كتاب > روايات ومقالات
ماذا لو التهمك كتابٌ تقرؤه؟
يقدم أفونسو كروش؛ الكاتب البرتغالي متاهةً فكرية خيالية، أرضُها الكتب وأشخاصُها شخصيات الروايات وبطلُها إلياس بونفين.
تتألف الرواية من ٢٧ فصلًا؛ تُشكِّل عناوينها جملًا من الفصول ذاتها ونهاية.
وتبدأ القصة بعنوان (كتبًا، مزيدًا من الكتب)، هذا ما كان يتوق إليه والد إلياس فيفالدو، فعلى الرغم من عمله في مكتب الضرائب، لكنَّه كان مولعًا بالأدب والقراءة، فوجد طريقةً لقراءة كتبه في كل الأوقات؛ في العمل وفي أثناء وجوده في البيت، وفي علِّيته الخاصة، إلى أن اختفى في يومٍ من الأيام ولم يَعُد من أهل هذه الدنيا.
و(لم يعد من أهل الدنيا)؛ هي تورية كلمةِ (مات) وتقديمها تقديمًا ألطف، ولكنَّ الذي حدث مع والد إلياس لم يكن توريةً من أيِّ نوع، فقد كان يقرأ خلسةً واحدًا من كُتُبه فعلًا في أثناء عمله، عندما ناداه مديرُه ولم يرد عليه، ليكتشف كتابَ (جزيرة الدكتور مورو) مفتوحًا على طاولة فيفالد، ولا أثر له على الإطلاق.
وفي عيد ميلاد إلياس الثاني عشر، تُهديه جدَّته مفتاح علِّيتها؛ التي كان يُخبِّئ والده فيها الكتب، ليلتقي بأقرب الكتب إلى قلب والده ويقتفي أثره،علَّه يجده وراء الجمل أو بين الحروف.
كان كل شي يعجُّ بالحروف؛ يبدأ الفصل الرابع بهذه الجملة لتصف العليَّة المملوءة بالكتب المتنوعة التي مرَّت عيون فيفالدو عليها وسكنت بين يديه وقضى معظم أمسياته فيها، والتي اختفى بين جنباتها أيضًا.
أخذ إلياس يقرأ كتابًا تلو الآخر وهو الذي لم يعرف سوى كتب المدرسة، أمَّا الآن فقد وجد نفسه أمام متعةٍ عظيمة؛ متعة القراءة، فنمَّى نهمه بغتةً ليصبح -كما كان والده- يتأخر على مواعيد العشاء، ممَّا آثار حفيظة والدته.
وظل إلياس يقرأ كتبًا، ويغذي ثقافَتَه حتى وصل إلى كتاب جزيرة الدكتور مورو، والذي يحكي عن غرق سفينة ليدي فين؛ إذ يجد إدوارد برينديك نفسه على جزيرة الدكتور مورو الذي يُجري تجارب على الحيوانات؛ لجعلِها بشرية، ولكن بحسب قوله: "فصحيح أنَّ تلك الحيوانات غير عاقلة، ولكنَّها ليست بلهاء، ومن المؤكَّد أنَّ الطابع البشري لا يناسبها، ثم إذا افترضنا وجود كائنات حية غير إنسانية، فهي بنو البشر أنفسهم".
لم يستطع إدوارد بعد عودته من الجزيرة أن يتعايش مع البشر، وانزوى بنفسه وبدأ يخصص جلَّ وقته للقراءة.
وينتهي كتاب جزيرة الدكتور مورو بأنَّ إدوارد لجأ إلى طبيب نفسي متخصص في الأمراض العقلية أخيرًا.
وبالعودة إلى الحياة خارج الكتب، كان يمشي بطلُنا في أحياء لندن مستشعرًا ما كتبه ويلز وقرأه إلياس مؤخرًا، ليجد اسم الطبيب زيركوف، وهو الاسم ذاته الذي كان قد كتبه والده على هامش كتاب الدكتور مورو.
يدخل إلياس إلى عيادة الطبيب زيركوف ويسأله عن والده وعن إدوارد؛ ممَّا يدفع الطبيب إلى اعترافٍ غريب بأنَّ إدوارد قد راجعه فعلًا في السابق، ومع تطوُّر حالته اضطر إلى حبسه في إحدى الغرف؛ للاعتناء به عن قرب ومراقبة الشَّعر الذي بدأ ينمو على جسمه، ومشيته التي باتت تشبه مشية الكلاب، وفي إحدى الأيام، لم يجد إدوارد في الغرفة؛ بل وجد مكانه كلبًا أسودًا.
يرافق الكلب آرغوس إلياس، ليبدأا رحلةً سحرية تحيطها الغرابة والدهشة؛ فيقوده أولًا إلى بيت متطرِّف بعيد عن المدينة، وبعد إجراء محادثة مع صاحبة البيت، يكتشف إلياس أنَّ والده كان يعمل قارئًا للكتب عند إدوارد نفسه.
وبعد أسبوع، يجلس إلياس بصحبة السيد ستيفنسون؛ كاتب قضية الدكتور جيكل والسيد هايد الغريبة، والذي يحكي عن رجل يحتسي جرعةً غريبة، فيستيقظ آخرٌ داخله ليفعل الشرَّ دون رادع أخلاقي، فتدور القصة عن الضمير والجوانب المظلمة الموجودة فينا.
وبعدها يخوض إلياس غمارَ الكوميديا الإلهية لدانتي محاولًا بدء حديثه عنها مع محبوبته بياتريس، وبعدها الجريمة والعقاب لدوستويفسكي ليتعرف إلى راسكولينكوف الذي دلَّه عليه السيد هايد سابقًا، ثم 451 فهرنهايت الدرجة التي يحترق عندها الورق؛ الرواية التي يحفظ الناس فيها الكتب ليصبحوا فيما بعد كُتُبًا متنقِّلة؛ وهكذا، حتى تصبح الكتب جزءًا من واقعه، وهو نفسه إحدى الشخصيات فيها؛ ينتقَّل بين العناوين بسهولة، ويبدأ أحاديث مختلفة مع الأبطال.
ويحدث بعدها حدث مفصلي بين إلياس وصديقه بومبو السمين ذي الشعر الدهني، يؤدي إلى شعور إلياس بندم فظيع يرافقه حتى الموت، فما هو؟
تُروى النهاية مثل الفصول السابقة على لسان إلياس، ليضع أفكاره النهائية في عمر 72 عامًا، والتي قد يختصرها بقوله: "لأنَّ الإنسان مشكَّل من تلك الحكايات، وليس من الجينات والعضلات والعظام، بل حكايات".
إنَّ رواية الكتب التي التهمت والدي روايةٌ ساحرة تأخذنا في مغامرة بين شخصيات الكتب الأشهر وتدفع نهمنا للقراءة إلى مستوى أعمق وأعلى، إنَّها رواية تستحق القراءة والغرق فيها.
معلومات الكتاب:
الكتاب: الكتب التي التهمت والدي.
الكاتب: أوفونسو كروش.
ترجمة: سعيد بنعبد الواحد.
عدد الصفحات: 114 صفحة.
تاريخ النشر: 2018 بنسخته العربية.
دار النشر: مسكيلياني للنشر والتوزيع.