches و r2 = 2 inches، فيكون نصف قطر الدائرة المتقطعة r3 = 6 inches.
- ارسم مماسًا للدائرة المتقطعة يمر من مركز الدائرة الصغيرة. نصف قطر الدائرة K1 هو ذاته نصف قطر للدائرة المتقطعة K3. وبذلك يمكن إنشاء مماس متساوٍ في البعد للدائرة K3، وموازٍ للمماس المشترك بين الدائرتين K1 و K2 (وهو المماس المرسوم بخط متقطع). إن طول هذا المماس المنتهي عند النقطة O2 (مركز الدائرة K2) هو الطول المطلوب إيجاده في هذه المسألة.
- ختم أينشتاين إجابته عند هذا الحد بالقول "وهذا يعطي الحل" دون إعطاء الشرح الكافي والمفصل الذي كانت تنتظره الفتاة.
وهنا كان على جوانا أن تتذكر النقطة الأهم المعطاة في هذه المسألة والتي لم يذكرها أينشتاين في رده، وهي أن الدائرتين متماستان أي أنهما تلتقيان في نقطة وحيدة. الشكل الآتي يوضح جميع معطيات المسألة مع إنشاء أينشتاين:
الدائرتان المتماستان تشكلان مثلثًا قائم الزاوية، أضلاعه: نصف قطر K1 (من O1 ويتوقف عند K3)؛ الوتر (من O1 إلى O2)؛ وخط أينشتاين المتقطع. باستخدام نظرية فيثاغورث، نجد أن طول المماس المطلوب يساوي:
بتعويض الأرقام المعطاة في المسألة، نجد أن طول المماس المشترك يساوي 8 إنش (بوصة).
إن إجابة أينشتاين الرمزية والضمنية لم تراعِ مستوى تلك الطالبات الإدراكي والأكاديمي، وهنّ ما زلن في المستوى التحضيري للمرحلة الثانوية؛ إذ إنَّ إجابته لم تشر إلى القيم العددية للأطوال المعطاة في المسألة أو إلى استخدام نظرية فيثاغورث أو حتى إلى شرط تماس الدائرتين الذي كان ضروريًّا لإيجاد الحل. غير أن هذه الحادثة حظيت باهتمام كبير من الصحافة التي تهافتت لنقل مجرياتها، مع التركيز على تواضع أينشتاين واستعداده للاستجابة إلى رسالة تلك الفتاة التي لجأت إليه لحل مسألة الهندسة الصعبة في نظرها. ونُشرت القصة على غلاف أهم الصحف في الولايات المتحدة في 16 أيار (مايو) من عام 1952، مثل صحيفة New York Times وصحيفة Los Angeles Times. كما وصل الخبر إلى أستراليا في اليوم نفسه، ونُشر على غلاف صحيفة Sydney Morning Herald الأسترالية.
لكن الصحافة في اليوم التالي 17 أيار (مايو) بدأت برؤية القصة من زاوية أخرى غير مستحبة بحق أينشتاين وجوانا على حد سواء. فقد نشرت صحيفة Los Angeles Times مقالًا عنوانه "أينشتاين يفشل كمدرس للهندسة"، ومفاده أن جوانا كانت ممتنّة لاستجابة أينشتاين، لكنها لم تستطع فهم "الكتابات الهيروغليفية" في إجابته. ولم تتوقف تداعيات القصة هنا، فقد ظهر طبيب الأسنان (ليون بينكوف Leon Benkoff) في المشهد؛ فقد اتصل بصحيفة LA Mirror وادعى أن جواب أينشتاين لم يكن صائبًا من الأساس، وأنه أجاب عن مسألة مختلفة وهي كيفية إنشاء مماس لدائرة، بينما المسألة هنا تتطلب إيجاد طول المماس. ما دفع الصحيفة إلى نشر الخبر على الغلاف بعنوان عريض: "أينشتاين "يفشل" في الرياضيات لكنه ما زال حائزًا على جائزة نوبل". وهكذا أصبح (بينكوف) معروفًا في المدينة كونه "الرجل الذي صحح لأينشتاين".
وفي السياق نفسه؛ فإن مدرّس جوانا ومديرة المدرسة لم يكونا سعيدين برسالتها التي عبّرت فيها أن أينشتاين هو "الشخص الوحيد الذي يستطيع مساعدتنا"؛ ووبّخاها على رسالتها. وأبدت مديرة المدرسة استياءها علنًا من تدخل أينشتاين، قائلة: "على العلماء العظماء أن يُعنَوا بالمشكلات العظمى فقط". أما أينشتاين فقد التزم الصمت ورفض التعليق على ما جرى.
المصدر: